محبة الصالحين

محبة الصالحين :

أُحِبُّ الصالِحينَ وَلَستُ مِنهُم … لَعَلّي أَن أَنالَ بِهِم شَفاعَة
وَأَكرَهُ مَن تِجارَتُهُ المَعاصي … وَلَو كُنّا سَواءً في البِضاعَة
(الإمام الشافعي)

فقال له من يعرف الفضل لأهله إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله :

تحب الصالحين وأنت منهم … رفيق القوم يلحق بالجماعة
وتكره من بضاعته المعاصي … حماك الله من تلك البضاعة

واعلم يا عبدالله أن محبة الصالحين من الدين ، وبغضهم يغضب رب العالمين ؛ فإن الحب في الله والبغض في الله من أوثق عُرى الإيمان ؛ وخصوصًا حب الصالحين ، وبالحب في الله يجد العبد حلاوة الإيمان .

ومع عظيم الأسف ، فقد انقلبت موازين الحب والبغض ، فأصبح الناس يحبون من أجل المصلحة ، ويقولون : المصالح تتصالح ، فيحبون أهل المال والجاه ، وغيرهما ، ولو على حساب الدين والمبادئ والأخلاق .

فعلى المسلم الحق أن يعرف من يحب ، ومن يصاحب ، ومن يجالس .

كان عبدالله بن المبارك رحمه الله تعالى ، يدعو إلى حب الصالحين ، وتولي الأبرار ، ومرافقة الأخيار .

وكان مما قاله في ذلك :

وإذا صاحبت فاصحب ماجدًا … ذا عفافٍ وحياءٍ وكرم
قوله للشيء : لا إن قلتَ : لا … وإذا قلتَ نعم قال : نعم

إن الولاء والبراء من عقيدتنا -نحن أهل السنة والجماعة- ، وإن حب الصالحين جعل نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم ، وهو سيد المرسلين ، وخير خلق الله أجمعين ، يشتاق إلى بلال الحبشي ، وسلمان الفارسي ، وصهيب الرومي ، وغيرهم من الصالحين .

ندعوكم لقراءة : كيف تكون محبة الرسول ﷺ ؟

محبة الصالحين لها ثمار عظيمة في الدنيا والآخرة ، ولا سيما أن كل محبة ليست لله تعالى فإنها تذهب يوم القيامة وتبقى المحبة التي تكون لله وفي الله كما قال الله تعالى في كتابه الكريم عن المتحابين يوم القيامة إذ يقول سبحانه : « الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ». (الزخرف : 67)

فكل صداقة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان لله ، عز وجل ، فإنه دائم بدوامه .

وهذا كما قال إبراهيم ، عليه السلام ، لقومه : « إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ ». (العنكبوت : 25)

أن محبة الصالحين سبب لمحبة الله تعالى ؛ وذلك لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم :
” أن رجلًا زار أخًا له في قرية أخرى ، فأرصد الله تعالى على مدرجته -أي طريقه- مَلَكَا ، فلما أتى عليه قال : أين تريد ؟
قال : أريد أخًا لي في هذه القرية .
قال : هل لك عليه من نعمة تربُّها -أي تقوم بها ، وتسعى في صلاحها- عليه ؟
قال : لا ، غير أني أحببته في الله تعالى .
قال : فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه “.
( رواه مسلم ).

أن محبة الصالحين سبب لأن يستظل صاحبها تحت ظل الله تعالى يوم القيامة ؛ وذلك لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن الله تعالى يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظِلَّ إلا ظلي “.
( رواه مسلم ).

أن محبة الصالحين سبب من أسباب دخول الجنة وبلوغ الدرجات العالية التي يحصل عليها السابقون منهم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم “.
( رواه مسلم ).

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يُلقى في النار “.
( متفق عليه ).

محبة الصالحين تعني حب الخير لهم ، ونصحهم ، وإخبارهم بحبهم ، وفعل كل ما تقتضيه تلك المحبة من وصالهم والدعاء لهم ، والنصح لهم ، والتقرب إلى الله تعالى بحبهم .

أسأل الله تعالى أن يجعلنا من المحبين للصالحين الذين يحبهم رب العالمين ، وأن يجعلنا من المتعاونين على البر والتقوى الناصحين لإخوانهم الصادقين في نصحهم إنه سميع مجيب .

Exit mobile version