موسى وهارون
موسى وهارون ، نبيان ورسولان ورد ذكرهما في القرآن ، وهما أخوان ، تعاملا مع فرعون وهامان ، بالموعظة والبرهان ، ولكنهما كذبا وكفرا بالواحد الديان .
طلب موسى من ربه الكريم المنان ، أن يرسل معه أخاه لفصاحة في اللسان ؛
قال الله تعالى على لسان موسى عليه السلام :
” وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ “. (القصص : 34)
- بحث عصري :
الدكتور يحيى محمود القضاة أنجز بحثًا عن هذا الموضوع أنكر فيه وجود لثغة في لسان سيدنا موسى عليه السلام ؛ وملخصه :
تذكر المصادر التي تناولت قصة موسى عليه السلام ، أنه كان ثقيل اللسان ، به لثغة تمنعه من نطق بعض الحروف بشكل صحيح ، بسبب تناوله -وهو صغير- جمرة أحرقت لسانه ، وذلك حين أراد فرعون اختباره ، وقد شاعت هذه القصة وانتشرت حتى أصبحت من قبيل المسلمات ، مع أن العلماء متفقون على أن الأنبياء عليهم السلام معصومون من العيوب التي تمنعهم من تبليغ الدعوة ، ومن كل عيب ينفر الناس منهم ، وقد تناولت هذه القصة بالبحث والدراسة ، لمعرفة مصدرها ، وأقوال العلماء فيها ، وتبين بعد البحث والتحليل أنها من الإسرائيليات التي تسربت إلى مصادرنا الإسلامية ، وساهم في انتشارها تصحيح بعض العلماء لها موقوفة على ابن عباس رضي الله عنهما ، فلم يفرق بعض من ذكر القصة بين ما صح موقوفًا وما صح مرفوعًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- قال الإمام ابن كثير في التفسير :
( وأخي هارون هو أفصح مني لسانًا ) ، وذلك أن موسى ، عليه السلام ، كان في لسانه لثغة ، بسبب ما كان تناول تلك الجمرة ، حين خُيِّر بينها وبين التمرة أو الدرة ، فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه ، فحصل فيه شدة في التعبير ؛ ولهذا قال : ( واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري ) [ طه : 27 – 32 ] أي : يؤنسني فيما أمرتني به من هذا المقام العظيم ، وهو القيام بأعباء النبوة والرسالة إلى هذا الملك المتكبر الجبار العنيد .
ولهذا قال : ( وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا [ يصدقني ] ) ، أي : وزيرًا ومعينًا ومقويًا لأمري ، يصدقني فيما أقوله وأخبر به عن الله عز وجل ؛ لأن خبر اثنين أنجع في النفوس من خبر واحد ؛ ولهذا قال : ( إني أخاف أن يكذبون ).
وقال محمد بن إسحاق : ( ردءًا يصدقني ) أي : يبين لهم عني ما أكلمهم به ، فإنه يفهم [ عني ].
- عقدة لسانه :
قال الله تعالى مخبرًا عن موسى عليه السلام أنه قال :
” وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي “. (طه : 27)
قال الإمام ابن كثير في التفسير :
( واحلل عقدة من لساني . يفقهوا قولي ) وذلك لما كان أصابه من اللثغ ، حين عرض عليه التمرة والجمرة ، فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه ، كما سيأتي بيانه ، وما سأل أن يزول ذلك بالكلية ، بل بحيث يزول العي ، ويحصل لهم فهم ما يريد منه وهو قدر الحاجة. ولو سأل الجميع لزال ، ولكن الأنبياء لا يسألون إلا بحسب الحاجة ، ولهذا بقيت بقية ، قال الله تعالى إخبارًا عن فرعون أنه قال : ( أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ) [ الزخرف : 52 ] أي : يفصح بالكلام .
وقال الحسن البصري رحمه الله : ( واحلل عقدة من لساني ) قال : حل عقدة واحدة ، ولو سأل أكثر من ذلك أُعطي .
وقال ابن عباس : شكا موسى إلى ربه ما يتخوف من آل فرعون في القتيل ، وعقدة لسانه ، فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام ، وسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون يكون له ردءًا ويتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به لسانه ، فآتاه سؤله ، فحل عقدة من لسانه .
وقال ابن أبي حاتم : ذكر عن عمرو بن عثمان ، حدثنا بقية ، عن أرطاة بن المنذر ، حدثني بعض أصحاب محمد بن كعب ، عنه قال : أتاه ذو قرابة له. فقال له : ما بك بأس لولا أنك تلحن في كلامك ، ولست تعرب في قراءتك ؟ فقال القرظي : يا ابن أخي ، ألست أفهمك إذا حدثتك ؟ قال : نعم . قال : فإن موسى ، عليه السلام ، إنما سأل ربه أن يحل عقدة من لسانه كي يفقه بنو إسرائيل كلامه ، ولم يزد عليها .
هذا لفظه .
ندعوكم لقراءة : الكريم والكليم
- حدثوا عن بني إسرائيل :
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، كانت فيهم الأعاجيب ).
ثم أنشأ يحدث قال : ( خرجت طائفة من بني إسرائيل حتى أتوا مقبرة لهم من مقابرهم ، فقالوا : لو صلّينا ركعتين ودعونا الله عز وجل أن يخرج لنا رجلًا ممن قد مات نسأله عن الموت ، ففعلوا ، فبينما هم كذلك إذ أطلع رجل رأسه من قبر من تلك المقابر ، خِلاسيٌّ ، بين عينيه أثر السجود ، فقال : ياهؤلاء ، ما أردتم إليّ ؟ فقد متُّ منذ مائة سنة ، فما سكنت عني حرارة الموت حتى كان الآن ، فادعوا الله عز وجل لي يعيدني كما كنت ) رواه الإمام أحمد في كتاب الزهد ، والطحاوي في مشكل الآثار ، وهو صحيح .
وبعد : هذا غيضٌ من فيض .
أما عن الإسرائيليات التي تحدث عنها الباحث ، فقد بيَّن لنا المعلم صلى الله عليه وسلم أن نحدث عن بني إسرائيل ولا حرج .
وأما عن لثغة سيدنا موسى فقد أثبتها صحابة كرام ؛ منهم حبر الأمة وترجمان القرآن عبدالله بن عباس ابن عم سيد الناس ، كما أكدها الحسن البصري ، وغيرهما كثير ، كما هو ثابت في كتب التفسير .
لايمكن أن أصدق باحثًا في العصر الحديث ، مهما بلغ شأوه ، وأُنكِر على ابن عباس رضي الله عنهما ، والمفسرين الكبار ، من أمثال ابن كثير ، والقرطبي ، والطبري والغوطي ، والسعدي ، والشعراوي ، وغيرهم الذين أكدوا هذه اللثغة في لسان نبي الله موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام .
- ولا يكاد يبين :
هكذا قال فرعون عن النبي الكريم والرسول العظيم موسى بن عمران ، كليم رب العالمين .
قال الإمام الطبري في تفسيره :
القول في تأويل قوله تعالى : ” أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ “. (الزخرف : 52)
بقوله تعالى ذكره مخبرًا عن قيل فرعون لقومه بعد احتجاجه عليهم بملكه وسلطانه ، وبيان لسانه وتمام خلقه ، وفضل ما بينه وبين موسى بالصفات التي وصف بها نفسه وموسى : أنا خير أيها القوم ، وصفتي هذه الصفة التي وصفت لكم ( أم هذا الذي هو مهين ) لا شيء له من الملك والأموال مع العلة التي في جسده ، والآفة التي بلسانه ، فلا يكاد من أجلها يبين كلامه .
- ولنا تعليق ، وبالله التوفيق :
نبي الله موسى عليه السلام هو نبي ورسول من قِبَل رب العالمين ، بل هو كليم الله ، ولم يُولد بعلة أو لثغة ، ولكن الله جل في علاه ابتلاه بها في وجود الفرعون ، فكان ما كان .
وكل الأنبياء دون استثناء ابتُلوا ، حتى خاتمهم وإمامهم صلى الله عليه وسلم ، فكم عانى مع المشركين حتى شُجَّ رأسه ، وكُسرت رباعيته – بأبي هو وأمي وروحي- صلى الله عليه وسلم ، وقصص الأنبياء معلومة للجميع ، ومعاناتهم مع أقوامهم من أجل إيصال دعوة ربهم .
وكليم الله أحد هؤلاء الرسل ، وتبدأ معاناته مع عدو الله وعدوه فرعون ، فكانت هذه الحكاية التي حدثت له مع فرعون وهو طفل ؛ فلا غضاضة في ذلك على الإطلاق .
- حديث عن الابتلاء :
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال :
يا رسولَ اللهِ ! أيُّ الناسِ أشدُّ بلاءً ؟ قال : ” الأنبياءُ ، ثم الصالحون ، ثم الأمثلُ فالأمثلُ ، يُبتلى الرجلُ على حسبِ دِينِه ، فإن كان في دِينِه صلابةٌ ، زِيدَ في بلائِه ، وإن كان في دِينِه رِقَّةٌ ، خُفِّفَ عنه ، ولا يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ حتى يمشي على الأرضِ وليس عليه خطيئةٌ “. (صححه الألباني)
اللهم علِّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما .