والكاظمين الغيظ
والكاظمين الغيظ :
قال الله تعالى في كتابه العزيز :
” وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ “. (آل عمران : 133-134)
- معنى الكَظْم لغةً :
أصل مادة كظم يَدُلُّ على معنًى واحد ، وهو الإمساك ، والجَمعُ للشَّيء .
وأَصْل الكَظْم : حَبْسُ الشَّيء عن امتلائه ، يقال : كَظَمْت القِرْبَة ، إذا ملَأْتها .
ويقال : كَظَمْت الْغَيْظ ، أَكْظِمُه كَظْمًا ، إِذا أمْسَكت على ما في نفسك منه .
قال المناوي : { الكَظْم : الإمْسَاك على ما في النَّفس من صَفْحٍ أو غَيْظٍ }.
- معنى الغَيْظ لغةً :
الغَيْظ : الغَضَب ، وقيل : الغَيْظ غَضَبٌ كامنٌ للعاجز ، وقيل : هو أشدُّ من الغَضَب ، وقيل : هو سَوْرَته وأوَّله .. وغِظْت فلانًا ، أَغِيظُه غَيْظًا .
وقد غَاظَه ، فاغْتَاظ. وغَيَّظه ، فتَغَيَّظ ، وهو مَغِيظ .
وقال الأصفهاني : { الغَيْظ : أشدُّ الغَضَب ، وهو الحرارة التي يجدها الإنسان من فَوَرَان دم قلبه }.
- معنى كَظْم الغَيْظ اصطلاحًا :
كَظْم الغَيْظ : تجرُّعه ، واحتمال سببه ، والصَّبر عليه .
ويقال : كَظَم غَيْظَه ، أي : سكت عليه ، ولم يُظْهِره بقولٍ أو فعلٍ ، مع قُدْرته على إيقاعه بعدوِّه .
وقال ابن عطيَّة : { كَظْم الغَيْظ : ردُّه في الجَوْف إذا كاد أن يخرج مِن كَثْرَته ، فضبطه ومَنَعَه }.
- لا تغضب :
لا تغضب ، لا تغضب ، لا تغضب ؛ هكذا حذر المعلم صلى الله عليه وسلم من مغبة الغضب ، وما يترتب عليه من عواقب وخيمة على كل المستويات .
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله ﷺ قال :
” ليس الشديد بالصُّرَعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب “. (متفق عليه)
احذر أن تتخذ قرارًا وأنت ( غاضب ) ؛ حتى لا تندم ، فكما أنك لا يمكنك أن ترى صورتك في الماء وهو يغلي ، كذلك لا يمكنك أن ترى الحق من الباطل وأنت ( غاضب ) ؛ فلا ( تغضب ).
ولقد كانت وصية النبي ﷺ :
( لا تغضب ) ؛ ذلك لأن ( الغضب ) جمرة من نار يلقيها الشيطان في قلب العبد ، فانتظر حتى يصرف الله عنك الشيطان وتهدأ تمامًا ، ثم اتخذ قرارك .
- موسى والغضب :
قال الله تبارك وتعالى :
” وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ “. (الأعراف : 154)
ولما سكن عن موسى غضبه أخذ الألواح بعد أن ألقاها على الأرض ، وفيها بيان للحق ورحمة للذين يخافون الله ، ويخشون عقابه .
- وقال الإمام السعدي في تفسيره :
وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ ؛ أي : سكن غضبه ، وتراجعت نفسه ، وعرف ما هو فيه ، اشتغل بأهم الأشياء عنده ، فـ أَخَذَ الألْوَاحَ التي ألقاها ، وهي ألواح عظيمة المقدار ، جليلة وَفِي نُسْخَتِهَا ؛ أي : مشتملة ومتضمنة هُدًى وَرَحْمَةٌ ؛ أي : فيها الهدى من الضلالة ، وبيان الحق من الباطل ، وأعمال الخير وأعمال الشر ، والهدى لأحسن الأعمال ، والأخلاق ، والآداب ، ورحمة وسعادة لمن عمل بها ، وعلم أحكامها ومعانيها ، ولكن ليس كل أحد يقبل هدى اللّه ورحمته ، وإنما يقبل ذلك وينقاد له ، ويتلقاه بالقبول الذين [هم] لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ؛ أي : يخافون منه ويخشونه ، وأما من لم يخف اللّه ولا المقام بين يديه ، فإنه لا يزداد بها إلا عتوا ونفورا وتقوم عليه حجة اللّه فيها .
ندعوكم لقراءة : مهارات إيجابية
- كن وقورًا كاظمًا :
لله در العرجي الشاعر القائل :
إذا غضبت فكن وقورًا كاظمًا … للغيظ تبصرُ ماتقولُ وتسمعُ
كفى به شَرَفًا تصبُّر ساعةٍ … يرضى بها عنك الإله وتُرفَعُ
- أُعِدَّت للمتقين :
أَعَدَّ الله سبحانه وتعالى جنة عرضها السموات والأرض ، للمتقين ، ولهم مواصفات خاصة ذكرها رب العزة في الآية 134 من سورة آل عمران .
قال الله تبارك وتعالى :
” وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ “. (آل عمران : 133-134)
- أخلاق المتقين :
من أخلاق المتقين الذين تتحدث عنهم الآية الكريمة أنهم :
ينفقون في السراء والضراء ؛ أي : في اليسر والعسر .
ويكظمون الغيظ ؛ أي : يجرعون الغيظ عند امتلاء نفوسهم منه ، والكظم : حبس الشيء عند امتلائه .
وكظم الغيظ أن يمتلئ غيظًا فيرده في جوفه ولا يظهره .
ومنه قوله تعالى : ” إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ “. (غافر : 18)
عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” من كظم غيظًا وهو يقدر على أن ينفذه ، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يُخَيِّرَه من أي الحور شاء “.
( أخرجه أبو داود ، وحسنه الألباني ).
ويعفون عن الناس ؛ قال مقاتل : عمن ظلمهم وأساء إليهم .
والله -سبحانه وبحمده- يحب المحسنين .
- أعظم جرعة :
عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما من جَرْعَةٍ أعظم أجرًا عند الله ، مِن جَرْعَةِ غَيْظٍ كظمها عبد ابتغاء وجه الله “.
( رواه ابن ماجه ، واللفظ له ، وأحمد ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه ).
قال المناوي في [ فيض القدير ] :
والمعنى : { ما مِن جَرْعَةٍ أعظم أجرًا عند الله تعالى مِن جَرْعَة غَيْظٍ ، كَظَمَها عبدٌ ، مع القُدْرَة على التَّنفيذ ، شبَّه جَرْع غَيْظِه وردَّه إلى باطنه بتجرُّع الماء ، وهي أحبُّ جَرْعةٍ يتجرَّعها العبد ، وأعظمها ثوابًا ، وأرفعها درجةً لحَبْس نفسه عن التَّشَفِّي ، ولا يحصل هذا العِظَم إلَّا عند القُدْرة على الانتقام ، وبكفِّ غضبه لله تعالى ، ابتغاء وجه الله تعالى }.