العبقريات
صاحب العبقريات عباس محمود العقاد حكاية بذاتها ، تستحق التوقف أمامها طويلًا ؛ فهو عبقري بكل المقاييس ، قدَّم للمكتبة العربية والإسلامية مؤلفات كثيرة لا يقدر على مثلها إلا النذر اليسير من المفكرين الكبار ، رغم أنه لم يحصل إلا على الابتدائية ، ولكن لأنه حكاية عصرية ، عمل واجتهد خارج الصندوق تمامًا ، فهو ” نسيج وحده ” ؛ فأصبح العقاد ، وليس لدينا إلا عقاد واحد !
والعبقريات :
هي سلسلة من المؤلفات قام بتاليفها العبقري ؛ المفكر المسلم المصري العربي عباس محمود العقاد ؛ تضم النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم ، والمسيح عليه السلام ، بالإضافة إلى الخلفاء الراشدين ، وخالد بن الوليد رضي الله عنهم أجمعين .
والعبقريات ليست سردًا للأحداث التاريخية أو لأحكام الإسلام ، إنما هي مجموعة كتب ، وإن شئت قلت ” نفائس ” تتحدث عن عبقرية النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وأخرى عن أبي بكر الصديق ، وثالثة عن عمر بن الخطاب ، ورابعة عن عثمان بن عفان ، وخامسة عن علي بن أبي طالب ، وسادسة عن خالد بن الوليد رضي الله عنهم أجمعين ؛ وهذه الكتب تُظهر العبقرية العربية التي أنجبت هذه الشخصيات .
وعبقرية المسيح هي الأخرى تظهر ما في هذا الرسول الكريم عليه السلام من صفات يندر أن تراها في بشر ، وهو بشر ولكنه ليس كأي بشر .
والعبقري الأبي القوي عباس محمود العقاد ، مفكر وأديب مصري ( 1889 – 1964م ) برز كأحد أهم الأدباء العرب في عصره وإلى يومنا هذا .
له نتاج غزير من المؤلفات في مجالات الأدب والفكر والتاريخ ، لعل أكثرها شهرة هي سلسلة العبقريات التي تناول فيها حياة أشهر الشخصيات الإسلامية من الصحابة بجانب سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وسيدنا عيسى -عليه السلام- من منظور فكري وتحليلي .
والعقاد كاتب موسوعي ، ويُعَدّ أحد أهم كتاب القرن العشرين في مصر والعالم العربي .
ساهم بشكل كبير في الحياة الأدبية والسياسية ، وأضاف للمكتبة العربية أكثر من مائة كتاب في مختلف المجالات. كما أنه نجح في الصحافة ، ويرجع ذلك إلى ثقافته الموسوعية ، فقد كان يكتب شعرًا ونثرًا على السواء ، وظل معروفًا عنه أنه موسوعي المعرفة ، يقرأ في التاريخ الإنساني والفلسفة والأدب وعلم الاجتماع ، وفي شتى العلوم .
– سلسلة العبقريات حسب الترتيب :
- عبقرية عمر .
- عبقرية الصديق .
- عبقرية عثمان .
- عبقرية الإمام علي .
- عبقرية خالد .
- عبقرية المسيح .
- عبقرية محمد .
وعن العقاد والعبقرية ، يقول الأستاذ رجاء النقاش في كتابه [ أدباء ومواقف ] عن العقَّاد :
” إنه يؤمن بالإنسان العبقري ، ويؤمن بأن الحضارة من صنع العباقرة أولًا وأخيرًا ، فهم الذين يصنعون التاريخ “.
ويقول :
” ولو استخدمنا أسلوب العقَّاد في عبقرياته فإننا نستطيع أن نقول : إن حبه للعبقرية صفة تصلح مفتاحًا لشخصيته ، فهو يطرب للعبقرية كما يطرب النحل بين الزهور ، وكما تطرب العصافير في الربيع ، وحتى في مواقفه السياسية كان حبه للعبقرية دافعًا أساسيًّا من دوافع العمل والتصرف في حياته “.
ندعوكم لقراءة : الأديب العبقري
– سبب كتابته للعبقريات :
ذكر العقاد في مقدمة [ عبقرية محمد ] ﷺ ، أن دافعه لكتابة العبقريات هو رد تطاول الناس على العظماء تحت وطأة المساواة التي جرت بينهم اليوم .
وفي مقدمة عبقرية الصديق أفصح العقَّاد عن تألمه الشديد لما نال العظماء من تطاول في العصر الحديث ، حتى صحَّ عنده أن العظمة في حاجة إلى ما يسمى بـ ” رد الاعتبار ” في لغة القانون ، ولم ينصرف حتى أعلن احترامه واعترافه بالجميل لكل عظيم حتى ولو كان من غير المسلمين .
– كتاب [ أنــا ] :
لم يغفل العقاد الكتابة عن نفسه ، فجاء كتابه الشهير [ أنا ] الذي جمع فيه سلسلة مقالات كتبها عن نفسه ، وتناول فيها حياته الشخصية والاجتماعية وكذلك الأدبية والسياسية .
يقول العبقري في كتابه :
” لن أتحدث بطبيعة الحال عن ” عباس العقاد ” كما خلقه الله ، ولا كما يراه الناس ، وإنما كما أراه .
بالاختصار هو شيء آخر مختلف كل الاختلاف عن الشخص الذي يراه الكثيرون ، من الأصدقاء أو من الأعداء .
هو شخص أستغربه كل الاستغراب حين أسمعهم يصفونه أو يتحدثون عنه ، حتى ليخطر لي في أكثر الأحيان أنهم يتحدثون عن إنسان لم اعرفه قط ولم ألتق به مرة في مكان “.
ويواصل العقاد إثارة دهشة قرائه فيقول :
” فعباس العقاد هو في رأي بعض الناس مع اختلاف التعبير وحسن النية ، هو رجل مفرط الكبرياء ، ورجل مفرط القسوة والجفاء ، ورجل يعيش بين الكتب ولا يباشر الحياة كما يباشرها سائر الناس ، ورجل يملكه سلطان المنطق والتفكير ولا سلطان للقلب ولا العاطفة عليه ، ورجل يصبح ويمسي في الجد الصارم فلا تفترّ شفتاه بضحكة واحدة إلا بعد استغفار واغتصاب “.
وتزداد الحيرة عندما يؤكد : ” هذا هو عباس العقاد في رأي بعض الناس ، وأقسم بكل ما يقسم به الرجل الشريف أن عباس العقاد هذا رجل لا أعرفه ، ولا رأيتهُ ، ولا عشت معه لحظة واحدة ، ولا التقيت به في طريق “.
ومع كل هذا التنوع والثراء الأدبي نادر النظير ، فقد ظل العقاد حتى توفي في 1964 ، وفيًّا لأنفته واعتزازه بنفسه فقال :
” أنا لا يهمني كم من الناس أرضيت ، ولكن يهمني أي نوع من الناس أقنعت “.