ربنا الله ﷻ

ويحذركم الله نفسه

ويحذركم الله نفسه :

ربنا سبحانه وتعالى هدانا النجدين ؛ طريق الخير وطريق الشر ، وعلينا أن نختار أي الطريقين نسلك ، وعلينا تقع العقوبة من الملك عز وجل حال المخالفة .

والقرآن الكريم فيه الأمر وفيه النهي ، وقد ورد الأمر في ألف آية ، والنهي في ألف آية .

وقد نهى الله سبحانه وتعالى المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء بالمحبة والنصرة من دون المؤمنين ، ومَن يتولهم فقد برِئ من الله ، والله برِيء منه ، إلا في حالة الضعف والخوف ؛ فقد رخَّص الله العليم الحكيم لهؤلاء الضعفاء الخائفين في مهادنتهم اتقاءً لشرهم ، حتى تقوى شوكتهم .

ويحذركم الله نفسه ، فاتقوه وخافوه .

وإلى الله وحده رجوع الخلائق للحساب والجزاء .

  • الخوف والرجاء :

يقول رب العزة سبحانه وتعالى بنفسه عن نفسه :
« غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ». (غافر : 3)

يغفر ربنا ما سلف من الذنب ، ويقبل التوبة في المستقبل لمن تاب إليه وخضع لديه ، فهو الغفور الرحيم ، سبحانه وبحمده .

أما من تمرد وطغى وآثر الحياة الدنيا ، وعتا عن أوامر الله ، وبغى ، فإن الله يتوعده بالعقاب الشديد .

وقد اجتمع في هذه الآية الكريمة : الرجاء والخوف ؛ وهذه كقوله تعالى : « نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ ». (الحجر : 49-50)

فالله عز وجل يقرن هذين الوصفين كثيرًا في مواضع متعددة من القرآن الكريم ؛ ليبقى العبد بين الرجاء والخوف .

والله هو المتفضل على عباده ، المتطول عليهم بما هو فيه من المنن والأنعام ، التي لا يطيقون القيام بشكر واحدة منها ، « وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ». (إبراهيم : 34)

( لا إله إلا هو ) ؛ أي : لا نظير له في جميع صفاته ، فلا إله غيره ، ولا رب سواه ، ( إليه المصير ) أي : المرجع والمآب ، فيجازي كل عامل بعمله ، ( وهو سريع الحساب ).

ندعوكم لقراءة : أنت الرجاء

قال الله تعالى في محكم كتابه :
« لَّا يَتَّخِذِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيۡءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةٗۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ ». (آل عمران : 28)

يقول الإمام السعدي رحمه الله تعالى :
وهذا نهي من الله تعالى للمؤمنين عن موالاة الكافرين بالمحبة والنصرة والاستعانة بهم على أمر من أمور المسلمين ، وتوعد على ذلك فقال : { ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء }- أي : فقد انقطع عن الله ، وليس له في دين الله نصيب ؛ لأن موالاة الكافرين لا تجتمع مع الإيمان ، لأن الإيمان يأمر بموالاة الله وموالاة أوليائه المؤمنين المتعاونين على إقامة دين الله وجهاد أعدائه ، قال تعالى : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } فمن والى الكافرين من دون المؤمنين الذين يريدون أن يطفئوا نور الله ويفتنوا أولياءه خرج من حزب المؤمنين ، وصار من حزب الكافرين ، قال تعالى : { ومن يتولهم منكم فإنه منهم }.
وفي هذه الآية دليل على الابتعاد عن الكفار وعن معاشرتهم وصداقتهم ، والميل إليهم والركون إليهم ، وأنه لا يجوز أن يولى كافر ولاية من ولايات المسلمين ، ولا يُستعان به على الأمور التي هي مصالح لعموم المسلمين .
قال الله تعالى : { إلا أن تتقوا منهم تقاة }- أي : تخافوهم على أنفسكم فيحل لكم أن تفعلوا ما تعصمون به دماءكم من التقية باللسان وإظهار ما به تحصل التقية .
ثم قال تعالى : { ويحذركم الله نفسه }- أي : فلا تتعرضوا لسخطه بارتكاب معاصيه فيعاقبكم على ذلك { وإلى الله المصير }- أي : مرجع العباد ليوم التناد ، فيحصي أعمالهم ويحاسبهم عليها ويجازيهم ، فإياكم أن تفعلوا من الأعمال القباح ما تستحقون به العقوبة ، واعملوا ما به يحصل الأجر والمثوبة .

وفي آية أخرى يقول الله تعالى :
« يَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيۡرٖ مُّحۡضَرٗا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٖ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَهُۥٓ أَمَدَۢا بَعِيدٗاۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ ». (آل عمران : 30)

يوم الجزاء تجد كل نفس ما عملت من خير ينتظرها موفرًا لتُجزَى به ، وما عملت من عمل سيِّئ تجده في انتظارها أيضًا ؛ قال الله تعالى : « فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ». (الزلزلة : 7-8)

فتتمنى لو أن بينها وبين هذا العمل زمنًا بعيدًا .

فاستعدوا لهذا اليوم ، وخافوا بطش الإله الجبار .

ومع شدَّة عقابه فإنه سبحانه رءوف بالعباد .

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى