آية الكرسي
آية الكرسي :
القرآن الكريم كلام الله العظيم ، نزل به الروح الأمين على قلب رسول رب العالمين ؛ ليكون هدى للمتقين .
وعلى قدر إقبالك على القرآن ؛ تتنزل عليك الرحمات ، وتحل عليك البركات ، وتزول عنك الاضطرابات ، بإذن رب الأرض والسماوات .
فاقرأوا القرآن ، واقراوا البقرة وآل عمران ؛ فهما الزهراوان ، واقرأوا آية الكرسي والرحمن .
ستجد حلاوةً ما بعدها حلاوة في ثلاث -إذا حضر قلبك- ، ستجدها : في الصلاة ، وفي الذكر ، وفي قراءة القرآن ؛ كما قال الحسن البصري رحمه الله .
جَرِّب بحضور قلب وخشوع ، وسترى عجبًا بإذن الملك جل في علاه .
وآية الكرسي هي أعظم آية في كتاب الله ؛ كما قال حبيبكم النبي صلى الله عليه وسلم .
تتكون من خمسين كلمة ، كلها بركة وأثر .
قال الله الملك الحق في كتابه العزيز :
“ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيم ”. (البقرة : 255)
– فضلها :
1- أعظم آية :
عن أُبَيّ بن كعب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم ؟ قلت : ” الله لا إله إلا هو الحي القيوم ” ، فضرب في صدري وقال : ” لِيَهْنَكَ العلم أبا المنذر “. (رواه مسلم : 258)
قوله ” ليهنك العلم ” أي ليكن العلم هنيئًا لك .
2- لا يقربنك شيطان :
جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام ، فأخذته وقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : دعني فإني محتاج ، وعلي عيال ، ولي حاجة شديدة قال فتخليت عنه فأصبحت .. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة ؟ ” ، قلت : يا رسول الله شكا حاجةً شديدةً وعيالًا فرحمته وخليت سبيله ، قال : أما إنه قد كذبك وسيعود ، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه سيعود ، فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : دعني فإني محتاج وعلي عيال ، لا أعود ، فرحمته وخليت سبيله فأصبحت .. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة ؟ ” ، قلت : يا رسول الله شكا حاجة وعيالًا فرحمته وخليت سبيله ، قال : ” أما إنه كذبك وسيعود ” ، فصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا آخر ثلاث مرات إنك تزعم أنك لا تعود ثم تعود ، فقال : دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها ، قلت : وما هي ؟ قال : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي : ( اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) .. حتى تختم الآية ، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح .. فخليت سبيله .. فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما فعل أسيرك البارحة ؟ ” ، فقلت : يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله ، قال : ” ما هي ” ، قال لي : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية : ( اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) .. وقال لي : لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، وكانوا أحرص شيء على الخير .. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” أما إنه صدقك وهو كذوب ، تعلم من تخاطب من ثلاث ليال يا أبا هريرة ؟ ” ، قلت : لا ، قال : ” ذاك شيطان “. (رواه البخاري : 2311)
3- دخول الجنة :
وقد جاء عند الترمذي وغيره وهو في صحيح الجامع حديث عن أبي أمامة أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من قرأ آية الكرسي دُبُر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت “. (رواه النسائي وابن حبان ، وصححه الألباني)
4- تكون في ذمة الله :
قراءة آية الكرسي دُبُر كلّ صلاةٍ ، وفي ذلك ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال : ” مَن قرَأ آيةَ الكُرْسيِّ في دُبُرِ الصَّلاةِ المكتوبةِ كان في ذِمَّةِ اللهِ إلى الصَّلاةِ الأخرى “.
– تفسير آية الكرسي وفضلها :
تفسير آية الكرسي للعَلَّامَة السعدي :
هذه الآية الكريمة أعظم آيات القرآن وأفضلها وأجلها ، وذلك لما اشتملت عليه من الأمور العظيمة والصفات الكريمة ، فلهذا كثرت الأحاديث في الترغيب في قراءتها وجعلها وردًا للإنسان في أوقاته صباحًا ومساءً وعند نومه وأدبار الصلوات المكتوبات ، فأخبر تعالى عن نفسه الكريمة بأن { لا إله إلا هو } أي : لا معبود بحق سواه ، فهو الإله الحق الذي تتعين أن تكون جميع أنواع العبادة والطاعة والتأله له تعالى ، لكماله وكمال صفاته وعظيم نعمه ، ولكون العبد مستحقًا أن يكون عبدًا لربه ، ممتثلًا أوامره مجتنبًا نواهيه ، وكل ما سوى الله تعالى باطل ، فعبادة ما سواه باطلة ، لكون ما سوى الله مخلوقًا ناقصًا مدبرًا فقيرًا من جميع الوجوه ، فلم يستحق شيئًا من أنواع العبادة ، وقوله : { الحي القيوم } هذان الاسمان الكريمان يدلان على سائر الأسماء الحسنى دلالة مطابقة وتضمنًا ولزومًا ، فالحي من له الحياة الكاملة المستلزمة لجميع صفات الذات ، كالسمع والبصر والعلم والقدرة ، ونحو ذلك ، والقيوم : هو الذي قام بنفسه وقام بغيره ، وذلك مستلزم لجميع الأفعال التي اتصف بها رب العالمين من فعله ما يشاء من الاستواء والنزول والكلام والقول والخلق والرزق والإماتة والإحياء ، وسائر أنواع التدبير ، كل ذلك داخل في قيومية الباري ، ولهذا قال بعض المحققين : إنهما الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب ، وإذا سُئل به أعطى ، ومن تمام حياته وقيوميته أن { لا تأخذه سنة ولا نوم } والسِنَة النعاس { له ما في السماوات وما في الأرض } أي : هو المالك وما سواه مملوك وهو الخالق الرازق المدبر وغيره مخلوق مرزوق مدبر لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض فلهذا قال : { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } أي : لا أحد يشفع عنده بدون إذنه ، فالشفاعة كلها لله تعالى ، ولكنه تعالى إذا أراد أن يرحم من يشاء من عباده أذن لمن أراد أن يكرمه من عباده أن يشفع فيه ، لا يبتدئ الشافع قبل الإذن ، ثم قال { يعلم ما بين أيديهم } أي : ما مضى من جميع الأمور { وما خلفهم } أي : ما يستقبل منها ، فعلمه تعالى محيط بتفاصيل الأمور ، متقدمها ومتأخرها ، بالظواهر والبواطن ، بالغيب والشهادة ، والعباد ليس لهم من الأمر شيء ولا من العلم مثقال ذرة إلا ما علمهم تعالى ، ولهذا قال : { ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض } وهذا يدل على كمال عظمته وسعة سلطانه ، إذا كان هذه حالة الكرسي أنه يسع السماوات والأرض على عظمتهما وعظمة من فيهما ، والكرسي ليس أكبر مخلوقات الله تعالى ، بل هناك ما هو أعظم منه وهو العرش ، وما لا يعلمه إلا هو ، وفي عظمة هذه المخلوقات تحير الأفكار وتكل الأبصار ، وتقلقل الجبال وتكع عنها فحول الرجال ، فكيف بعظمة خالقها ومبدعها ، والذي أودع فيها من الحكم والأسرار ما أودع ، والذي قد أمسك السماوات والأرض أن تزولا من غير تعب ولا نصب ، فلهذا قال : { ولا يؤوده } أي : يثقله { حفظهما وهو العلي } بذاته فوق عرشه ، العلي بقهره لجميع المخلوقات ، العلي بقدره لكمال صفاته { العظيم } الذي تتضاءل عند عظمته جبروت الجبابرة ، وتصغر في جانب جلاله أنوف الملوك القاهرة ، فسبحان من له العظمة العظيمة والكبرياء الجسيمة والقهر والغلبة لكل شيء ، فقد اشتملت هذه الآية على توحيد الإلهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات ، وعلى إحاطة ملكه وإحاطة علمه وسعة سلطانه وجلاله ومجده ، وعظمته وكبريائه وعلوه على جميع مخلوقاته ، فهذه الآية بمفردها عقيدة في أسماء الله وصفاته ، متضمنة لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلا . (انتهي)
فهذه الآية العظيمة فيها هذه الصفات العظيمة ، ولهذا صارت أفضل آية في كتاب الله ، وأعظم آية في كتاب الله ؛ لكونها اشتملت على هذه المعاني العظيمة والأوصاف العظيمة للرب ، وأنه الحي القيوم ، وأنه لا معبود بحق سواه ، وأنه كامل الحياة لا تعتريه سنة ولا نوم ، وأنه المالك لكل شيء ، وأنه العالم بكل شيء ، وأنه لا يئوده حفظ مخلوقاته ولا يشق عليه ذلك ، بل هو القادر على كل شيء ، وأن كرسيه قد وسع السماوات والأرض ، وأنه لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه لكمال قدرته وكمال عظمته ، وأنه العلي العلو المطلق ، كعلو الذات ، وعلو القهر والسلطان ، وعلو الشرف والقدر ، وهو العظيم الذي لا أعظم منه ، عظيم في ذاته ، عظيم في أسمائه وصفاته وأفعاله ، قاهر فوق عباده كما قال جل وعلا : ” وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ” [الأنعام : 18] ، وهو القائل جل وعلا : ” إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ” [البقرة : 20] ، وقال سبحانه : ” وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ” [الكهف : 45] ، وبهذا يعلم كل مؤمن وكل مؤمنة عِظَم شأن هذه الآية وأنها آية عظيمة مشتملة على صفات عظيمة ، ولهذا صارت بحق أعظم آية في كتاب الله بنص المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام ، والله ولي التوفيق .
وقد قال الشيخ ابن باز في معرض رده على سؤال حول صحة حديث : “من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت ” ؛ قال فضيلته : يستحب أن تُقرأ هذه الآية بعد كل صلاة : ” اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ” [البقرة : 255] ، وهي أعظم آية في القرآن ، يُستَحب أن تُقرأ بعد كل صلاة من الصلوات الخمس ؛ لأن بعض الطرق صحيح جيد لا بأس به ، ومعناه الوعد بالخير ، وأن هذا من أسباب دخول الجنة إن لم يمنع مانع من وجود كبائر من الذنوب ، مثلما في الأحاديث الأخرى التي فيها الوعد بالجنة لمن صام يوم عرفة ، أو صام يوم عاشوراء ، أو صام الإثنين والخميس ، يعني : إن لم يصرّ على الكبائر .