هم الفائزون

هم الفائزون :
يقول الله تعالى :
” وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ” (الأحزاب : 71) ؛ أي : سعد ، ونجا ، ونال غاية مطلوبه .
ويقول عز وجل :
” أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ” (الحشر : 20) ؛ أي المقرّبون ، المكرَمون ، الناجون من عذاب النّار .
والصابرون من الفائزين ؛ كما بيَّن رب العالمين ، يقول الملك ﷻ :
” إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ “.
هذا هو ختام الآية العاشرة من سورة الزمر ، يبين الله عز وجل فيها عظم أجر الصابرين ، وأن أجرهم قد تعدى الموازين والحساب ، فلا يعلم جزاءهم إلا الله ، قال ابن كثير : قال الأوزاعي : ليس يُوزَن لهم ولا يُكَال ، وإنما يغرف لهم غرفًا . انتهى .
وقال أيضًا : قال ابن جريج : بلغني أنه لا يُحسَب عليهم ثواب عملهم قط ، ولكن يُزادون على ذلك .
وقد جاءت الآية عامة ، وهذا يفيد أنها تشمل جميع أنواع الصبر .
ويقول الرب الجليل ، في محكم التنزيل :
” إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْفَائِزُونَ “. (المؤمنون : 111)
لم يقل بما صلوا ، أو بما صاموا ، أو بما حجوا ، أو بما تصدقوا ، رغم عظم مكانة الصلاة والصيام والحج والصدقة ، بل قال سبحانه وبحمده : ” بما صبروا ” ؛ ﻷن الصبر عبادة تؤديها وأنت متألم ولكنك راضٍ بقضاء الله ، وأن الطريق الموصل إليه سبحانه لاسبيل له إلا بالصبر .
- الصبر في القرآن :
مادة ( صبر ) وردت في القرآن في ثلاثة ومائة موضع (103) ؛ جاءت في واحد وأربعين موضعًا بصيغة الاسم ، من ذلك قوله عز وجل : ” واستعينوا بالصبر والصلاة “. (البقرة : 45)
وجاءت في اثنين وستين موضعًا بصيغة الفعل ، من ذلك قوله سبحانه : ” يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا “. (آل عمران : 200)
ولقد أمر الله تبارك وتعالى نبيه محمدًا ﷺ بخلق الصبر فقال عز وجل : ” وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ “. (النحل : 127)
وقال تعالى : ” فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ “. (الأحقاف : 35)
وأمر الله به المؤمنين ، فقال تعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا “. (آل عمران : 200)
- محبة الله ومعيته :
أخبر الله عز وجل بمحبته للصابرين ، ومعيته معهم ، فقال سبحانه : ” وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ” (آل عمران : 146) ، وقال : ” وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ “. (الأنفال : 46)
- الجزاء العظيم :
وعد الملك ﷻ الصابرين ، أن يجزيهم أعلى وأوفى وأحسن مما عملوه ، فقال تعالى : ” وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ “. (النحل : 96)
وقال تعالى : ” إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ “. (الزمر : 10)
وأخبر أن جزاءهم الجنة ، فقال تعالى : ” وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا “. (الإنسان : 12)
- وفي سنة النبي العدنان :
عَنْ أبي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله ﷺ :
” عَجَبًا لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن : إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْرًا لَهُ “. (رواه مسلم)
مما سبق يتضح لنا أن حديث القرآن عن الصبر كثير ، ومتنوع ، وممتع ، مما يدل على أهميته ومكانته العظيمة ، وكذا الشأن في السنة النبوية المطهرة ، على صاحبها الصلاة وأزكى السلام ، فقد حث النبي ﷺ أمته على هذا الخلق الكريم ، وكانت سيرته العطرة نموذجًا يُحتَذى في التخلق بخلق الصبر بشتى أنواعه وأعلى درجاته .
- ثبات عروة بن الزبير :
قال محمد بن عبيد : لم يترك عروة بن الزبير وِردَه في الليلة التي قُطعت فيها رجله ، وتمثل بأبيات معن بن أوس :
لعمري ما أهويتُ كفي لريبــــــة … ولا حمَلتْني نحوَ فاحشة رِجلـــــي
ولا قادني سمعي ولا بصري لهـا … ولا دلَّني رأيي عليها ولا عقلـــــــي
وأعلم أني لم تُصِبْني مصيبــــةٌ … من الدهر إلا قد أصابتْ فتًى قبلي