من أنباء الرسل

ورفعناه مكانا عليا

ورفعناه مكانا عليا :

رفع الله جلَّ في علاه ، نبيه ومصطفاه إدريس عليه السلام مكانًا عليًّا في السماء الرابعة ، وقال آخرون رُفع إلى السماء السادسة .

وفي البداية والنهاية لابن كثير أن إدريس هو أحد الأنبياء الذين أخبر الله تعالى عنهم في القرآن ؛ حيث ذكر صراحة أنه نبي .

وهو ممن يجب الإيمان بهم تفصيلًا ؛ أي يجب اعتقاد نبوته على سبيل القطع والجزم ؛ لأن القرآن قد ذكره بالاسم وحدَّث عن شخصيته فوصفه بالنبوة والصديقية .

وهو أول بني آدم أُعطي النبوة بعد آدم وشيث .

وذكر ابن إسحاق أنه أول من خطَّ بالقلم ، وقد أدرك من حياة آدم ثلاثمائة سنة وثماني سنين .

  • نسبه عليه السلام :

ذكر ابن الجوزي في [ المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ] نسبه الكامل : { إدريس عَلَيْهِ السَّلام واسمه خنوخ بْن يارد بْن مهلائيل بْن قينان بْن أنوش بْن شيث بْن آدَم }.

قَالَ الزُّبَيْر بْن بكار : { وَهُوَ إدريس بْن اليارد بْن مهلائيل بْن قينان بْن الطاهر بْن هبه ، وَهُوَ شيث بْن آدَم ، وإنما قيل لَهُ إدريس ؛ لأنه أول من درس الوحي المكتوب }.

قالوا : سُمِّيَ إدريس لكثرة درسه الكتب .

وهو أول من خط بالقلم ، وأول من خاط الثياب ، ولبس المخيط ، وكانوا من قبله يلبسون الجلود ، وأول من اتخذ السلاح ، وقاتل الكفار ، وأول من نظر في علم النجوم والحساب .

وقال المفسرون : كان إدريس نبيًّا قبل نوح عليهما السلام بنحو ألف سنة ، وكان أول رسول بعد أبي البشر آدم عليه السلام .

يقول الله تعالى في كتابه العزيز :
« وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ». (مريم 56-57)

  • مع الإمام الطبري :

قال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري في تفسيره ، والعهدة عليه :
{ سأل ابن عباس كعب الأحبار ، فقال له : ما قول الله تعالى لإدريس ( وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ) قال كعب : أما إدريس ، فإن الله أوحى إليه : إني رافع لك كلّ يوم مثل عمل جميع بني آدم ، فأحبّ أن تزداد عملًا فأتاه خليل له من الملائكة ، فقال : إن الله أوحى إليّ كذا وكذا ، فكلم لي ملك الموت ، فليؤخرني حتى أزداد عملًا ، فحمله بين جناحيه ، ثم صعد به إلى السماء .
فلما كان في السماء الرابعة ، تلقاهم ملك الموت منحدرًا ، فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس ، فقال : وأين إدريس؟ فقال : هو ذا على ظهري ، قال ملك الموت : فالعجب بعثت أقبض روح إدريس في السماء الرابعة ، فجعلت أقول : كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض؟
فقبض روحه هناك ، فذلك قول الله تبارك وتعالى ( وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا )}.

وقد جاء في الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به في ليلة الإسراء وهو في السماء الرابعة .

  • قال الإمام عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله :

{ اذكر في الكتب على وجه التعظيم والإجلال ، والوصف بصفات الكمال ، ” إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ” جمع الله له بين الصديقية ، الجامعة للتصديق التام ، والعلم الكامل ، واليقين الثابت ، والعمل الصالح ، وبين اصطفائه لوحيه ، واختياره لرسالته }.

ندعوكم لقراءة : الوضوح في سورة نوح

  • التفسير الوسيط :

للأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق رحمه الله ، يقول :
{ وقوله : وَرَفَعْناهُ مَكانًا عَلِيًّا .
قالوا : هو شرف النبوة والزلفى عند الله تبارك وتعالى ، أو المراد برفعه إلى المكان العلي : إسكانه في الجنة ، إذ لا شرف أعلى من ذلك }.

  • روى أن النابغة الجعدي لما أنشد قوله :

بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا … وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا

قال له الرسول صلّى الله عليه وسلّم : إلى أين المظهر يا أبا ليلى؟
قال : إلى الجنة .
قال : أجل إن شاء الله تبارك وتعالى .

  • مع الشيخ المنجد :

يقول الشيخ محمد بن صالح المنجد حفظه الله :
{ قصة قبض روح إدريس عليه السلام في السماء الرابعة صح إسنادها عن كعب الأحبار ، وهو كان يهوديًّا فأسلم ، ويُعدُّ من طبقة التابعين ، وكان يخبر بالإسرائيليات ويحدث بها .
والحديث عن بني إسرائيل جائز ، دون أن نصدق أو نكذب ، إلا أن يكون فيها معنى منكر مخالف للشرع }.

وقد أخرج البخاري في صحيحه (3461) ، من حديث عبدالله بن عمرو ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
” بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ “.

قال القاضي أبو بكر بن العربي في [ القبس في شرح موطأ مالك بن أنس ] (1/1050) :
{ كل قول يرد من قِبلهم على ألسنة من أسلم من علمائهم : يجوز أن يوثر عنهم ، ما لم يعترض على ما في الشرع ؛ وهو المراد بقوله : حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج }.

  • اسمه في القرآن :

ذكره الله تعالى في القرآن الكريم مرتين من دون أن يذكر قصته أو قصة القوم الذين أُرسل إليهم ، قال تعالى :
« وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين ”. (الأنبياء : 85)

وقال تعالى :
« واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقًا نبيًا * ورفعناه مكاناً عليًّا ». (مريم : 56-57)

  • رأي لابن كثير :

يقول ابن كثير في قصص الأنبياء :
{ قال البخاري ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلياس هو إدريس واستأنسوا في ذلك بما جاء في حديث الزهري عن أنس في الإسراء أنه لما مر به أي بإدريس قال له مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح ولم يقل ، كما قال آدم وإبراهيم مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح .
قالوا فلو كان في عمود نسبه لقال له كما قالا له }.

الله صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى سائر الأنبياء والمرسلين .

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى