نوادر وأزاهير..لبعض المشاهير

شهادة للتاريخ

شهادة للتاريخ :

قال الله تبارك وتعالى : ” وَلَا تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَـٰدَةَ ” ؛ أي : لا تخفوها وتغلوها ولا تظهروها .

قال ابن عباس وغيره : شهادة الزور من أكبر الكبائر ، وكتمانها كذلك .. ولهذا قال الله تعالى : ” وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ “.

قال السدي : يعني : فاجرٌ قلبه ، وهذه كقوله تعالى : ” وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذًَا لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ ” (المائدة : 106) ، وقال تعالى : ” يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوٰلِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا “. (النساء : 135)

قالوا كلامًا كثيرًا عن مروان بن الحكم ، قدحوا فيه وفي أبيه ، وها نحن نعرض رد المنصفين على مثل هذا الكلام :

  • قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، في منهاج السنة ما مختصره :

الْحَكَمَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ كَانَ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ ، وَكَانُوا أَلْفَيْ رَجُلٍ ، وَمَرْوَانُ ابْنُهُ كَانَ صَغِيرًا إِذْ ذَاكَ ، فَإِنَّهُ مِنْ أَقْرَانِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ، عُمْرُهُ حِينَ الْفَتْحِ سِنَّ التَّمْيِيزِ : إِمَّا سَبْعُ سِنِينَ ، أَوْ أَكْثَرُ بِقَلِيلٍ ، أَوْ أَقَلُّ بِقَلِيلٍ .. وَلَمْ تَكُنِ الطُّلَقَاءُ تَسْكُنُ بِالْمَدِينَةِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- .
فَإِنْ كَانَ قَدْ طَرَدَهُ ، فَإِنَّمَا طَرَدَهُ مِنْ مَكَّةَ لَا مِنَ الْمَدِينَةِ ، وَلَوْ طَرَدَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ لَكَانَ يُرْسِلُهُ إِلَى مَكَّةَ .

وَقَدْ طَعَنَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي نَفْيِهِ ، وَقَالُوا : هُوَ ذَهَبَ بِاخْتِيَارِهِ .

وَقِصَّةُ نَفْيِ الْحَكَمِ لَيْسَتْ فِي الصِّحَاحِ ، وَلَا لَهَا إِسْنَادٌ يُعْرَفُ بِهِ أَمْرُهَا .

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَرْوِي أَنَّهُ حَاكَى النبي صلى الله عليه وسلم في مشيته وقيل غير ذلك ، ويقولون إنه نفاه إلى الطائف .

وإذا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ عَزَّرَ رَجُلًا بِالنَّفْيِ ، لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَبْقَى مَنْفِيًّا طُولَ الزَّمَانِ ، فَإِنَّ هَذَا لَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنَ الذُّنُوبِ ، وَلَمْ تَأْتِ الشَّرِيعَةُ بِذَنْبٍ يَبْقَى صَاحِبُهُ منفيًّا دائمًا .. فَإِنْ كَانَ تَعْزِيرُ الْحَكِمِ لِذَنْبٍ حَتَّى يَتُوبَ مِنْهُ ، فَإِذَا تَابَ سَقَطَتِ الْعُقُوبَةُ عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى ذَنْبٍ مَاضٍ فَهُوَ أَمْرٌ اجْتِهَادِيٌّ لَمْ يُقَدَّرْ فِيهِ قَدْرٌ ، وَلَمْ يُوَقَّتْ فِيهِ وَقْتٌ .. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، فَالنَّفْيُ كَانَ فِي آخِرِ الْهِجْرَةِ ، فَلَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ .

فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ طَالَتْ مُدَّتُهُ ، وَقَدْ كَانَ عُثْمَانُ شَفَعَ فِي عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، وَكَانَ كَاتِبًا لِلْوَحْيِ ، وَارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَهْدَرَ دَمَهُ فِيمَنْ أَهْدَرَ ، ثُمَّ جَاءَ [بِهِ] عُثْمَانُ فَقَبِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَفَاعَتَهُ فِيهِ وَبَايَعَهُ ، فَكَيْفَ لَا يَقْبَلُ شَفَاعَتَهُ فِي الْحَكَمِ ؟!

وَقَدْ رَوَوْا أَنَّ عُثْمَانَ سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَرُدَّهُ فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ .

وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ ذَنْبَهُ دُونَ ذَنْبِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَعِدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ .

وَقِصَّةُ [ عَبْدِاللَّهِ ] ثَابِتَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِالْإِسْنَادِ الثَّابِتِ .

وَأَمَّا قِصَّةُ الْحَكَمِ فَعَامَّةُ مَنْ ذَكَرَهَا إِنَّمَا ذَكَرَهَا مُرْسَلَةً ، وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُؤَرِّخُونَ الَّذِينَ يَكْثُرُ الْكَذِبُ فِيمَا يَرْوُونَهُ ، وَقَلَّ أَنْ يَسْلَمَ لَهُمْ نَقْلُهُمْ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ ، فَلَمْ يَكُنْ هُنَا نَقْلٌ ثَابِتٌ يُوجِبُ الْقَدْحَ فِيمَنْ هُوَ دُونَ عُثْمَانَ .

وَالْمَعْلُومُ مِنْ فَضَائِلِ عُثْمَانَ ، وَمَحَبَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ ، وَثَنَائِهِ عَلَيْهِ ، وَتَخْصِيصِهِ بِابْنَتَيْهِ ، وَشَهَادَتِهِ لَهُ بِالْجَنَّةِ ، وَإِرْسَالِهِ إِلَى مَكَّةَ ، وَمُبَايَعَتِهِ لَهُ عَنْهُ لَمَّا أَرْسَلَهُ إِلَى مَكَّةَ ، وَتَقْدِيمِ الصَّحَابَةِ لَهُ بِاخْتِيَارِهِمْ فِي الْخِلَافَةِ ، وَشَهَادَةِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ لَهُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَاتَ وَهُوَ عَنْهُ رَاضٍ ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ الْعِلْمَ الْقَطْعِيَّ بِأَنَّهُ مِنْ كِبَارِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ ، الَّذِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ، فَلَا يُدْفَعُ هَذَا بِنَقْلٍ لَا يَثْبُتُ إِسْنَادُهُ ، وَلَا يُعْرَفُ كَيْفَ وَقَعَ ، وَيُجْعَلُ لِعُثْمَانَ ذَنْبٌ بِأَمْرٍ لَا يُعْرَفُ حَقِيقَتُهُ ، بَلْ مِثْلُ هَذَا مِثْلُ الَّذِينَ يُعَارِضُونَ الْمُحْكَمَ بِالْمُتَشَابِهِ ، وَهَذَا مِنْ فِعْلِ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ، الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْفِتْنَةَ . (انتهى)

ندعوكم لقراءة : مبشرون بالجنة

  • وقال الدكتور محمد علي الصلابي في كتابه عن عثمان بن عفان رضي الله عنه :

لم يكن مروان الوزير الذي تجمعت تحت يده سلطات الدولة ، إنما كان كاتبًا للخليفة ، وهي وظيفة تستمد أهميتها من قرب صاحبها من إذن الخليفة وخاتمه ، أما ادعاء توريطه عثمان وإثارة الناس عليه لتنقل الخلافة بعد ذلك إلى بني أمية ، فافتراض لا دليل عليه .

ثم إن عثمان لم يكن ضعيف الشخصية حتى يتمكن منه كاتبه إلى الحد الذي يتصوره الرواة .

ولا ذنب لمروان بن الحكم إن كان في حياة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يبلغ الحُلُم باتفاق أهل العلم ، بل غايته أن يكون له عشر سنين أو قريب منها .

وكان مسلمًا يقرأ القرآن ، ويتفقه في الدين ، ولم يكن قبل الفتنة معروفًا بشيء يُعاب فيه ، فلا ذنب لعثمان في استكتابه ، وأما الفتنة فأصابت من هو أفضل من مروان .

بل إن خبر طرد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبيه ضعيف سندًا ومتنًا ، وتعقبه شيخ الإسلام ابن تيمية فأوضح تهافته وضعفه .

وعُرف عن مروان بن الحكم العلم ، والفقه ، والعدل ، فقد كان سيدًا من سادات شباب قريش لما علا نجمه أيام عثمان بن عفان ، وقد شهد له الإمام مالك بالفقه ، واحتج بقضائه وفتاواه في مواطن عديدة من كتاب الموطأ ، كما وردت في غيره من كتب السنة المتداولة في أيدي الأئمة المسلمين يعملون بها . (انتهى)

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى