هذا خلق الله

انظر إلى طعامك

أيها المؤمن بالله حقًّا ، انظر إلى طعامك ، وأقلل من كلامك ، وحافظ على صلاتك وصيامك ، واذكر ربك في صحوك وقبل منامك ، وأكثر على نبيك الحبيب من صلاتك وسلامك .

يقول الله الخلاق العظيم ، في قرآنه الكريم : ” فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ “. (عبس : 24-32)

  • قالَ الإمام ابن كَثِيرٍ :

وقوله : {فلينظر الإنسان إلى طعامه} ، فيه امتنانٌ وفيه استدلالٌ بإحياء النّبات من الأرض الهامدة على إحياء الأجسام بعدما كانت عظامًا باليةً وترابًا متمزّقًا .

  • وقال عَبْد الرَّحمَن بنُ نَاصِر السّعدِي :

ثمَّ أرشدَهُ تعالى إلى النظرِ والتفكرِ في طعامِهِ ، وكيفَ وصلَ إليهِ بعدمَا تكررتْ عليهِ طبقاتٌ عديدةٌ ، ويسرهُ لهُ ، فقالَ : {فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} .

  • يقول الدكتور محمد راتب النابلسي :

انظر إلى هذه الغنمة والبقرة من خلقها ؟ ومن جَعَلها مُذَلَّلة ؟ لو أنَّ الله تعالى رَكَّب أخلاق الضَّبع بالغنمة !

وهذا الزَّيْتون من أرْقى أنواع الدهْن وهو يُعَدُّ الآن دواء وليس غِذاءً فهو دواء للضَّغْط المُرْتفع والكولِستِرول المرْتفع ، ولِتَصَلُّب الشرايين ، والنبي عليه الصلاة والسلام قال :
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
” كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ “.
( رواه الترمذي ).

فأنت تأكل اللَّبن والجُبْن والقشْطة وكُلّ مُشْتقات الحليب ، فَمَن الذي سخَّر هذا المعمل المُذْهِل ؟‍‍!

ورَوْثُ البقر سمادٌ غالٍ ، فالسَّماد العُضْوي أغلى سماد ، روْثُ البقر ثمَنُ الكيلو عشْرُ ليْرات ، وجلدها للأحذِيَة والمصْنوعات الجِلْدِيَّة ، ولحْمها يُؤْكل ، هناك جداران وسط الثَّدْي مُتعامدان ، وهناك أربع حلْمات للبقرة ، كلّ حلمة تُعْطي ربع الضرع تمامًا ، وهو مُقَسَّم إلى أربعة أجْواف .

وهل فَكَّرْتَ بالقمْح فهو ينْضج بِيَوْم واحد ، والبندورة تنْضج على ثلاثة أشْهر ، لو كان الحقْل ينْضج بِيَوم واحد ماذا نفْعل بالطماطم ، وكذا البطيخ !

من الذي صَمَّم أنَّ البطيخ له حلزون يمْسكها الفلاح فإذا انْكسر معنى ذلك أن قد نضجَت وإذا لم ينْكسر أي لم تنْضج بعد !

أما القمْح والعدس والحمص بِيَوم واحد فالمحاصيل الأساسيَّة تنْضج بيوم واحد ، أما أشْجار الفواكه وغيرها فَبِالتَّسَلْسُل .

من برْمج هذه الأمور ، فالله تعالى قال :
” فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً (27) وَعِنَباً وَقَضْباً (28) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (29) “. (سورة عبس)

شجرة التَّمْر تعيش ستَّة آلاف سنة ، أطْول شَجَرة مُعَمِّرة ، وفيها ستة وأربعون مادَّة غِذائِيَّة ، وأسْرع مادَّة سُكَّرِيَّة على الإطلاق تنتقل من الفم إلى الدم ، فإذا جلس الإنسان لِيَأكل لو أكل عشْرة أضْعاف لن يشْبع حتى يصِل السكَّر إلى مرْكز الشِّبَع ، فالنبي عليه الصلاة والسلام عَلَّمنا أن نأكل التمْر أوَّلًا ، كيف أنَّ القمْح مادَّة أساسِيَّة جدًّا لنا ؛ يُسَموه مَحْصول اسْتراتيجي ، التِّبْن المادَّة العَلَفِيَّة الأولى ، والحيوان يسْتطيع أن يعيش على التِّبْن فقط ، قال تعالى : ” وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32) “. (سورة عبس)

يجب أن تُفَكِّر في خلق السماوات والأرض ، وفي طعامك ، فلابدّ أن تُعْمِلَ العقْل في الآيات الكَوْنِيَّة لأنَّها طريق الإيمان بالله عز وجل .

  • تسع آيات بينات :

ويقول الدكتور محمد علي الصلابي :
لقد عرضت سورة عبس في تسع آيات قصار لا تشغل أكثر من سطرين أهم النباتات التي تشكل الطعام الرئيسي للإنسان وأنعامه ، وهذا الحصر الدقيق لما يحتاجه الإنسان وأنعامه من طعام في كلمات قليلة يشهد للقرآن الكريم بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية ، فهو كلام الله الخالق‏ ، كما يشهد للعبد الصالح الذي تلقاه بالنبوة والرسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .

ندعوكم لقراءة : الماء سر الحياة

  • نبات كل شيء :

ويقول الملك عز وجل في سورة الأنعام :
” وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۗ انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ “. (الأنعام : 99)

الله عز وجل يتفضل على الإنسان ، في كل زمان ومكان ، بما يعود عليه بالخير العميم ، فها هو جل ثناؤه ينزل من السماء ماء متتابعًا وقت حاجتهم إليه ، فينبت به كل شيء ، مما يأكل الناس والأنعام ، فيأكلون ويتمتعون ، ” مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ “.

فالواجب على الإنسان أن ينظر إلى طعامه ، من هيأ له الأسباب حتى يصل إلى الناس وأنعامهم من دون حول منهم ولا قوة .

فرتع الخلق بفضل الله ، وانبسطوا برزقه ، وفرحوا بإحسانه ، وزال عنهم الجدب واليأس والقحط ، ففرحت القلوب ، وأسفرت الوجوه ، وحصل للعباد من رحمة الرحمن الرحيم ، ما به يتمتعون وبه يرتعون ، مما يوجب لهم ، أن يبذلوا جهدهم في شكر من أسدى النعم ، وعبادته والإنابة إليه ، والمحبة له .

ويقول العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله :

ولما ذكر عموم ما ينبت بالماء ، من أنواع الأشجار والنبات ، ذكر الزرع والنخل ، لكثرة نفعهما وكونهما قوتًا لأكثر الناس فقال : { فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ } أي : من ذلك النبات الخضر ، { حَبًّا مُتَرَاكِبًا } بعضه فوق بعض ؛ من بر ، وشعير ، وذرة ، وأرز ، وغير ذلك ، من أصناف الزروع ، وفي وصفه بأنه متراكب ، إشارة إلى أن حبوبه متعددة ، وجميعها تستمد من مادة واحدة ، وهي لا تختلط ، بل هي متفرقة الحبوب ، مجتمعة الأصول ، وإشارة أيضًا إلى كثرتها ، وشمول ريعها وغلتها ، ليبقى أصل البذر ، ويبقى بقية كثيرة للأكل والادخار .

{ وَمِنَ النَّخْلِ } أخرج الله { مِنْ طَلْعِهَا } وهو الكفري ، والوعاء قبل ظهور القنو منه ، فيخرج من ذلك الوعاء { قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ } أي : قريبة سهلة التناول ، متدلية على من أرادها ، بحيث لا يعسر التناول من النخل وإن طالت ، فإنه يوجد فيها كرب ومراقي ، يسهل صعودها .. { و } أخرج تعالى بالماء { جنات مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ } فهذه من الأشجار الكثيرة النفع ، العظيمة الوقع ، فلذلك خصصها الله بالذكر بعد أن عم جميع الأشجار والنوابت .. وقوله { مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ } يحتمل أن يرجع إلى الرمان والزيتون ، أي : مشتبهًا في شجره وورقه ، غير متشابه في ثمره .

ويحتمل أن يرجع ذلك إلى سائر الأشجار والفواكه ، وأن بعضها مشتبه ، يشبه بعضه بعضًا ، ويتقارب في بعض أوصافه ، وبعضها لا مشابهة بينه وبين غيره ، والكل ينتفع به العباد ، ويتفكهون ، ويقتاتون ، ويعتبرون ، ولهذا أمر تعالى بالاعتبار به ، فقال : { انْظُرُوا } نظر فكر واعتبار { إِلَى ثَمَرِهِ } أي : الأشجار كلها ، خصوصًا : النخل { إذا أثمر } { وَيَنْعِهِ } أي : انظروا إليه ، وقت إطلاعه ، ووقت نضجه وإيناعه ، فإن في ذلك عبرًا وآيات ، يستدل بها على رحمة الله ، وسعة إحسانه وجوده ، وكمال اقتداره وعنايته بعباده .

ولكن ليس كل أحد يعتبر ويتفكر وليس كل من تفكر ، أدرك المعنى المقصود ، ولهذا قيد تعالى الانتفاع بالآيات بالمؤمنين فقال : { إِنَّ فِي ذَلِكَم لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } فإن المؤمنين يحملهم ما معهم من الإيمان ، على العمل بمقتضياته ولوازمه ، التي منها التفكر في آيات الله ، والاستنتاج منها ما يُراد منها ، وما تدل عليه ، عقلًا ، وفطرة ، وشرعًا .

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى