وكنتم أزواجًا ثلاثة
وكنتم أزواجًا ثلاثة :
يقول الله تعالى في كتابه العزيز في سورة الواقعة :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
” إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26) وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40) وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) “.
الأزواج الثلاثة تتحدث عنهم سورة الواقعة ؛ والواقعة : اسم للسورة وبيان لموضوعها معًا .
القضية الأولى التي تعالجها هذه السورة المكية هي قضية النشأة الآخرة ، ردًّا على قولة الشاكين فيها ، المشركين بالله ، المكذبين بالقرآن : أئذا متنا وكنا ترابًا وعظامًا أئنا لمبعوثون ؟! أو آباؤنا الأولون ؟!
ومن ثم تبدأ السورة بوصف القيامة .
ثم تفصل السورة مصائر هذه الأزواج الثلاثة : السابقين وأصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ؛ فتصف ما يلقون من نعيم وعذاب وصفًا مفصلًا أوفى تفصيل ؛ يوقع في الحس أن هذا أمر كائن واقع ، لا مجال للشك فيه ، وهذه أدق تفصيلاته معروضة للعيان ، حتى يرى المكذبون رأي العين مصيرهم ومصير المؤمنين ، وحتى يُقال عنهم هنالك بعد وصف العذاب الأليم الذي هم فيه : إنهم كانوا قبل ذلك مترفين .. وكانوا يصرون على الحنث العظيم .. وكانوا يقولون : أئذا متنا وكنا ترابًا وعظامًا أئنا لمبعوثون؟ أو آباؤنا الأولون ؟!
وكأن العذاب هو الحاضر ، والدنيا هي الماضي الذي يذكر للترذيل والتقبيح ، ترذيل حالهم في الدنيا وتقبيح ما كانوا عليه من تكذيب !
وتنتقل إلى الأزواج الثلاثة وأحوالهم يوم القيامة ، وفي هذا يقول العلامة السعدي في تفسيره :
” وكنتم أزواجًا ثلاثة “
وكنتم -أيها الخلق- أصنافًا ثلاثة .
” فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة “
فأصحاب اليمين ، أهل المنزلة العالية ، ما أعظم مكانتهم !!
” وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة “
وأصحاب الشمال ، أهل المنزلة الدنيئة ، ما أسوأ حالهم !!
” والسابقون السابقون “
والسابقون إلى الخيرات في الدنيا هم السابقون إلى الدرجات في الآخرة .
” أولئك المقربون “
أولئك هم المقربون عند الله .
” في جنات النعيم “
يدخلهم ربهم في جنات النعيم .
” ثلة من الأولين “
يدخلها جماعة كثيرة من صدر هذه الأمة ، وغيرهم من الأمم الأخرى .
” وقليل من الآخرين “
وقليل من آخر هذه الأمة .
” على سرر موضونة “
على سرر منسوجة بالذهب .
” متكئين عليها متقابلين “
متكئين عليها يقابل بعضهم بعضا .
” يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ “
يطوف عليهم لخدمتهم غلمان لا يهرمون ولا يموتون .
” بأكواب وأباريق وكأس من معين “
بأقدار وأباريق وكأس من عين خمر جارية في الجنة .
” لا يصدعون عنها ولا ينزفون “
لا تصدع منها رؤوسهم ، ولا تذهب بعقولهم .
” وفاكهة مما يتخيرون “
ويطوف عليهم الغلمان بما يتخيرون من الفواكه .
” ولحم طير مما يشتهون “
وبلحم طير مما ترغب فيه نفوسهم .
” وحور عين “
ولهم نساء ذوات عيون واسعة .
” كأمثال اللؤلؤ المكنون “
كأمثال اللؤلؤ المصون في أصدافه صفاءً وجمالًا .
” جزاء بما كانوا يعملون “
جزاء لهم بما كانوا يعملون من الصالحات في الدنيا .
” لا يسمعون فيها لغوًا ولا تأثيمًا “
لا يسمعون في الجنة باطلًا ولا ما يتأثمون بسماعه .
” إلا قيلًا سلامًا سلامًا “
إلا قولًا سالمًا من هذه العيوب ، وتسليم بعضهم على بعض .
” وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين “
وأصحاب اليمين ، ما أعظم مكانتهم .
” في سدر مخضود “
وجزاءهم هم في سدر لا شوك فيه .
” وطلح منضود “
وموز متراكب بعضه على بعض .
” وظل ممدود “
وظل دائم لا يزول .
” وماء مسكوب “
وماء جار لا ينقطع .
” وفاكهة كثيرة “
وفاكهة كثيرة لا تنفد .
” لا مقطوعة ولا ممنوعة “
ولا تنقطع عنهم ، ولا يمنعهم منها مانع .
” وفرش مرفوعة “
وفرش مرفوعة على السرر .
” إنا أنشأناهن إنشاء “
إنا أنشأنا نساء أهل الجنة نشأة غير النشأة التي كانت في الدنيا ، نشأة كاملة لا تقبل الفناء .
” فجعلناهن أبكارًا “
فجعلناهن أبكارًا ، صغارهن وكبارهن .
” عُربا أترابًا “
متحببات إلى أزواجهن ، في سن واحدة .
” لأصحاب اليمين “
خلقناهن لأصحاب اليمين .
” ثلة من الأولين “
وهم جماعة كثيرة من الأولين .
” وثلة من الآخرين “
وجماعة كثيرة من الآخرين .
“وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال “
وأصحاب الشمال ما أسوأ حالهم وجزاءهم !!
” في سموم وحميم “
في ريح حارة من حر نار جهنم تأخذ بأنفاسهم ، وماء حار يغلي .
” وظل من يحموم “
وظل من دخان شديد السواد .
” لا بارد ولا كريم “
لا بارد المنزل ، ولا كريم المنظر .
” إنهم كانوا قبل ذلك مترفين “
إنهم كانوا في الدنيا متنعمين بالحرام ، معرضين عما جاءهم به الرسل .
” وكانوا يصرون على الحنث العظيم “
وكانوا يقيمون على الكفر بالله والإشراك به ومعصيته ، ولا ينوون التوبة من ذلك .
” وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابًا وعظامًا أئنا لمبعوثون “
وكأنما يقولون إنكارًا للبعث : أنُبعث إذا متنا وصرنا ترابًا وعظامًا بالية ؟
وهذا استبعاد منهم لأمر البعث وتكذيب له .
” أوآباؤنا الأولون “
أنُبعث نحن وآباؤنا الأقدمون الذين صاروا ترابًا قد تفرق في الأرض ؟
” قل إن الأولين والآخرين “
قل لهم -يا محمد- : إن الأولين والآخرين من بني آدم .
” لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم “
سيُجمعون في يوم مؤقت بوقت محدد ، هو يوم القيامة .
” ثم إنكم أيها الضالون المكذبون “
ثم إنكم أيها الضالون عن طريق الهدى ، المكذبون بوعيد الله ووعده .
” لآكلون من شجر من زقوم “
لآكلون من شجر من زقوم ، وهو من أقبح الشجر .
” فمالئون منها البطون “
فمالئون منها بطونكم ؛ لشدة الجوع .
” فشاربون عليه من الحميم “
فشاربون عليه ماء متناهيًا في الحرارة لا يروي ظمأ .
” فشاربون شرب الهيم “
فشاربون منه بكثرة ، كشرب الإبل العطاشى التي لا تروى لداء يصيبها .
” هذا نزلهم يوم الدين “
هذا الذي يلقونه من العذاب هو ما أعد لهم من الزاد يوم القيامة ، وفي هذا توبيخ لهم وتهكم بهم .
” نحن خلقناكم فلولا تصدقون “
نحن خلقناكم -أيها الناس- ولم تكونوا شيئًا ، فهلا تصدقون بالبعث .
ندعوكم لقراءة : هــــــــي الجــــنـــــــــة 1
حول سورة الواقعة :
– سؤال وجواب :
السؤال :
تقول سماحة الشيخ : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أرجو من سماحتكم الإجابة على أسئلتي وهي كالتالي : السؤال الأول : تقول : هل صحيح بأن من قرأ سورة الواقعة في الصباح والمساء في كل يوم ؛ لا يأتيه الفقر ، وأيضًا الشياطين ؟
الجواب :
الحديث ليس بثابت ، حديث ضعيف ليس بثابت ، ولكن المؤمن يسأل ربه العافية من كل سوء ، ويفعل الأسباب ، يطلب الرزق ، يلتمس الرزق بالبيع والشراء وغير ذلك .
أما قراءة الواقعة وأن من قرأها لا يصيبه الفقر ليس ثابت عن النبي ﷺ ، ليس بثابت عن النبي ﷺ .
– أحاديث صححها الألباني :
قال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله قد شبت ، قال ﷺ : ” شيبتني ( هود ) و ( الواقعة ) و ( المرسلات ) و ( عم يتساءلون ) ، و ( إذا الشمس كورت ) ” [رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع / 3723] ..
وقال عليه الصلاة والسلام : ” شيبتني هود وأخواتها قبل المشيب ” [صحيح الجامع الصغير / 3721] ..
وقال صلى الله عليه وسلم : ” شيبتني هود وأخواتها من المفصل ” [صحيح الجامع الصغير / 3722] ..
وقال عليه الصلاة والسلام : ” قد شيبتي هود وأخواتها ” [صحيح الشمائل المحمدية / 35] .