حكايات عصرية

تيدي ومعلمته

تيدي ومعلمته :

نسمع كثيرًا عن حكايات في العملية التعليمية ، تتحدث عن علاقات إنسانية بين معلمين وتلاميذ ؛ تدفع بالتلاميذ إلى مصاف النجومية في مجتمعاتهم .

ومن هذه القصص ، قصة تيدي ومعلمته :

وقفت معلمة الصف الخامس ذات يوم ، وألقت على التلاميذ جملة : ” إنني أحبكم جميعًا ” ، ولكنها تستثني في نفسها تلميذًا واحدًا يُدْعَى تيدي .

تُرى ، ما السر في ذلك ؟

السر أن هذا التلميذ ملابسه دائمًا شديدة الاتساخ ، ومستواه الدراسي متدنٍ ، وهو منطوٍ على نفسه .

هذا الحكم الجائر منها كان بناءً على ما لاحظته خلال العام ؛ فهو لا يلعب مع الأطفال ، وملابسه متسخة ، ودائمًا يحتاج إلى الحمام .

وهو -في رأيها- كئيب لدرجة أنها كانت تجد متعة في تصحيح أوراقه بقلم أحمر ؛ لتضع عليها علامات x بخط عريض ، وتكتب عبارة ( راسب ) في الأعلى .

ذات يوم قامت المعلمة بمراجعة السجلات الدراسية السابقة لكل تلميذ ، وبينما كانت تراجع ملف تيدي فوجئت بشيء ما !

لقد كتب عنه معلم الصف الأول : تيدي طفل ذكي موهوب ، يؤدي عمله بعناية وبطريقة منظمة .

ومعلم الصف الثاني : تيدي تلميذ نجيب ومحبوب لدى زملائه ، ولكنه منزعج بسبب إصابة والدته بمرض السرطان .

أما معلم الصف الثالث كتب : لقد كان لوفاة أمه وقع صعب عليه ، لقد بذل أقصى ما يملك من مجهود لكن والده لم يكن مهتمًا به ، وإن الحياة في منزله سرعان ما ستؤثر عليه إن لم تُتَخذ بعض الإجراءات .

بينما كتب معلم الصف الرابع : تيدي تلميذ منطو ، لا يبدي الرغبة في الدراسة ، وليس لديه أصدقاء ، وينام أثناء الدرس .

هنا أدركت المعلمة ( تومسون ) المشكلة ، وشعرت بالخجل من نفسها !

و قد تأزم موقفها عندما أهداها التلاميذ هدايا عيد الميلاد لها ملفوفة بأشرطة جميلة ما عدا الطالب تيدي ، كانت هديته ملفوفة بكيس مأخوذ من أكياس البقالة .

تألمت المدرسة تومسون وهي تفتح هدية تيدي ، وضحك التلاميذ على هديته ؛ وهي عقد مؤلف من ماسات من الأحجار ، وقارورة عطر ليس فيها إلا الربع .

توقف التلاميذ عن الضحك عندما عبَّرت المعلمة عن إعجابها بجمال العقد والعطر ، وشكرته بحرارة ، ولبست العقد ، ووضعت شيئًا من ذلك العطر على ملابسها .

يومها لم يذهب تيدي بعد الدراسة إلى منزله مباشرة ، بل انتظر ليقابلها ، وقال : إن رائحتك اليوم مثل رائحة أمي !

عندها انفجرت المعلمة بالبكاء ؛ لأن تيدي أحضر لها زجاجة العطر التي كانت والدته تستعملها ، ووجد في معلمته رائحة أمه الراحلة!!

منذ ذلك اليوم أولت تومسون اهتمامًا خاصًا به ، وبدأ عقله يستعيد نشاطه ، وبنهاية العام الدراسي أصبح تيدي أكثر التلاميذ تميزًا في الفصل .

وذات يوم وجدت المعلمة مذكرة عند بابها للتلميذ تيدي ، كتب فيها : أنتِ أفضل معلمة قابلتها في حياتي .

ردت عليه : أنت من علمني كيف أكون معلمة جيدة !!

بعد عدة سنوات ..
فوجئت هذه المعلمة بتلقيها دعوة من كلية الطب لحضور حفل تخرج الدفعة في ذلك العام موقعة باسم ( ابنك تيدي ).

حضرت المعلمة وهي ترتدي ذات العقد ، وتفوح منها رائحة ذات العطر !

هل تعلمون من هو تيدي الآن ؟

تيدي ستودارد ..
هو أشهر أطباء العالم لعلاج السرطان !!

ندعوكم لقراءة : تقدير المعلم

  • وبعد :

كتب الأستاذ محمد أحمد الرشيد ، صحيفة الرياض السعودية ، تعليقًا على هذه القصة ، يقول :

إن الحياة ملأى بالقصص والأحداث التي إن تأملنا فيها أفادتنا حكمة واعتبارًا .

العاقل لا ينخدع بالقشور عن اللباب ، ولا بالمظهر عن المخبر ، ولا بالشكل عن المضمون .

وربنا سبحانه عندما ساق لنا قصص الأولين نبهنا إلى أنه ساقها للاعتبار والاستفادة منها : ” لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ “. (يوسف : 111)

وبعض ما تعلمته من هذه القصة : أنني يجب ألا أتسرع في إصدار الأحكام ، وأن أسبر غور ما أرى ، خاصة إذا كان الذي أمامي نفسًا إنسانية بعيدة الأغوار ، موّارة بالعواطف ، والمشاعر ، والأحاسيس ، والأهواء ، والأفكار .

أرجو أن تكون هذه القصة موقظة لمن يقرؤها من الآباء والأمهات ، والمعلمين والمعلمات ، والأصدقاء .

وفقنا الله جميعًا إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها .

اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة ، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد .

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى