الهداية من الله
الهداية من الله :
يقول الله عز وجل في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد :
” إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ “. (القصص : 56)
يَقُول تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّك يَا مُحَمَّد ” لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت ” أَيْ لَيْسَ إِلَيْك ذَلِكَ إِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ وَاَللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاء وَلَهُ الْحِكْمَة الْبَالِغَة وَالْحُجَّة الدَّامِغَة كَمَا قَالَ تَعَالَى : ” لَيْسَ عَلَيْك هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاء ” .. وَقَالَ تَعَالَى : ” وَمَا أَكْثَر النَّاس وَلَوْ حَرَصْت بِمُؤْمِنِينَ ” وَهَذِهِ الْآيَة أَخَصّ مِنْ هَذَا كُلّه فَإِنَّهُ قَالَ : ” إِنَّك لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت وَلَكِنَّ اللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاء وَهُوَ أَعْلَم بِالْمُهْتَدِينَ” أَيْ هُوَ أَعْلَم بِمَنْ يَسْتَحِقّ الْهِدَايَة مِمَّنْ يَسْتَحِقّ الْغِوَايَة وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِب عَمّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ كَانَ يَحُوطهُ وَيَنْصُرهُ وَيَقُوم فِي صَفّه وَيُحِبّهُ حُبًّا شَدِيدًا طَبْعِيًّا لَا شَرْعِيًّا فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاة وَحَانَ أَجَله دَعَاهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِيمَان وَالدُّخُول فِي الْإِسْلَام فَسَبَقَ الْقَدَر فِيهِ وَاخْتُطِفَ مِنْ يَده فَاسْتَمَرَّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْر وَلِلَّهِ الْحِكْمَة التَّامَّة .
قَالَ الزُّهْرِيّ حَدَّثَنِي سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ الْمُسَيِّب بْن حَزْن الْمَخْزُومِيّ قَالَ : لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِب الْوَفَاة جَاءَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْده أَبَا جَهْل بْن هِشَام وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة بْن الْمُغِيرَة فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” يَا عَمّ قُلْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه كَلِمَة أُحَاجّ لَك بِهَا عِنْد اللَّه ” ، فَقَالَ أَبُو جَهْل وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة يَا أَبَا طَالِب أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّة عَبْد الْمُطَّلِب ؟
فَلَمْ يَزُلْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضهَا عَلَيْهِ وَيَعُودَانِ لَهُ بِتِلْكَ الْمَقَالَة حَتَّى كَانَ آخِر مَا قَالَ هُوَ عَلَى مِلَّة عَبْد الْمُطَّلِب ، وَأَبَى أَنْ يَقُول لَا إِلَه إِلَّا اللَّه .
فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” وَاَللَّه لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَك مَا لَمْ أُنْهَ عَنْك “.
فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : ” مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى “.
وَأَنْزَلَ فِي أَبِي طَالِب ” إِنَّك لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت وَلَكِنَّ اللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاء ” .. أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيث الزُّهْرِيّ ، وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه وَالتِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث يَزِيد بْن كَيْسَان عَنْ أَبِي حَازِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : لَمَّا حَضَرَتْ وَفَاة أَبِي طَالِب أَتَاهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ” يَا عَمَّاهُ قُلْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه أَشْهَد لَك بِهَا يَوْم الْقِيَامَة ” فَقَالَ لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرنِي بِهَا قُرَيْش يَقُولُونَ مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ إِلَّا جَزَع الْمَوْت لَأَقْرَرْت بِهَا عَيْنك لَا أَقُولهَا إِلَّا لِأَقِرّ بِهَا عَيْنك نَزَّلَ اللَّه تَعَالَى ” إِنَّك لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت وَلَكِنَّ اللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاء وَهُوَ أَعْلَم بِالْمُهْتَدِينَ “.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَسَن غَرِيب لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ حَدِيث يَزِيد بْن كَيْسَان وَرَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد الْقَطَّان عَنْ يَزِيد بْن كَيْسَان حَدَّثَنِي أَبُو حَازِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ وَهَكَذَا قَالَ اِبْن عَبَّاس وَابْن عُمَر وَمُجَاهِد وَالشَّعْبِيّ وَقَتَادَة إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِب حِين عَرَضَ عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُول لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ، فَأَبَى عَلَيْهِ ذَلِكَ وَقَالَ أَيْ اِبْن أَخِي مِلَّة الْأَشْيَاخ وَكَانَ آخِر مَا قَالَهُ هُوَ عَلَى مِلَّة عَبْد الْمُطَّلِب .
– ريتشارد فيرلي :
من شدة كرهها للإسلام أهدت زوجها فى عيد ميلاده رواية ” سلمان رشدى ” الملـحد ( آيات شيطانية ) والتى يهاجم فيها القرآن الكريم.
ولأن زوجها ” ريتشارد فيرلي ” هو كبير مفتشي فرقة مكافحة الإرهــاب البريطانية وتعود أن يعرف التهمة من المتهم نفسه ؛ ذهب للمتهم من -وجهة نظره- وهو ( القرآن الكريم ).
والنتيجة ؛ اعتنق ” ريتشارد ” الإسلام ، بل وأصبح من أروع المدافعين عنه ، وفى كل مناسبة يحمل المصحف بكل فخر و يقول : هذا هو كتابنا الذى نؤمن به .
فمن ( سوء حظ ) زوجته أن الرجل كان مهتمًا بعلوم الفيزياء الكونية ، وبقدر من الله وقعت عيناه على تلك الآيات التى قلبت حياته رأسًا على عقب كما يقول :
1- ” أَوَلَم يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن السمَاوَاتِ وَ الْأَرضَ كَانتَا رَتقًا فَفَتَقنَاهُمَا وَ جَعَلنَا مِنَ الْماءِ كُل شَيءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤمِنُونَ “.
2- ” وَالسمَاءَ بَنَينَاهَا بِأَيدٍ وَ إِنَّا لَمُوسِعُونَ “.
3- ” وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا “.
و قال جملة يرددها دائمًا :
“ three verses changed my life ” ؛ وترجمتها ثلاث آيات غيرت حياتى ؛ حيث وجد أن الثلاث آيات تتناول أهم ثلاث نظريات في علوم الكون وهي :
الانفتاق ، والتوسع الكونى المستمر ، والتوازن الكوكبي .
وقال : يستحيل على بشر معرفة ذلك قبل 1400 سنة !
الحقيقة ليس ( سوء حظ ) زوجته فقط ، بل سنن الله في كونه القاضية بهداية كل من يبحث عن الحق والقاضية أيضًا بأن دين الله كلما هُوجم ارتفع .
يتذكر ” ريتشارد ” بدقة اليوم الذي اعتنق فيه الإسلام ويقول ” ريتشارد ” ، أو ” راشد ” كما يطيب لبعض المسلمين العرب أن ينادوه:
{ إن يوم 19 أغسطس 1993 هو تاريخٌ فاصلٌ في حياته ؛ لأنه عرف فيه طعم الإيمان وصفاء النفس }.
ويضيف في لقاء خاص :
{ دخلت الإسلام بعد قراءة وتمعن ، فأنا خريج الجيولوجيا من جامعة اكستر البريطانية ، وأشعر أحيانًا بالإحباط ؛ بسبب شبهة ارتباط الإسلام بالإرهـاب }.
ويتكلم ” ريتشارد ” بصوت خفيض وتتهدج عباراته وهو يتحدث عن اللحظة التي وجد فيها نفسه أمام الكعبة المشرفة بعد منتصف الليل ، عندما ذهب للمرة الأولى في حياته لأداء العمرة بعد 17 عامًا من اعتناقه الدين الحنيف ، ويقول :
{ لا أعرف ما حدث لي وأنا الضابط المتمرس المدرب جيدًا ، وجدت نفسي أبكي بشدة والدموع تنهمر من عيني ، لا أعرف حتى الآن سر هذا البهاء الذي أحاط بالمكان ، وأوقف لحظات الزمان أمامي ! انتهيت من الطواف الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل في إحدى ليالي شهر كانون الثاني ( يناير ) الماضي ، وتحللت وقصصت شعري ، وأحسست بأنني قريب للغاية من رضاء الله عز وجل}.
” إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ “.