ربنا الله ﷻ

له الخلق والأمر

له الخلق والأمر :

الله خالق الأرض والسموات ، ومخرج النبات ، وجامع الشتات ، ومحيي العظام الرفات .
مجيب الدعوات ، مفرِّج الكربات‏ ، قاضي الحاجات .

سبحانه .. سبحانه

له الخلق والأمر ، بيده الرزق والعمر .

اللهم ارزقنا مغفرة دون عذاب ، وجنة بلا حساب ، ورؤية وجهك الكريم بلا حجاب ، يا كريم يا وَهَّاب .

  • عَلَامَ يتحاسدون ؟!

قال أحد الصالحين : لقد نظرت إلى الخلق وهم يتحاسدون على نعيم الدنيا ، فتمعنتُ في قول الله تعالى : ” نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ” ، فعلمتُ أن القسمة من عند الله ؛ فتركتُ الحسد عنّي .

  • بالله يهون كل صعب :

قال الإمام ابن القيم رحمه الله : { بالله يهون كل صعب ، ويسهل كل عسير ، و يقرب كل بعيد ، وبالله تزول الهموم والغموم والأحزان ، فلا همّ مع الله و لا غمّ و لا حزن }.
( الداء والدواء ).

قال الإمام الطبري : يقول تعالى ذكره : إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم ، كلّ ذلك بأمره ، أمرهن الله فأطعن أمرَه ، ألا لله الخلق كله ، والأمرُ الذي لا يخالف ولا يردّ أمره ، دون ما سواه من الأشياء كلها ، ودون ما عبده المشركون من الآلهة والأوثان التي لا تضر ولا تنفع ، ولا تخلق ولا تأمر ، تبارك الله معبودُنا الذي له عبادة كل شيء ، رب العالمين .

  • ويقول الدكتور محمد سيد طنطاوي في [ الوسيط ] :

وقوله : أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ..
ألا : أداة يفتتح بها القول الذي يهتم بشأنه لأجل تنبيه المخاطب لمضمونه وحمله على تأمله .. والخلق : إيجاد الشيء من العدم .. والأمر : التدبير والتصرف على حسب الإرادة لما خلقه .

فهو -سبحانه- الخالق والمدبر للعالم على حسب إرادته وحكمته لا شريك له في ذلك .

وهذه الجملة الكريمة كالتدليل للكلام السابق أى : أنه -سبحانه- هو الذي خلق الأشياء كلها ويدخل في ذلك السموات والأرض وغيرهما ، وهو الذي دبر هذا الكون على حسب إرادته ويدخل في ذلك ما أشار إليه بقوله : مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ .

وقوله : تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ .

  • تبارك الله :

تبارك : فعل ماض لا يتصرف ، أى لم يجيء منه مضارع ولا أمر ولا اسم فاعل .
من البركة بمعنى الكثرة من كل خير .. وأصلها النماء والزيادة .
أى : كثر خيره وإحسانه وتعاظمت وتزايدت بركات الله رب العالمين .

أو من البركة بمعنى الثبوت .
يُقال : برك البعير ، إذا أناخ في موضعه فلزمه وثبت فيه .. وكل شيء ثبت ودام فقد برك .
أى : ثبت ودام خيره على خلقه .

أو المعنى : تعالى الله رب العالمين وتعظم وارتفع وتنزه عن كل نقص .

وقال العلامة السعدي في تفسيره : { أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ } أي : له الخلق الذي صدرت عنه جميع المخلوقات علويها وسفليها ، أعيانها وأوصافها وأفعالها والأمر المتضمن للشرائع والنبوات ، فالخلق : يتضمن أحكامه الكونية القدرية ، والأمر : يتضمن أحكامه الدينية الشرعية ، وثم أحكام الجزاء ، وذلك يكون في دار البقاء ، { تَبَارَكَ اللَّهُ } أي : عظم وتعالى وكثر خيره وإحسانه ، فتبارك في نفسه لعظمة أوصافه وكمالها ، وبارك في غيره بإحلال الخير الجزيل والبر الكثير ، فكل بركة في الكون ، فمن آثار رحمته ، ولهذا قال : فـ { تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } ولما ذكر من عظمته وجلاله ما يدل ذوي الألباب على أنه وحده ، المعبود المقصود في الحوائج كلها أمر بما يترتب على ذلك ، فقال : { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ }.

سبحانه وتعالى ، له الخلق كله وله الأمر كله ، تعالى الله وتعاظم وتنزَّه عن كل نقص ، رب الخلق أجمعين .

  • له المُلك والتصرف :

( ألا له الخلق والأمر ) ؛ أي : له المُلك والتصرف .

  • دعاء مأثور : عن أبي الدرداء رضي الله عنه
    -رُوِيَ مرفوعًا- :

” اللهم لك الملك كله ، ولك الحمد كله ، وإليك يُرجَع الأمر كله ، أسألك من الخير كله ، وأعوذ بك من الشر كله “.

  • استغنَ بالله :

لله در الشافعي الألمعي القائل عن الرب العليّ :

سهرت أعينٌ ونامت عيونُ … في أمورٍ تكونُ أو لاتكونُ

فادرأ النفس عن النفــ … ـسِ فحملانك الهموم جنونُ

إن ربًّا كفاك بالأمس ما كا … ن سيكفيك في غدٍ ما يكونُ

ندعوكم لقراءة : يعلم السر وأخفى

  • الإمام البغوي :

قال في تفسيره وتأويله :

( ألا له الخلق والأمر ) له الخلق ؛ لأنه خلقهم ، وله الأمر ، يأمر في خلقه بما يشاء .

قال سفيان بن عيينة : فرّق الله بين الخلق والأمر ، فمن جمع بينهما فقد كفر .

  • الآية الكريمة :

يقول رب العزة عز وجل :

” إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ “. (الأعراف : 54)

  • وقال القرطبي :

قوله تعالى ألا له الخلق والأمر فيه مسألتان الأولى : صدق الله في خبره ، فله الخلق وله الأمر ، خلقهم وأمرهم بما أحب .. وهذا الأمر يقتضي النهي .

قال ابن عيينة : فرق بين الخلق والأمر ، فمن جمع بينهما فقد كفر .. فالخلق المخلوق ، والأمر كلامه الذي هو غير مخلوق وهو قوله : كن إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون .

وفي تفرقته بين الخلق والأمر دليل بيّن على فساد قول من قال بخلق القرآن ، إذ لو كان كلامه الذي هو أمر مخلوقًا لكان قد قال : ألا له الخلق والخلق ، وذلك عي من الكلام ومستهجن ومستغث .

والله يتعالى عن التكلم بما لا فائدة فيه ، ويدل عليه قوله سبحانه : «ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره» ، وكذلك «والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره» ، فأخبر سبحانه أن المخلوقات قائمة بأمره ، فلو كان الأمر مخلوقًا لافتقر إلى أمر آخر يقوم به ، وذلك الأمر إلى أمر آخر إلى ما لا نهاية له ، وذلك محال .

فثبت أن أمره الذي هو كلامه قديم أزلي غير مخلوق ، ليصح قيام المخلوقات به .. ويدل عليه أيضًا قوله تعالى : «وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق» وأخبر تعالى أنه خلقهما بالحق ، يعني القول وهو قوله للمكونات : كن .

فلو كان الحق مخلوقًا لما صح أن يخلق به المخلوقات ؛ لأن الخلق لا يخلق بالمخلوق ؛ يدل عليه «ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين» ، «إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون» ، «ولكن حق القول مني».

وهذا كله إشارة إلى السبق في القول في القدم ، وذلك يوجب الأزل في الوجود .. وهذه النكتة كافية في الرد عليهم .

ولهم آيات احتجوا بها على مذهبهم ، مثل قوله تعالى : «ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث» الآية .. ومثل قوله تعالى : «وكان أمر الله قدرًا مقدورًا» و مفعولًا وما كان مثله .

قال القاضي أبو بكر : معنى ما يأتيهم من ذكر أي من وعظ من النبي صلى الله عليه وسلم ووعد وتخويف إلا استمعوه وهم يلعبون ؛ لأن وعظ الرسل صلوات الله عليهم وسلامه وتحذيرهم ذكر .

قال الله تعالى : «فذكر إنما أنت مذكر».

ويقال : فلان في مجلس الذكر .. ومعنى وكان أمر الله قدرا مقدورا ومفعولا ، أراد سبحانه عقابه وانتقامه من الكافرين ونصره للمؤمنين وما حكم به وقدره من أفعاله .

ومن ذلك قوله تعالى : «حتى إذا جاء أمرنا» ، وقال عز وجل : «وما أمر فرعون برشيد» يعني به شأنه وأفعاله وطرائقه .

قال الشاعر :

لها أمرها حتى إذا ما تبوأت بأخفافها مرعى تبوأ مضجعا

الثانية : وإذا تقرر هذا فاعلم أن الأمر ليس من الإرادة في شيء ، والمعتزلة تقول : الأمر نفس الإرادة ، وليس بصحيح ، بل يأمر بما لا يريد وينهى عما يريد .. ألا ترى أنه أمر إبراهيم بذبح ولده ولم يرده منه ، وأمر نبيه أن يصلي مع أمته خمسين صلاة ، ولم يرد منه إلا خمس صلوات . وقد أراد شهادة حمزة حيث يقول : ويتخذ منكم شهداء ، وقد نهى الكفار عن قتله ولم يأمرهم له .

  • وقال ابن عاشور :

وجملة : { ألا له الخلق والأمر } مستأنفة استئناف التّذييل للكلام السّابق من قوله : { الذي خلق السموات والأرض } لإفادة تعميم الخَلْق .. والتّقدير : لما ذُكر آنفًا ولِغيره .. فالخلق : إيجاد الموجودات ، والأمر تسخيرها للعمل الذي خُلقت لأجله .

وافتتحت الجملة بحرف التّنبيه لتَعِي نفوسُ السّامعين هذا الكلام الجامع .

واللام الجارة لضمير الجلالة لام المِلك .. وتقديم المسند هنا لتخصيصه بالمسند إليه .

والتّعريف في الخلق والأمر تعريف الجنس ، فتفيد الجملة قصر جنس الخلق وجنس الأمر على الكون في مِلك الله تعالى ، فليس لغيره شيء من هدا الجنس ، وهو قصر إضافي معناه : ليس لآلهتهم شيء من الخلق ولا من الأمر ، وأمّا قصر الجنس في الواقع على الكون في مِلك الله تعالى فذلك يرجع فيه إلى القرائن ، فالخلق مقصور حقيقة على الكون في ملكه تعالى ، وأمّا الأمر فهو مقصور على الكون في ملك الله قصرًا ادعائيًّا لأنّ لكثيرٍ من الموجودات تدبيرَ أمور كثيرة ، ولكن لما كان المدبِّر مخلوقًا لله تعالى كان تدبيره راجعًا إلى تدبير الله كما قيل في قصر جنس الحمْد في قوله : ” الحمد لله “. (الفاتحة : 2)

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى