كما يقول الكتاب

بين آيتين

بين آيتين :

هاتان آيتان من كتاب الله في سورة البقرة ، كلاهما سؤال ، فكان الرد في الأولى مباشرة من الرب العلي دون كلمة : قل ، وكان الرد في الثانية بكلمة : قل ؛ أي قل لهم يا محمد ، الجواب كذا وكذا .
وبين الآيتين فارق صغير ، فإحداهما الآية 186 ، والأخرى 189 .

وهذا يؤكد أن الله جل في علاه ، أراد ألا يكون بينه وبينك حجاب حتى بكلمة : قل ؛ فهو يريدك أن تدعوه مباشرة ، وفي أي وقت شئت ، فهو سبحانه وتعالى قريب ، مجيب .

  • قال سبحانه وبحمده في الآية الأولى :

« وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ». (البقرة : 186)

قال الإمام أحمد رحمه الله : حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، حدثنا خالد الحذاء ، عن أبي عثمان النهدي ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فجعلنا لا نصعد شرفًا ، ولا نعلو شرفًا ، ولا نهبط واديًا إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير .. قال : فدنا منا فقال : ” يا أيها الناس ، اربعوا على أنفسكم ؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا ، إنما تدعون سميعًا بصيرًا ، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته .
يا عبدالله بن قيس ، ألا أعلمك كلمة من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوة إلا بالله “.
( أخرجاه في الصحيحين ، وبقية الجماعة من حديث أبي عثمان النهدي ).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” قال الله : أنا مع عبدي ما ذكرني ، وتحركت بي شفتاه “.

يقول الإمام ابن كثير رحمه الله : وهذا كقوله تعالى : « إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون » (النحل : 128) ، وكقوله لموسى وهارون ، عليهما السلام : « إنني معكما أسمع وأرى » (طه : 46) .. والمراد من هذا : أنه تعالى لا يخيب دعاء داع ، ولا يشغله عنه شيء ، بل هو سميع الدعاء .
وفيه ترغيب في الدعاء ، وأنه لا يضيع لديه تعالى .

عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
” يُستجَاب لأحدكم ما لم يعجل ، يقول : دعوت فلم يستجب لي “. (متفق عليه)
وهذا لفظ البخاري .

وقال مسلم أيضًا : حدثني أبو الطاهر ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني معاوية بن صالح ، عن ربيعة بن يزيد ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
” لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل ” .. قيل : يا رسول الله ، ما الاستعجال ؟ قال : ” يقول : قد دعوت ، وقد دعوت ، فلم أر يُستجَاب لي ، فيستحسر عند ذلك ، ويترك الدعاء “.

وفي مسند الإمام أحمد ، وسنن الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ثلاثة لا ترد دعوتهم : الإمام العادل ، والصائم حتى يفطر ، ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة ، وتفتح لها أبواب السماء ، ويقول : بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين “.

ندعوكم لقراءة : في رحاب آية

  • وقال رب العزة في الآية الأخرى :

« يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ». (البقرة : 189)

يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى :

يقول تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ } جمع -هلال- ما فائدتها وحكمتها ؟ أو عن ذاتها ، { قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ } أي : جعلها الله تعالى بلطفه ورحمته على هذا التدبير يبدو الهلال ضعيفًا في أول الشهر ، ثم يتزايد إلى نصفه ، ثم يشرع في النقص إلى كماله ، وهكذا ، ليعرف الناس بذلك ، مواقيت عباداتهم من الصيام ، وأوقات الزكاة ، والكفارات ، وأوقات الحج .

ولما كان الحج يقع في أشهر معلومات ، ويستغرق أوقاتًا كثيرة قال : { وَالْحَجِّ } وكذلك تعرف بذلك أوقات الديون المؤجلات ، ومدة الإجارات ، ومدة العدد والحمل ، وغير ذلك مما هو من حاجات الخلق ، فجعله الله تعالى حسابًا ، يعرفه كل أحد ، من صغير وكبير ، وعالم وجاهل ، فلو كان الحساب بالسنة الشمسية ، لم يعرفه إلا النادر من الناس .

{ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا } وهذا كما كان الأنصار وغيرهم من العرب ، إذا أحرموا ، لم يدخلوا البيوت من أبوابها ، تعبدًا بذلك وظنًّا أنه بر .. فأخبر الله أنه ليس ببر ؛ لأن الله تعالى لم يشرعه لهم ، وكل من تعبد بعبادة لم يشرعها الله ولا رسوله ، فهو متعبد ببدعة ، وأمرهم أن يأتوا البيوت من أبوابها لما فيه من السهولة عليهم ، التي هي قاعدة من قواعد الشرع .

ويستفاد من إشارة الآية أنه ينبغي في كل أمر من الأمور ، أن يأتيه الإنسان من الطريق السهل القريب ، الذي قد جعل له موصلًا ، فالآمر بالمعروف ، والناهي عن المنكر ، ينبغي أن ينظر في حالة المأمور ، ويستعمل معه الرفق والسياسة ، التي بها يحصل المقصود أو بعضه ، والمتعلم والمعلم ، ينبغي أن يسلك أقرب طريق وأسهله ، يحصل به مقصوده ، وهكذا كل من حاول أمرًا من الأمور وأتاه من أبوابه وثابر عليه ، فلا بد أن يحصل له المقصود بعون الملك المعبود .

{ وَاتَّقُوا اللَّهَ } هذا هو البر الذي أمر الله به ، وهو لزوم تقواه على الدوام ، بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه ، فإنه سبب للفلاح الذي هو الفوز بالمطلوب ، والنجاة من المرهوب ، فمن لم يتق الله تعالى ، لم يكن له سبيل إلى الفلاح ، ومن اتقاه ، فاز بالفلاح والنجاح .

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى