الكوثر
سورة الكوثر :
هي أقصر سور القرآن الكريم ، وعدد آياتها ثلاث آياتٍ إذ تتكون من عشر كلماتٍ واثنين وأربعين حرفًا ، وترتيبها ( 108 ) بين سور المصحف ، وسُمّيت سورة الكوثر بهذا الاسم ؛ لافتتاحها بذكر الكوثر ، وهو الخير الكثير ، ومنه : نهر الكوثر في الجنة الذي حافَتاه خيام اللؤلؤ المجوَّف ، وطينه المسك .
وعلى الرغم من قصرها إلا أن فيها معانيَ قيمةً ودروسًا عظيمة ؛ فهي تبين نعم اللّه تعالى وفضله على النبي صلى اللّه عليه وسلم التي هي إعطاؤه الخير الكثير في الدنيا والآخرة .
وفيها أيضًا الحديث عن عبادتين عظيمتين يتقرب العبد بهما إلى ربه سبحانه وتعالى ؛ وهما الصلاة التي هي الخضوع للّه تعالى ، والنحر الذي هو تقربٌ إلى اللّه جل في علاه .
– السورة :
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز :
” إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ “. (الكوثر : 1-3)
– والتفسير :
يقول العلامة ابن باز رحمه الله تعالى :
يقول الله سبحانه : إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر : 1] هذا خطاب للنبي ﷺ ، والكوثر : نهر في الجنة رآه لما عرج به -عليه الصلاة والسلام- ، نهر عظيم في الجنة ، يصب منه ميزابان يوم القيامة في حوضه ﷺ الذي في الموقف يوم القيامة .
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر : 2] يعني : شكرًا لله ، صل له ما أمرك الله به من الصلاة ، وقال بعضهم : معناه صلاة العيد ، ( وانحر ) يعني : اذبح الضحايا ، والآية أعم ، تعم الصلوات كلها ، وتعم النحر كله ، من الضحايا ، وغير الضحايا ، كلها تنحر لله سبحانه ، لا لغيره -جل وعلا- ولكن صلاة العيد ، وذبح النحر داخل في ذلك .
( فصل لربك ) لا لغيره ، يعني : صل له وحده سبحانه وتعالى ، الصلوات الخمس ، صلاة العيد ، وصلاة الجمعة كلها لله وحده ، وهكذا صلاة النافلة كلها لله .. وهكذا النحر ، كما قال تعالى : ” قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ “. [الأنعام : 162]
فالصلاة لله ، والنحر لله ، كما أن الصدقة لله ، والسجود لله ، والدعاء لله ، ليس لمسلم أن يدعو غير الله ، ولا أن يسجد لغير الله ، ولا أن ينحر لغير الله ، بل يجب أن تكون أعماله لله وحده سبحانه وتعالى .
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر : 3] : المبغض المعادي ، و ( الأبتر ) : هو الناقص المقطوع ، فالمبغض للنبي ﷺ وشانئه هو الأبتر في الدنيا والآخرة ، المقطوع الصلة بالله -عز وجل- والصلة بأسباب السعادة ، وليس له إلا النار ، نعوذ بالله .
– الهندسة اللغوية في سورة الكوثر :
الإعجاز العددي في سورة الكوثر ، هل هو صدفة أم هندسة لغوية ؟
- الكوثر هي أقصر سور القرآن ، وعدد كلماتها 10 كلمات .
- الآية الأولى من الكوثر تضّمنت من الحروف الهجائية 10 حروف .
- الآية الثانية من الكوثر تضّمنت من الحروف الهجائية 10 حروف .
- الآية الثالثة من الكوثر تضّمنت من الحروف الهجائية 10 حروف .
- أكثر الحروف تكرارًا في السورة هو الألف وتكّرر فيها 10 مّرات .
- الحروف التي ورد كل منها مّرة واحدة في سورة الكوثر عددها 10 .
- جميع آيات السورة خُتمت بحرف الراء ، وترتيبه الهجائي رقم 10 .
- سور القرآن التي تنتهي بحرف الّراء عددها 10 سور آخرها الكوثر .
- ما هي حقيقة الرقم 10 داخل السورة ؟ إنه اليوم العاشر من ذي الحجة ، فقوله تعالى : ” فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ” وهو يوم النحر .
سبحان الله !
كل هذا في أقصر سورة في القرأن الكريم مكونة من سطر ، فما بالكم بالسور الأكبر ؟
صدق الله إذ يقول ” وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ “.
سقاني الله وإياكم من نهر الكوثر شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدًا .
– الجانب البياني والإعجاز العددي في السورة :
تحتوي السورة على الكثير من الجوانب البلاغية مجموعةٌ في كلماتها العشر .
بدأت السورة بحرف التوكيد الجاري مجرى القسم ( إنا ) الذي يتكون من ( إنّ ) و ( نا ) ، ووردت جملة ( إنا أعطيناك ) بصيغة الجمع للتعظيم ، وليس ” أنا أعطيتك ” ، وورد الفعل ( أعطيناك ) بصيغة الماضي ليفيد الثبوت والتحقق ، وكلمة ( الكوثر ) على صيغة المُبالغة ( فوعل ) ، وفي الآية الثانية أضيفت الكاف في ( فصلِّ لربك وانحر ) تكريمًا للنبي صلى الله عليه وسلم وتشريفًا ، ووردت الآية الثالثة مؤكدةً بمؤكدين هما الأداة إنّ والقصر عن طريق تعريف المبتدأ والخبر ( ورودهما معرّفيْن ) ، وثمة بين الكلمتين : ( الكوثر ) و ( الأبتر ) طباق ؛ فالكوثر تعني الخير الكثير والأبتر هو المنقطع عن كل خير .
( عن صفوة التفاسير / محمد علي الصابوني ).
يعتقد بعضهم أن في سورة الكوثر إعجازًا عدديًّا يتمحور حول العدد 10 ، فعدد كلماتها عشر ، وعدد حروف الآية الأولى من غير اعتبار الحروف المكررة عشر وهي : ( أ ، ن ، ع ، ط ، ي ، ك ، ل ، و ، ث ، ر ) ، وعدد الحروف المُكونة للآية الثانية من غير تكرار عشر أيضًا وهي : ( ف ، ص ، ل ، ر ، ب ، ك ، و ، ا ، ن ، ح ) ، وكذا الأمر في الآية الثالثة ، فهي تتكون من عشرة حروفٍ من غير تكرار ، وهي : ( أ ، ن ، ش ، ك ، هـ ، و ، ل ، ب ، ت ، ر ) ، وعدد الأحرف التي لم تَردْ في السورة إلا مرةً واحدةً هو عشرةٌ أيضًا : ( ع ، ط ، ي ، ث ، ف ، ص ، ح ، ش ، هـ ، ت ).
( موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ).
– تفسير السعدي :
يقول العلامة عبد الرحمن السعدي في تفسيره لسورة الكوثر :
” إنا أعطيناك الكوثر “
إنا أعطيناك -يا محمد- الخير الكثبر في الدنيا والآخرة ، ومن ذلك نهر الكوثر في الجنة الذي حافتاه خيام اللؤلؤ المجوف ، وطينه المسك .
” فصل لربك وانحر “
فأخلص لربك صلاتك كلها ، واذبح ذبيحتك له وحده .
” إن شانئك هو الأبتر “
إن مبغضك ومبغض ما جئت به من الهدى والنور ، هو المنقطع أثره ، المقطوع من كل خير .
– وقفة :
أعطى الله عز وجل النبي محمدًا من الخير الكثير ؛ لقد أعطاه الله النبوة والهدى ، وأيده بالصحابة الأوفياء ، وجعل سيرته عطرة منتشرة تسير مسير الضوء في الآفاق ، وجعل شريعته الغراء باقية خالدة إلى أن يرث الله الأرض وما عليها .
وأكثر من مليار ونصف المليار من المسلمين الموحدين يرددون ذكره في كل مكان فوق البسيطة ، ويشهدون له بالرسالة :
وضمّ الإله اسم النبي إلى اسمه … إذ قال في الخمس المؤذن أشهدُ
وشقّ له من اسمه ليُجِلَّهُ … فذو العرش محمودٌ وهذا محمدُ
– مقاصد السورة :
- أعطى الله محمدًا صلى الله عليه وسلم الخير الكثير ، فرفع ذكره ، وأعلى شأنه ، ونصر دعوته ، وبارك في أمته .
- ينبغي إخلاص الصلاة والعبادة والنحر لله سبحانه وتعالى .
- من أبغض النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته ؛ انقطع أثره وباء بالخذلان ، بينما بقي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته على مرّ الأزمان .