هذا خلق الله

الليل والنهار

الليل والنهار :

قال الله الملك الحق :

” وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا “. (الإسراء : 12)

وقال ربيعة بن أبي ربيعة وهب بن علاج الثقفي :

إن آیـــات ربنا ثاقبــــاتٌ … ما يماري فيهن إلا الكفورُ

خلق الليـــل والنهار فكلٌّ … مستبينٌ حسابه مقدورُ

ثم يجلو النهارَ ربٌّ رحيمٌ … بمهاةٍ شعاعها منشورُ

كل ديــنٍ يوم القيامة عند … الله إلا دين الحنيفةِ بورُ

جعل الله جل في علاه الليل راحة واستراحة لأبداننا ونفوسنا من عناء يوم طويل ، ولا يستطيع الإنسان أن يقدر هذه النعمة التي لطالما غفل عنها ، فالليل آية ونعمة من نعم الله جل وعلا ، فهو الظلمة التي تنبعث من جهة المشرق فتغشى وجه الأرض ويخلد الجميع إلى الراحة ، ونستسلم إلى النوم ، ويعم السكون والهدوء .

في الليل فوائد للإنسان والحيوان ، ومعونة للنبات على النماء ، وفيه منافع شتى يعجز البشر عن إدراكها .

جاء ذكر الليل في القرآن الكريم اثنتين وتسعين مرة ، وجاء ذكر النهار سبعًا وخمسين مرة ، وهما من آيات ربنا الكبرى ؛ لأن في ذلك استقامة للحياة على الأرض ، وعونًا للإنسان على تحديد الزمن ، والتأريخ للأحداث المتتالية ، وبدون هذا التبادل بين الليل المظلم والنهار المنير تتوقف الحياة على الأرض ، ويتلاشى إحساس الإنسان بمرور الزمن ، وتتوقف قدرته على متابعة الأحداث والتأريخ لها.

وأشار الله سبحانه إلى دوران الأرض حول نفسها ، من خلال الوصف الدقيق لنظام تولد الليل والنهار كما في قوله : ” يُغْشِى ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ ” (الرعد : 3) ، وقوله تعالى : ” يُكَوِّرُ ٱللَّيْلَ عَلَى ٱلنَّهَارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّهَارَ عَلَى ٱللَّيْلِ ” (الزمر : 5) ، وقوله : ” يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ “. (فاطر : 13)

وقوله سبحانه : ” وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ “. (يس : 37)

وفي التفسير أن الله يغطي أو يلحق زمنيًا كلًا من الليل والنهار بالآخر ، أو يجعل زمن الليل وزمن النهار يتعاقبان بسرعة على الأرض .

يتعاقب الليل والنهار ؛ وبذلك لا يبقى مكان على الأرض دائم الليل أو دائم النهار ، وهذه نعمة من الله على عباده ، ويمن علينا ربنا ‏بها فيقول سبحانه : ” قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلْلَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ ﴿71﴾ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلَا تُبْصِرُونَ ﴿72﴾ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ “. (القصص : 71-73)
ولو شاء الله بقاء الليل دائمًا أو بقاء النهار دائمًا لفعل ، وليس هناك من يستطيع الإتيان بأحدهما ، ولذلك قال : ” وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ “.

ويقول رب العزة سبحانه : ”  وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ لِبَاسًا “. (النبأ : 10)

ويقول عز وجل : ” هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ “. (يونس : 67)

فما يغطي الناس كاللباس ؛ وهو ظلمة الليل في الأساس ، فما أروعه من إحساس .
ويا له من ربٍّ رحيم ، رب الناس ، ملك الناس ، إله الناس .

أعاذنا الله ” مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ * ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ * مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ “. (الناس : 4-6)

قال ابن كثير في تفسيره : أخبر الله أنه الذي جعل لعباده الليل ليسكنوا فيه ، أي يستريحون من نصبهم في الظلام لتسكن حركاتهم بسببه وتهدأ أنفاسهم ، ويستريحون من التعب في نهارهم .

( وهو الذي جعل لكم الليل لباسا ) أي يلبس الوجود ويغشاه ، كما قال ( والليل إذا يغشى ) ، ( والنوم سباتا ) أي قاطعًا للحركة لراحة الأبدان ؛ فإن الأعضاء والجوارح تكل من كثرة الحركة ، فإذا جاء الليل وسكن سكنت الحركات فاستراحت ، فحصل النوم الذي فيه راحة البدن والروح معًا .

وفي تفسير الطبري : إن ربكم أيها الناس الذي استوجب عليكم العبادة هو الذي جعل لكم الليل وفصله من النهار ؛ لتسكنوا فيه مما كنتم فيه في نهاركم من التعب والنصب ، وتهدأوا من التصرف والحركة للمعاش ، جعل الليل لخلقه جنة يجتنون فيها ويسكنون ، فصار لهم سترًا يستترون به كما يستترون بالثياب ، وجعل النوم راحة تستريح به أبدانكم وتهدأ به جوارحكم .

وقال القرطبي : لتسكنوا فيه أي مع أزواجكم وأولادكم ليزول التعب ، والسكون : الهدوء بعد الاضطراب ؛ راحة للأبدان .

وجاء في تفسير الجلالين : وهو الذي جعل لكم الليل لباسًا أي ساترًا كاللباس ، والنوم راحة للأبدان بقطع الأعمال ، وهو الذي جعل لكم الليل سترًا للخلق يقوم مقام اللباس في ستر البدن .

وقال الشنقيطي في ” أضواء البيان في إيضاح القرآن ” : ذكر جل وعلا أنه هو الذي جعل لخلقه الليل لباسًا ، والنوم سباتًا ، والليل لباس يغطي جميع من في الأرض بظلامه ، يسترهم كما يستر اللباس عورة صاحبه .

وفي القرآن الكريم سورة باسم الليل ، بعد سورة الشمس ، وقبل سورة الضحى ، تتكون من إحدى وعشرين آية .
وقد أقسم الله سبحانه وتعالى به في كتابه العزيز ؛ فقال سبحانه : ” وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ “. (الليل : 1)

ونتساءل عما أودع الله فيه من عظيم حكمته ومظاهر عظمته وقدرته حتى استحق أن يقسم به ، وما يقسم ربنا إلا بعظيم ؛ ومن هذا القسم قوله تعالى : ” وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ” (المدثر : 33) ، وقوله عز من قائل : ” وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ” (التكوير : 17) ، وقوله سبحانه : ” وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ “. (الليل : 1)

والآيات التي تتحدث عن نعمة الليل كثيرة ؛ لما في ذلك من مصالح للعباد ؛ فالليل للنوم وفيه الراحة إذ تسكن الأشياء ويستريح البدن ، فخلق الله لهذه الأشياء مع ما فيها من نعمة كبرى على الكائنات ، دليل على وحدانيته تعالى لأنه وحده الذي جعل الليل سكنًا مظلمًا لتسكن فيه الأشياء .

يقول الطبري : أفلا ترون اختلاف الليل والنهار عليكم رحمة من الله فتعلموا بذلك أن العبادة لا تصلح إلا لمن أنعم عليكم بذلك دون غيره ، ولمن له القدرة فعل ذلك لتفردوه بالشكر .. وذكر الله في القرآن ظاهرة النوم في معرض الامتنان علينا ، والبيان بأنها آية من آياته ، وهذا يدلنا على إثبات أن النوم ضروري للإنسان ، ومنها حصول الضرر لمن يخالف الفطرة ، وجعل النوم حاصلًا للإنسان من دون اختياره .

وأكدت الدراسات الحديثة أن النوم في الظلام يُحَسِّن نشاط جهاز المناعة ويؤدي إلى زيادة مخزون الطاقة ، ويجدد الخلايا ، ويساعد على تخلص الدم من السموم ، وعلى استرخاء البدن وهدوء الأعصاب ، ويريح العينين ، ويقوي البصر ، ويساعد على تجديد الخلايا التالفة في الجسم .

– إضاءة :

حُرِمَ كثير من الناس هذه النعمة ؛ إما بسبب جهلهم أو ضلالهم أو عنادهم ، وسلكوا طرقًا أخرى غير طريق الله وصراطه المستقيم ؛ فضلّوا وحبطت أعمالهم ، وخسروا الدنيا والآخرة .

ندعوكم لقراءة : إعجاز القرآن في الليل والنهار

– ظاهرة تعاقب الليل والنهار :

ذُكِرت آيات تعاقب الليل والنهار في كتاب الله المحكم في اثنين وعشرين موضعًا ، وفي الغالب قُرِنت هذه الآيات بطلب من الله تعالى للتفكر فيها .

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بخصوص الآيات التي ذُكِر فيها تعاقب الليل والنهار في سورة آل عمران : ” ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها : { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلَافِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } (آل عمران : 190) “. (رواه ابن حبان في صحيحه) – (والحديث إسناده صحيح على شرط مسلم)

وظاهر الآيات المتعلقة باختلاف الليل والنهار لا يعطينا حقيقة علمية صريحة ، حتى نقارنها بما توصل إليه العلم الحديث ؛ ولكنها تلفت نظر البشرية إلى أنه لا بد من التمعن والتفكر والتمحيص والبحث وراء مكونات هذه الآيات ، فالناظر في هذه الآيات يرى أنها تشير في موضوعين إلى ظاهرتين متصلتين ومنفصلتين في قضية تعاقب الليل والنهار ، وأن بينهما علاقة لا بد من إيجادها ، وهذان الموضوعان هما :

  • الموضوع الأول : { اختلاف الليل والنهار } بمعنى أن هذا يجيء ، ثم يذهب ، ويخلفه الآخر ، ويعقبه ، ولا يتأخر عنه لحظة .. وأيضًا ثمة إعجال في الاتصال بينهما .. وتلكم الآيات التي تتحدث في هذا الموضوع :

قال تعالى : ” إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلَافِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ “. (البقرة : 164)

قوله عز وجل : ” إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلَافِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ “. (آل عمران : 190)

قوله سبحانه : ” إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ “. (الأعراف : 54)

قوله جلَّ من قائل : ” إِنَّ فِي ٱخْتِلَافِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ “. (يونس : 6)

قوله تعالى : ” وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ يُغْشِى ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ “. (الرعد : 3)

قوله عز وجل : ” وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا “. (الفرقان : 62)

قوله سبحانه : ” خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ يُكَوِّرُ ٱللَّيْلَ عَلَى ٱلنَّهَارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّهَارَ عَلَى ٱللَّيْلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى أَلا هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفَّارُ “. (الزمر : 5)

  • الموضوع الثاني : أن النهار والليل يزيدان وينقصان في الزمن على حساب بعضهما ، وهاكم الآيات التي تتحدث في هذا الموضوع :

قوله تعالى : ” تُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَتُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ ٱلَمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ “. (آل عمران : 27)

قوله جلَّ من قائل : ” ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱللَّيْلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ “. (الحج : 61)

قوله سبحانه : ” يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ “. (فاطر : 13)

قوله عز وجل : ” إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ “. (المزمل : 20)

– ونذكر فيما يلي بعض معاني الكلمات المهمة من هذه الآيات :

يغشي : الغشاء : الغطاء .. حثيثًا : الإعجال في الاتصال .. يكور : يلحق أحدهما بالآخر ( إدخال كل واحد منهما في صاحبه ) .. يولج : معنى ( إيلاجه ) الليل في النهار ، والنهار في الليل : إدخاله من هذا في هذا ، ومن هذا في هذا ، فتارة يطول الليل ، ويقصر النهار ، كما في الشتاء ، وتارة يطول النهار ، ويقصر الليل ، كما في الصيف .

ومعلوم أن مصدر ضوء النهار هو الشمس ، والليل يعم أجزاءً من الأرض عند غيابها .. والملاحظ بالعين أن الشمس تشرق من الشرق ، وتتحرك في السماء حتى تغرب من جهة الغرب على شكل قوسي ، وهو جزء من مسار دائري .

والأمر الأول من الآيات الكريمة لفت النظر والعقل البشري إلى أن هذا التعاقب في الليل والنهار ينتج عن حركة دائرية ، ولكن لا ندري أهو حركة الأرض حول الشمس ، أو حركة الشمس حول الأرض ، مع أن المشاهَد هو أن الشمس هي التي تتحرك ، ومنطقيًا لو ضربنا المثال التالي : لو أن شخصًا واقفًا في وسط ملعب دائري ، وسيارة تدور من حوله ، سيراها في جزء قوسي من الملعب ، ثم تغيب عنه ، ولو كان العكس ، أي أن السيارة واقفة ، وهو يدور في مكانه ، فلسوف يراها أيضًا بالشكل القوسي نفسه ، ثم تغيب عنه ؛ لذلك لا نستطيع بمجرد مشاهدة الشمس تشرق وتغيب ، أن نحكم أيهما يدور حول الآخر .

فلكي نحكم مَن الذي يدور حول الآخر ، لا بد من النظر والتمعن في الموضوع الثاني من الآيات ، وهو : لماذا يزيد وينقص كلٌّ من الليل والنهار على حساب بعضهما .. والملاحظ أن هذا يحدث على مدار السنة ، أي أثناء تعاقب الفصول الأربعة ، وهذا الاختلاف يحدث ويختلف من بقعة إلى أخرى على الكرة الأرضية ، أي أن تعاقب الفصول الأربعة خلال العام ، يؤثر على كلٍّ من طول الليل والنهار ، والعكس صحيح ، ولإيجاد العلاقة بينهما ، يُستدعى السؤال التالي : كيف يحدث تعاقب الفصول الأربعة ؟

لنفترض جدلًا أن هذا يحدث نتيجة دوران الشمس حول الأرض ، وتعاقب الليل والنهار كذلك ، فكيف لهاتين الظاهرتين أن تحدثا في زمنين مختلفين : أحدهما : في ( 24 ) ساعة ، والآخر : في ( 25 ,365 ) يومًا نتيجة حركة الشمس حول الأرض ، مع العلم بأن الشمس بُعدها عن الأرض ثابت تقريبًا .

ولكي يتضح الأمر جليًّا ، نضرب المثال الحسي التالي :
طائف بالبيت العتيق إذا قَرُب من البيت ، فإنه يدور حوله في زمن قصير ، وإذا بَعُدَ عنه فإنه يدور حوله في زمن طويل ، أي لا يستطيع أن يحقق حتمًا زمنين مختلفين من جراء دورة واحدة فقط ، إذن الافتراض الجدلي بأن الشمس هي التي تدور حول الأرض باطل ؛ بسبب تناقض نتائج التعاقبين ، إذن نحن الآن أمام افتراض بأن الظاهرتين تحدثان نتيجة دوران الأرض ، ولكن كيف يتحقق ذلك ؟ وحتى نتحقق من هذا الافتراض ، ونحكم عليه بالصواب أو الخطأ ، نستعرض الحقيقتين العلميتين التاليتين :

أولًا : أن حرارة الشمس تكون أشد ما تكون وقت الظهيرة ، وهي بذلك عمودية على سطح الأرض ، وتكون حرارة الشمس ضعيفة عند الشروق والغروب ، وهي بذلك تكون مائلة على سطح الأرض بسبب توزع نفس كمية الحرارة على مساحة أوسع .

ثانيًا : من المعروف أن حرارة المناطق الاستوائية أعلى من المناطق الشمالية والجنوبية على الكرة الأرضية .. لماذا ؟ الجواب أن ذلك بسبب ميلان الشمس على سطح الأرض الكروية في شمالها وجنوبها ، إذن نستطيع أن نستنتج : أن الفصول الأربعة تحدث نتيجة ميلان أشعة الشمس على الكرة الأرضية مع الإقرار بالحقيقة العلمية التالية : أن بُعد الأرض عن الشمس ثابت بنسبة تصل ( 99 ,99 % ).

وبالعودة للافتراض الثاني بدوران الأرض حول الشمس ، وهل له أن يحقق هذين التعاقبين ؟ فالجواب : نعم ، ولكن مع ملاحظة الشروط التالية :

1- أن تكون للأرض دورة حول نفسها بسرعة معينة لإحداث اختلاف الليل والنهار .

2- أن تكون للأرض دورة أخرى حول الشمس بسرعة مختلفة لإحداث الفصول الأربعة ، وطول وقصر الليل والنهار ، ولكن بشرط أن يكون مستوى الفلك ( المدار ) الذي تدور فيه الأرض حول الشمس يصنع زاوية مع دائرة الاستواء الأرضي .

** ( المقال مستفاد من موقع الهيئة العالمية للكتاب والسنة بتصريف يسير ).

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى