بداية نزول الوحي على النبي ﷺ
بداية نزول الوحي على النبي ﷺ :
( ٢٠ ) الحلقة العشرون من سيرة الحبيب ﷺ :
تعالوا نُصَلِّ على الحبيب ﷺ .
بدء الرسالة والأمر بالتبليغ :
بعد أربعين عامًا من الحياة في مكة ، جاء اليوم الذي ينزل فيه جبريل عليه السلام إلى رسول الله ﷺ وهو في خلوته في غار حراء ، حدثٌ فريدٌ حقًا !
فمجيء جبريل عليه السلام في ذلك الوقت كان لحظةً خالدةً ، هذا الموقف لم يحصل في الأرض قبلها إلا منذ حوالي ستمائة عام ، وهي الفترة بين الرسول ﷺ وعيسى عليه السلام .. فقد بُعث الرسول ﷺ على فترة من الرسل ( أي فترة انقطاع ).
نزل جبريل عليه السلام في ليلة من الليالي على محمد ﷺ وهو في خلوته فى غار حراء .
والقرآن يصف لنا منظر السماء كأننا نراها بأعيننا : يقول الجن أنهم فجأة وجدوا السماء مُلِئَت حرسًا وجنودًا من الملائكة !
فقد جاء في الآية الكريمة في سورة الجن :
” وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا “.
لماذا كل هذا الحشد ؟ ما الذى سيحدث ؟
سينزل القرآن .
جبريل سينزل بكلام الله رب السماوات والأرض مالك الملك العزيز الرحيم .
نزل جِبْرِيل على محمد ﷺ في غار مُظلم موحش ، في ليلة غير مقمرة ، في منتصف الليل ، ومحمد ﷺ وحده .
شيء مخيف جدًا !!!
كان النبي ﷺ قد ذهب إلى غار حراء كعادته يتعبد ويتأمل في خلق الله وملكوته ؛ يتأمل السماء والكعبة وما حولهما من خلق الله .
ويحكي رسولنا ﷺ ما حدث ويقول أن جبريل عليه السلام جاءه في غار حراء ، فقال له : اقْرَأْ ، فقال له النبي ﷺ : ما أنَا بقَارِئٍ.
قال النبي ﷺ : فأخَذَنِي فَغَطَّنِي ( أي ضَمَّنِي ضَمَّة شديدة ) حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ ( التعب الشديد ) ثُمَّ أرْسَلَنِي ، فَقالَ : اقْرَأْ ، فَقُلتُ : ما أنَا بقَارِئٍ .
فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ ( ضَمَّه مرة ثانية ) حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ ، ثُمَّ أرْسَلَنِي ، فَقالَ : اقْرَأْ .
فَقُلتُ : ما أنَا بقَارِئٍ ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ( ضَمَّه مرة ثالثة ) حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ ، ثُمَّ أرْسَلَنِي ، فَقالَ :
{ اقْرَأْ باسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ } [العلق : 1] حتَّى بَلَغَ { عَلَّمَ الإنسَانَ ما لَمْ يَعلَمْ } [العلق : 5].
واختفي جِبْرِيل عليه السلام .
ندعوكم لقراءة : بشرى ورقة بن نوفل للنبي ﷺ
فماذا فعل نبينا الكريم ﷺ ؟
قام محمدٌ ﷺ ونزل مُسرِعًا خائفًا ، نزل من على الجبل حتي وصل بيت خديجة رضي الله عنها ، وهو يرتعش ، ويتصبَّب عرقًا في نفس الوقت ، وقال : ” زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي ” ، ( أي غطونى ، غطونى ).
فوضعت السيدة خديجة رضي الله عنها على النبي ﷺ الغطاء بسرعة وسألته عن ما حدث ؟
فأخذ محمد ﷺ يحكي لها وقال لها : ” قد خَشِيتُ علَى نَفْسِي ” ، فردت عليه خديجة رضي الله عنها سيدة نساء العالمين وقالت : ” كَلَّا ، أبْشِر ، فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا ، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وتَصدُقُ الحَدِيثَ ، وتَحمِلُ الكَلَّ ، وتَقْرِي الضَّيْفَ ، وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ”.
كلمات الزوجة الصالحة السيدة خديجة رضي الله عنها تشد من أزر زوجها الحبيب المصطفى ﷺ حين هُرِع إليها بعد أن أتاه الوحي أول مرة ، تطمئنه أن الله لن يضيعه .
ولقد اشتمل كلام خديجة رضي الله عنها على خلاصة خبرتها في الحياة ؛ فإن الله لا يُخزي من يصنع المعروف .
ومعنى تَحمِل الكلَّ : أي تتحمَّل أثقال الفقراء والضعفاء والأيتام بالإنفاق عليهم وإعانتهم بالمال .
وتكسب المعدوم ، فتعني : أنك تتبرَّع بالمال لمن لا يجده .
وتَقري الضيف معناها : أنك تُكرم ضيوفك ، وأما معنى تُعين على نوائب الحق : أي تُعين الناس فيما يصيبهم من خير أو شر .
وبدأت خديجة رضي الله عنها تُذَكِّر محمدًا ﷺ بأعمال البر التي قام بها في حياته لأجل تثبيته .
فالزوجة الصالحة هي التي تقف إلى جوار زوجها وقت الشدائد فَتُهَوِّن عليه وتشد من أزره ، لا من تكون عبئًا ثقيلًا عليه .
لكن السيدة خديجة لم تكن كأي زوجة ؛ كانت خديجة رضي الله عنها سيدة نساء العالمين .
وبعد أن طمأنت السيدة خديجة رضي الله عنها محمدًا ﷺ أن الأمر يقينًا خير ، أخذته إلي ابن عمها ورقة بن نوفل ، وكان قد تَنَصَّر في الجاهلية .
فلماذا فكَّرت خديجة رضي الله عنها في ” ورقة بن نوفل ” بالذات ؟
وماذا سيقول ” ورقة بن نوفل ” عندما يعرف ماذا حدث لمحمد ﷺ ؟
في الحلقة القادمة سنعرف هذه التفاصيل الممتعة إن شاء الله .