نوح مع قومه

نوح مع قومه :
يقول الله تبارك وتعالى :
” ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومِهِ فَلَبِثَ فيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسينَ عامًا فأَخَذَهُم الطُّوفانُ وَهُم ظالِمونَ “. (العنكبوت : 14)
البداية :
أرسل الله تعالى نوحًا إلى قومه فمكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا ، يدعوهم إلى التوحيد وينهاهم عن الشرك ، فلم يستجيبوا له .
والنهاية :
أهلكهم الله القادر المقتدر بالطوفان ، وهم ظالمون لأنفسهم بكفرهم وطغيانهم .
- القصة في القرآن :
تكررت قصة نوح عليه السلام مع قومه في القرآن الكريم في سور عديدة ، وقد مرت عليها أزمنة مديدة ، نقرأها وكأنها جديدة .
ما أروع القرآن ، وقصصه ، وحكاياته ؛ تنزيل من حكيم حميد .
جاءت القصة في سورة هود أكثر تفصيلًا ، وجاء الحديث عنها في سور :
الأعراف ، ويونس ، والمؤمنون ، والشعراء ، والعنكبوت ، والصافات ، والقمر بشيء من التفصيل .
وجاءت إشارة إليها في سور الأنبياء والفرقان والذاريات .
كما توجد سورة كاملة في القرآن الكريم تحمل اسم هذا النبي الكريم ، وهي سورة نوح ، تتكون من 28 آية ، وترتيبها في المصحف 71 ، بعد المعارج وقبل الجن .
- يقول الله الملك الحق :
” إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦٓ أَنۡ أَنذِرۡ قَوۡمَكَ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ (1) قَالَ يَٰقَوۡمِ إِنِّي لَكُمۡ نَذِيرٞ مُّبِينٌ (2) أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُؤَخِّرۡكُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّىۚ إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لَا يُؤَخَّرُۚ لَوۡ كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ (4) قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوۡتُ قَوۡمِي لَيۡلٗا وَنَهَارٗا (5) فَلَمۡ يَزِدۡهُمۡ دُعَآءِيٓ إِلَّا فِرَارٗا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوۡتُهُمۡ لِتَغۡفِرَ لَهُمۡ جَعَلُوٓاْ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَٱسۡتَغۡشَوۡاْ ثِيَابَهُمۡ وَأَصَرُّواْ وَٱسۡتَكۡبَرُواْ ٱسۡتِكۡبَارٗا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوۡتُهُمۡ جِهَارٗا (8) ثُمَّ إِنِّيٓ أَعۡلَنتُ لَهُمۡ وَأَسۡرَرۡتُ لَهُمۡ إِسۡرَارٗا (9) فَقُلۡتُ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارٗا (10) يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا (11) وَيُمۡدِدۡكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ جَنَّتٖ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ أَنۡهَٰرٗا (12) مَّا لَكُمۡ لَا تَرۡجُونَ لِلَّهِ وَقَارٗا (13) وَقَدۡ خَلَقَكُمۡ أَطۡوَارًا (14) أَلَمۡ تَرَوۡاْ كَيۡفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗا (15) وَجَعَلَ ٱلۡقَمَرَ فِيهِنَّ نُورٗا وَجَعَلَ ٱلشَّمۡسَ سِرَاجٗا (16) وَٱللَّهُ أَنۢبَتَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ نَبَاتٗا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمۡ فِيهَا وَيُخۡرِجُكُمۡ إِخۡرَاجٗا (18) وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ بِسَاطٗا (19) لِّتَسۡلُكُواْ مِنۡهَا سُبُلٗا فِجَاجٗا (20) قَالَ نُوحٞ رَّبِّ إِنَّهُمۡ عَصَوۡنِي وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمۡ يَزِدۡهُ مَالُهُۥ وَوَلَدُهُۥٓ إِلَّا خَسَارٗا (21) وَمَكَرُواْ مَكۡرٗا كُبَّارٗا (22) وَقَالُواْ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا (23) وَقَدۡ أَضَلُّواْ كَثِيرٗاۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّلِمِينَ إِلَّا ضَلَٰلٗا (24) مِّمَّا خَطِيٓـَٔتِهِمۡ أُغۡرِقُواْ فَأُدۡخِلُواْ نَارٗا فَلَمۡ يَجِدُواْ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَارٗا (25) وَقَالَ نُوحٞ رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِن تَذَرۡهُمۡ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوٓاْ إِلَّا فَاجِرٗا كَفَّارٗا (27) رَّبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيۡتِيَ مُؤۡمِنٗا وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّلِمِينَ إِلَّا تَبَارَۢا (28) “.
صَبْر أولي العزم من الرسل هو أعظم الصبر ؛ ولهم عند ربهم عظيم الأجر ؛ لأنهم واجهوا من الأذى والصدّ ، ما يفوق الحدّ .
قال الله تعالى لنبيه محمد ﷺ :
” فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ “.
ونوح عليه السلام من أولي العزم ، وكذلك إبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، وخاتمهم محمد ﷺ .
ندعوكم لقراءة : الوضوح في سورة نوح
- صبر نوح :
ولقد صَبَرَ نوح عليه السلام في دعوته لقومه صبرًا عظيمًا ، وكان لقومه داعيًا كريمًا ؛ فقد أنذرهم كما أمره ربه عز وجل ، وبلَّغَ وأرشد ودل .
فلم يستجيبوا ، ومع ذلك صبر عليهم ، واستمر فيهم داعيًا ومبيِّنًا لهم خطورة كفرهم وشركهم ، ولم يستجيبوا ، وأعاد الكرة عليهم مرات عديدة ؛ ولم يستجيبوا ، وأنبأهم ليلًا ونهارًا بمغفرة الله لمن يؤمن منهم ويتوب ويتقي ، فازدادوا ضلالًا وإصرارًا واستكبارا ، ومع ذلك صبر ولم يستسلم لرفضهم واستكبارهم فازدادوا إصرارًا .
وهكذا كلما ازدادوا استكبارا ، ازداد نوح صبرًا وإصرارا .
بلغ عليه السلام في دعوتهم ألف سنة إلا خمسين عامًا ، لَبِثَهَا في دعوة قومه إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له والحث على تقواه وطاعته ، لا يكل ولا يمل ، ليلًا ونهارا ، سرًّا وجهارا ، وهذا من شدة حرصه على قومه ، والتزامه أوامر ربه في تبليغ دعوته .
يقول الدكتور علي الصلابي :
{ إنَّ دعوة نوح عليه السلام والرسالة التي كلفه الله تعالى بتبليغها إلى قومه كانت تؤسس منهجًا عامًا للأنبياء والرسالات بعد نوح عليه السلام }.
ورغم المدة الطويلة لم يؤمن مع نوح إلا عدد قليل ، قالوا بلغوا ثمانين !!!
” وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ “. (هود : 40)
فهذه دلالة على عظيم صبر نوح عليه السلام ، ذلك الزمن الطويل وهذه الفترة المديدة في دعوة قومه إلى الله ؛ تسعة قرون ونصف القرن ، ولم يؤمن معه إلا قليل .
ونحن نشهد أنك بلغت رسالة ربك يا رسول الله ، يا نوح عليك السلام من رب السلام .
- وفي النهاية :
” فَدَعَا رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَغۡلُوبٞ فَٱنتَصِرۡ * فَفَتَحۡنَآ أَبۡوَٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَآءٖ مُّنۡهَمِرٖ * وَفَجَّرۡنَا ٱلۡأَرۡضَ عُيُونٗا فَٱلۡتَقَى ٱلۡمَآءُ عَ لَىٰٓ أَمۡرٖ قَدۡ قُدِرَ * وَحَمَلۡنَٰهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلۡوَٰحٖ وَدُسُرٖ * تَجۡرِي بِأَعۡيُنِنَا جَزَآءٗ لِّمَن كَانَ كُفِرَ * وَلَقَد تَّرَكۡنَٰهَآ ءَايَةٗ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ * فَكَيۡفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ “. (القمر : 10-16)