الرجولة مواقف
الرجولة مواقف :
- شَيْخٌ قَوِيّ
الشيخ محمد الخضر حسين ، تونسي الجنسية ، وأصل أسرته من الجزائر ، وحصل على الجنسية المصرية ، تولى مشيخة الأزهر في 16 من سبتمبر 1952م ، واستقال في 7 يناير 1954م ؛ احتجاجًا على إلغاء القضاء الشرعي ودمجه في القضاء المدني .
تصدى ذات يوم لأحد أعضاء مجلس قيادة ثورة 1952م عندما دعا ( بسلامته ) إلى المساواة بين الجنسين في الميراث ؛ فاتصل الشيخ بهم وأنذرهم إذا لم يتراجعوا عما قيل ؛ فإنه سيرتدي كفنه ويستنفر الشعب لزلزلة الحكومة لاعتدائها على حكم من أحكام الله ، فكان له ما أراد .. يا له من رَجُلٍ قويّ في غير عنف .
وكانت مصر قد فتحت أبوابها في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري لزعماء النهضة والإصلاح فصارت القاهرة كعبة العلماء ، اتخذها بعضهم موطنًا دائمًا له ، واستقر بعضهم فيها حينًا من الدهر ثم عاد إلى بلاده ، ومنهم من منحته جنسيتها ، وبوأته أعلى المناصب الدينية ، مثلما فعلت مع الشيخ محمد الخضر حسين ، حيث اختارته ضمن الرعيل الأول المؤسس لمجمع اللغة العربية ، وعينته أستاذًا في كلية أصول الدين ، وكافأته بتنصيبه شيخًا للجامع الأزهر .
2. بَحْرٌ لا ساحل له
نزل محمد الخضر حسين القاهرة سنة 1339هـ / 1920م ، واشتغل بالبحث وكتابة المقالات ، ثم عمل محررًا بالقسم الأدبي بدار الكتب المصرية ، واتصل بأعلام النهضة الإسلامية في مصر وتوثقت علاقته بهم ، ثم تجنس بالجنسية المصرية ، وتقدم لامتحان شهادة العالمية بالأزهر ، وعقدت له لجنة الامتحان برياسة العلامة عبد المجيد اللبَّان مع نخبة من علماء الأزهر الأفذاذ .. وأبدى الطالب الشيخ من رسوخ القدم ما أدهش المُمْتَحِنين ، وكانت اللجنة كلما تعمقت في الأسئلة وجدت من الطالب عمقًا في الإجابة وغزارة في العلم ، وقوة في الحُجَّة ، فمنحته اللجنة ” شهادة العالمية ” ، وبلغ من إعجاب رئيس اللجنة بالطالب العالِم أن قال : ” هذا بحرٌ لا ساحل له ، فكيف نقف معه في حجاج ! “.
3. انتصروا للقرآن
كان الشيخ عبد الرازق الرافعي رئيسًا للمحكمة الشرعية في كثير من الأقاليم ، وكان على علم ، وكانت له مكانة مرموقة ، ومع ذلك لم تكن معه شهادة ( العالمية ) ، عُرف عنه الشدة في الحق ، والورع الصادق ، والعلم الغزير .
جاء إلى طنطا ، ولأمر ما نشب خلاف علمي بينه وبين علماء طنطا حَفَّزَه -وهو شيخ كبير- إلى طلب الشهادة ، فتقدم إلى امتحانها ، ونالها ، ولغير غرض يسعى إليه إلا أن يستكمل براهينة في جدال بعض العلماء .. وكان للرجل مكتبة كبيرة نهل منها ولده مصطفى صادق ( وهو اسم مركب ) العلم النافع ، واستوعبها وأحاط بكل ما فيها ، بل وطلب المزيد ، وكان له ما أراد .
وابنه العملاق مصطفى صادق بن عبد الرازق بن سعيد بن أحمد بن عبد القادر الرافعي العمري ( نسبة إلى عمر بن الخطاب ) فقد توقف عند الابتدائية ولم يكمل تعليمه ، إلا أن موهبته حلقت به في سماء الفكر والأدب العربي ، حتى لقبوه بـ ( معجزة الأدب العربي ) ، ووضع أول كتاب في العصر الحديث عن ” تاريخ الأدب العربي ” ، وكتب كتابه الشهير ” تحت راية القرآن ” ، وفيه يتحدث عن إعجاز القرآن ، ويرد على آراء الدكتور طه حسين في كتابه ( في الشعر الجاهلي ) وأبدع إبداعًا عجيبًا في مجال المقال ، وجمع مقالاته فضمت كتابه الماتع ( وحي القلم ) . وكما يقولون : هذا الشبل من ذاك الأسد .
فالأسد والده القاضي الجليل الذي ناظر وجادل العلماء وغلبهم ، وها هو الشبل يرد بقوة على الكبار : طه حسين والعقاد ، وأحمد لطفي السيد ، وغيرهم .
وانتصر للقرآن ، وانتصر للغة القرآن .
4. أسرة الرافعي
قصة جميلة تلك التي تحكي عن أسرة أحد عمالقة الأدب العربي وهو مصطفى صادق الرافعي ، تأتي في مقدمة كتاب ( من روائع الرافعي ) والناشر : دار نهضة مصر .
قالوا : ” لأسرة الرافعي ثقافة يصح أن نسميها ( ثقافة تقليدية ) ، فلا ينشأ الناشئ منهم حتى يتناولوه بألوان من التهذيب تطبعه من لدن نشأته على الطاعة واحترام الكبير وتقديس الدين ، وتجعل منه خلفًا لسلف يسير على نهجه ويتأثر خطاه .. والقرآن والدين هما المادة الأولى في هذه المدرسة العريقة التي تسير هذه الأسرة على منهاجها منذ انحدر أولهم من صلب الفاروق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- .. كان لوالد الرافعي مكتبة تجمع أشتاتًا من نوادر كتب الفقه والدين والعربية ؛ فأكب عليها إكباب النهم على الطعام الذي يشتهيه ، فما مضى إلا قليل حتى استوعبها وأحاط بكل ما فيها ، وراح يطلب المزيد .
مولد الرافعي كان في الشهر الأول من سنة 1880م بقرية ( بهتيم ) إحدى قرى محافظة القليوبية ، ولكن إقامته كانت في طنطا ، وهي مدينة محافظة تعتز بالقيم الأصيلة ، وهي ذات طابع ديني .. فقد الرافعي سمعه تمامًا وهو في الثلاثين من عمره ؛ وكان ذلك سببًا في عزله عن دنيا الناس ، فعاش في عالمه الداخلي فجاءت معانيه عميقة ، وجاء نصيبه من العامية ضئيلًا ، كما كان صممه سببًا في انقطاعه عن التعليم .
وتزوج الرافعي في الرابعة والعشرين السيدة ” نفيسة البرقوقي ” ، وكانت مثالًا للزوجة الصالحة ، وقد عاش الزوجان حياة طويلة هانئة ، ولم يتخاصما إلا مرة واحدة !!
وكان للرافعي معارك قلمية كثيرة ، أهمها مع الدكتور طه حسين ، مع العقاد ، ومع أحمد لطفي السيد .
أسرة الرافعي ذريةٌ بعضها من بعض .. أكثر الله من أمثال هذه الأسرة الكريمة العريقة الدَّيِّنَة المثقفة .
5. سلمت يداك يا خالد
استطاع معلم سعودي شجاع اسمه خالد الحذيفي من إيقاف اشتعال سيارة أمام مدرسة تقع جنوب مدينة جدة السعودية وذلك قبل أن تنتقل النيران إلى السيارات الأخرى ، ومن ثم تحدث كارثة بالمنطقة كلها -لا قدر الله- ، ونجح في هذه المهمة الإنسانية ولم يحفل بأية مخاطر كان يمكن أن يتعرض لها وتودي بحياته .. سلمت يداك يا بطل .
حدث هذا يوم الخميس الموافق للسادس من شهر الله المحرم من عام 1441هـ / الخامس من سبتمبر لعام 2019م .. والحكاية يحكيها خالد بنفسه يقول : ” كنا بنادي الحي ، فاندلعت النار في مركبة كانت متوقفة عند مدخل النادي بسبب ماس كهربائي ، فقمت فورًا بإبعاد السيارات حتى لا يلحقها الحريق وتحصل كارثة لا قدر الله ، وقمنا بإخراج الطلاب من الباب الآخر ، وتوجهنا لإخماد الحريق ” ، واختتم حديثه بقوله : ” وهنا أطفأت النار بمساعدة البعض .. وقد قمنا سابقًا بعمل فرضيات للحرائق الوهمية ، ونستطيع التعامل من أي حريق .. وكانت ردود الفعل طيبة ، ولله الحمد .. واليوم اتصل بي مدير مكتب تعليم الصفا بجدة وشكرني ، وهذا واجبي “.
ونحن نقول : سلمت يداك أيها المعلم الشهم ؛ فقد كنت رجلًا -والرجال قليل- عندما عَرَّضت نفسك للخطر ، ولم تبال بالعواقب ؛ وجاءت العواقب سليمة ؛ فَسَلَّمَكَ الله من الأذى ؛ فندعو الله جل في علاه أن يسلمك دومًا من كل مكروه وسوء .. يا رجل .
6. وزير فوق العادة
وزير داخلية المحروسة الهمام اللواء أحمد رشدي -رحمه الله- كان يُضرب به المثل في الجدية والانضباط والوطنية وحب البلد .. حكى عنه الصحفي شريف عبد القادر بجريدة أخبار اليوم ، في العدد رقم ( 3438 ) بتاريخ 25 / 9 / 2010م هذه القصة العجيبة التي لم يعتد عليها المصريون ، قال الصحفي المرموق : ” كنت أنتظر في طابور أمام المصعد بالمبنى الإداري الذي يقع أسفله ” بنك الإسكندرية الكويت ” بميدان التحرير ، قاصدًا الشئون الإدارية بوزارة السياحة بالدور الثامن .. وكان بالمبنى طابقان يتبعان وزارة الداخلية .. وأثناء انتظارنا فإذا بصوت حنجوري مرتفع يصدر من أحد موظفي المبنى يصيبنا بالهلع والفزع ويطالبنا بالابتعاد عن المصعد للسيد وزير الداخلية ، فابتعد الجميع سريعًا .. وهنا ، غضب الوزير وَوَبَّخَ الموظف على ما فعله ، واعتذر لنا طالبًا منا أن نعود لنقف في الطابور ، بينما أصر هو على الوقوف آخر الطابور !! رفض الجميع ذلك ورجوناه الدخول إلى المصعد ؛ فدخله طالبًا من العامل إدخال الصاعدين بنفس حمولة المصعد المتبعة ، وهي حمولة تؤدي لشبه تلاصق لأجسام الصاعدين “.
رحم الله اللواء أحمد رشدي رحمة واسعة .
ندعوكم لقراءة : بطولات مصرية نادرة
7. بطولة سائق
استيقظ سكان منطقة المنصورية القريبة من الطريق الدائري فجر ذات يوم على صوت انفجار مدو هز مساكنهم ، حيث كانت ألسنة اللهب مشتعلة بشاحنة بترول سعة 44 ألف لتر ، وتعالت النيران لارتفاع أربعة أمتار مصحوبة بسحابة سوداء ممزوجة برائحة البنزين المحترق ، هذا المشهد كاد يتحول إلى حريق مروع يهدد المنطقة بأكملها لولا بطولة سائق الشاحنة رمضان محمد عمر -45 سنة- الذي شاهد النيران تشتعل بها أثناء تفريغ حمولتها داخل محطة وقود بسبب خطأ عامل التفريغ -الذي استخدم ” ولاعة ” كي يتمكن من رؤية تدفق البنزين في الخزان- مما أدى إلى اشتعال النيران بالشاحنة داخل المحطة الملاصقة للمنطقة السكنية من العمارات والفيلات ، وبشهامة ” أولاد البلد ” أسرع السائق باستقلال شاحنة البترول بحمولتها الكبيرة من البنزين غير مكترث بالخطورة الداهمة على حياته ليقود السيارة المشتعلة ويهرب بها بعيدًا ، بينما النيران تزداد ضراوة حتى قطع بها مسافة نحو 300 متر ، وعندما شعر بقرب انفجار فنطاس البنزين في منطقة خلاء أوقف الشاحنة ونزل مسرعًا من كابينة القيادة ، بينما نجا السائق البطل ولم يصب بسوء .. وبعد ذلك تم إخماد النيران بالشاحنة ، وتأمين منطقة الحادث من قبل السلطات المسئولة .. حفظ الله بلادنا وأهلنا من كل مكروه وسوء .
( عن جريدة الأهرام في 17 / 12 / 2010م – العدد 45301 ).
8. شهامة ضابط شرطة
عن جريدة الأخبار في 15 / 3 / 2010م كان هذا الحوار لأحمد داود مع ذلكم المصري الشهم ملازم أول خالد الحسيني :
قال الملازم أول خالد الحسيني : كنت أؤدي عملي في تنظيم حركة المرور أمام مستشفى قصر العيني الفرنساوي مساء الجمعة الماضي عندما وجدت قائد سيارة يركن سيارته في الممنوع أسفل لوحة إرشادية مكتوب عليها : ” ممنوع الانتظار ” ذهبت إليه منفعلًا من تصرفه وقلت له : إن الانتظار في هذا المكان ممنوع ويعرضه للمساءلة القانونية والغرامة ، فوجئت بالسائق يقول : ” سيبني في حالي ” وأنا مش هامشي من هنا إلا لما أخلص اللي أنا عاوزه ” ، أبديت دهشتي من رده وبدلًا من الانفعال عليه حاولت أن أفهم الدافع وراء هذا الرد .. فأخبرني أن ابنه الصغير يعاني من مرض خطير في الدم ويحتاج إلى تغيير دم بشكل يومي ، وأنه يواجه صعوبة في ذلك لندرة فصيلة الدم الخاصة بالطفل ، فما كان مني إلا أن ساعدت المواطن في ركن سيارته وقمت باصطحابه إلى داخل المستشفى واتخاذ الإجراءات اللازمة للتبرع وبعدها تبرعت بدمي من أجل إنقاذ الطفل .
وقال الحسيني : بعد تبرعي بالدم .. أعطيت رقم هاتفي المحمول إلى المواطن ليقوم بالاتصال بي في أي وقت يحتاج فيه إلى مساعدة.
وعندما طلب مني المواطن أن يعرف اسمي رفضت وقلت له : إنني أقوم بذلك لوجه الله ولا أريد أي مقابل .
وفوجئت صباح أمس بخبر على صفحات الجرائد يتضمن الواقعة ، وعندما سألته أكد أنه حصل على بياناتي من واقع سجلات المستشفى ، وأنه قام بإرسال برقيات شكر لكل من وزير الداخلية ومدير الأمن عن موقفي معه ، وأضاف الضابط قائلًا : إحساسي بالمسئولية كأب وكضابط شرطة هو ما يحركني لمساعدة أي شخص في الشارع المصري ما دمت قادرًا على تقديم المساعدة ، وما قمت به ليس غريبًا على المصريين فيما بينهم بشكل عام ، ولو قابل المواطن أي شخص آخر غيري سواء كان ضابطًا أو مواطنًا أو حتى عامل نظافة فلا أعتقد أن تصرفه سيكون غير الذي قمت به .
وقال الحسيني : عندما قمت بواجبي الإنساني تجاه المواطن لم أكن أنظر إلى المكافأة أو الشهرة لعدم علمي برد فعل ما حدث ، ولكنني أحسست بضرورة تأدية واجبي الإنساني بجانب واجبي الشرطي وذلك من خلال خدمة المواطنين ، فضلًا عن أنه واجب ديني .
أما والد الطفل فيقول : إن ابنه ” أنس ” حديث الولادة وعمره 20 يومًا وهو يعاني من فيروس نادر بالدم يستلزم تغيير دمه يوميًا ، وأكد الأطباء أن مرضه نادر وليس له علاج في مصر وما يستطيعون القيام به هو نقل الدم بشكل مستمر ، ونقل بلازما وصفائح دم كل 12 ساعة مؤكدين أن حالة ابنه هي واحدة من كل 50 مليون حالة ، وعبَّر الأب عن امتنانه لشهامة الملازم أول خالد الحسيني الذي لم يتعسف معه في تحرير مخالفة ضده لقيامه بالانتظار في الممنوع ، وتحمل انفعاله بسبب مرض ابنه ، وعرف منه ظروفه وتصرف من واقع واجبه الإنساني ، وقام بتسهيل الإجراءات له داخل المستشفى ، بل وتبرع بدمه دون أي مقابل .. وقال الأب : لم أجد ما أعبر به عن شكري للضابط بعد أن رفض إعطائي اسمه إلا إرسال برقيات شكر إلى وزير الداخلية ، ومساعد أول الوزير لأمن القاهرة ، ومدير الإدارة العامة لمرور القاهرة . ( انتهى )
9. دينهم الإسلام ويفتخرون
ذهب عازف الجيتار الشهير ” جيرمين جاكسون ” في زيارة إلى مملكة البحرين ، وهناك التقى مجموعة من الأطفال المسلمين النابهين ، سألهم عن دينهم ؛ فأجابوا : بكل فخر ديننا الإسلام .. ثم أخذ كل واحدٍ منهم يحدثه عن الإسلام بطريقة أدهشته ، كما يقول هو بنفسه .
وعاد العازف من البحرين إلى بلده ، وشعر بأنه سيصبح مسلمًا بعد هذه المقابلة التي أثلجت صدره .. يقول : تحدثت مع صديق مسلم اسمه عَلِيّ عن هذا الشعور ، وقلت له : أريد أن أعرف المزيد عن الإسلام ، بعدما سمعت عنه من أطفال صغار ، ولكنهم ليسوا كباقي الأطفال .
وَجَّهَهُ عَلِيّ المسلم الذكي إلى الوجهة الصحيحة ليتعرف على الإسلام أكثر ، فسافر الرجل إلى المملكة العربية السعودية ، وتعرف هناك على الإسلام الصحيح ؛ فأعلن إسلامه ، وغَيَّر اسمه إلى محمد عبدالعزيز .
بارك الله في أطفال وشباب ورجال ونساء المسلمين الهداة المهتدين ، غير الضالين ولا المضلين .. اللهم آمين .
10. إحساس رائع بالفخر
كان يعيش في مدينة تكساس الأمريكية ، وتعرف على مجموعة من الطلاب الباكستانيين هناك ، فرآهم وهو يصلون ؛ فانبهر بانتظامهم في الصلاة خمس مرات يوميًا ، يؤدونها في جماعة بخشوع وتبتل ، فكان يحسدهم على إسلامهم ، ويغبطهم على تلك الطمأنينة التي في قلوبهم ؛ فتظهر على محياهم .. ورويدًا رويدًا بدأ يسأل ويقرأ ويتحير ، وكان لابد أن يتحير ، وأراد الله له أن يتغير ؛ فأصابه إصابة جسيمة في حادث سير .. ودون أن يخبر أحدًا عاهد ربه -سِرًّا- لو نجاه من الإصابة بعاهة مستديمة أن يتحول إلى الإسلام .. ودارت الأيام ؛ وذهبت الآلام ، ولم يصب بعاهة ولا أسقام ؛ فأعلن الإسلام .. وقال وهو يضحك : ليس بالضبط أن ( هذه ) أمام ( تلك ) ، فقد كان القرار واضحًا وصادقًا بداخلي ، ولكنني طمعت في رحمة ربي القائل : ” أنا عند ظن عبدي بي ” ؛ وكان الله عز وجل عند حُسن ظني به .
شعرت بالحرية وأنا أسجد لأول مرة في حياتي ، وجاءني إحساس رائع بالفخر وأنا أدخل المسجد مع المسلمين .
11. لم ينافق ولم يهادن
هو حَسنٌ وعائلته دَوْحٌ ، فهو جميلٌ خَلقًا وخُلُقًا ، والدوحة هي الشجرة العظيمة ، أو المظلة العظيمة ، فالصحفي المتألق حسن دوح له من اسمه نصيب كبير .
قال عنه الكاتب الصحفي فوزي شعبان : كان حسن دوح فوق كل شك ؛ فقد كان مواطنًا مخلصًا ، له تاريخ طويل من الكفاح ضد الاستعمار ، والملك ، والدكتاتورية ، وكان يطالب بالحرية والديمقراطية ؛ لذا عَيَّنَه مصطفى أمين في الأخبار تكريمًا له .
وله حكاية تدل على وطنيته وحبه لهذا البلد ، كتب عنها زميله فوزي شعبان مفادها أنه كان مريضًا ويعاني من آثار التعذيب التي تعرض لها أيام جمال عبدالناصر والتي تركت علامات واضحة على جسده ، فقام الكاتب صلاح عيسى بمحاولة إقناع حسن دوح بالسفر إلى خارج البلاد للعلاج على نفقة الدولة بعد أن تكلم في هذا الأمر مع وزير الصحة آنذاك والذي وافق على سفره على نفقة الوزارة ، ولكن حسن دوح رفض ذلك الأمر بشدة ، وقال له : ” البلد في حاجة إلى كل دولار وعملة صعبة لشراء سلاح ، ورفع آثار هزيمة 67 ، واستعادة الكرامة المصرية “.
وقال زميله فوزي شعبان : وقفنا عاجزين أمام إصراره ورفضه السفر للعلاج حرصًا على أموال الدولة .
وكان حسن دوح قد كشف عن جراحه العميقة لزميليه جلال عيسى وفوزي شعبان اللذين لم يتوقعا أن تكون بهذه البشاعة ( وحسبنا الله ونعم الوكيل ).
رحم الله الصحفي الحُر الذي لم ينافق ولم يهادن ، ولم يخشَ في الله لومة لائم .
” إِلَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرًا وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ “. (الشعراء : 227)
( عن جريدة الأخبار في 2 / 4 / 2010م – العدد : 18084 بتصرف يسير ).
12. شيخٌ فذّ
أراد المندوب السامي الفرنسي في الجزائر أيام الاحتلال أن يغلق المسجد الذي يعظ فيه الشيخ عبد الحميد الجزائري الناس ؛ فقال له الشيخ : إنك لا تستطيع ذلك ؛ فاستشاط المندوب اللعين غضبًا ، وقال : كيف لا أستطيع ؟
قال الشيخ : إذا كنتُ في عُرْسٍ عَلَّمتُ المحتفلين ، وإذا كنتُ في مأتم وعظتُ المعزِّين ، وإن جلستُ في قطار عَلَّمتُ المسافرين ، وإن دخلتُ السجن أرشدت المسجونين ، وإن قتلتموني ألهبت مشاعر المواطنين .
وخيرٌ لك أيها الحاكم ألا تتعرض للأمة في دينها ولغتها .
( عن كتاب ” صلاح الأمة في عُلُوّ الهمة ” ).