ليس كمثله شيء
ليس كمثله شيء :
قال الله الملك الحق :
” فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ “. (الشورى : 11)
الله ، جلَّ في علاه ، ليس له نظير ، وهو السميع البصير ، العلي الكبير ، اللطيف الخبير .
لا يشبهه ولا يماثله شيء من مخلوقاته ، لا في ذاته ، ولا في صفاته .
أسماؤه كلها حسنى ، وصفاته كلها عُلا ؛ صفات كمال وجلال وجمال وعظمة ، فليس كمثله شيء ؛ لانفراده وتوحده بالكمال من كل وجه .
سبحانه ، هُوَ السَّمِيعُ لجميع الأصوات ، في كل الأوقات ، باختلاف اللغات ، على تفنن الحاجات .
وهو الْبَصِيرُ ، يرى دبيب النملة السوداء ، في الليلة الظلماء ، على الصخرة الصماء .
- إثبات الصفات :
هذه الآية الحادية عشرة من سورة الشورى ، ونحوها ، دليل لمذهب أهل السنة والجماعة ، من إثبات الصفات ، ونفي مماثلة المخلوقات .
وفيها رد على المشبهة في قوله : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } وعلى المعطلة في قوله : { وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }.
- قالوا :
يقول أبو حمزة الكناني : أنا مذنب أنا مخطئ أنا عاصي ، هو غافر هو راحم هو كافي .
قـابلتُهـن ثلاثـة بثلاثـة ، وستغلبنَّ أوصافُه أوصافي .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله :
﴿ ليس كمثله شيء ﴾ ، وليس كحبِّـه شيء .
ويقول محمد بن عبد العزيز الخضيري : رحمته شاملة ، ولُطفه خفيّ ، وعنايته دائمة ، وإحسانه سابغ ، ليس كمثلهِ شيءٌ سبحانه وتعالى عما يصفون .
ويقول نايف الفيصل : الله تعالى ” ليس كمثله شيء ” ، والحديث عنه ليس كمثله شيء .
يقول الدكتور خالد السبت : من جملة ما وصف الله به نفسه : الكلام ، فكلام الرب جل وعلا ﴿ ليْسَ كمثْلهِ شَيْءٌ ﴾ ، كمـا أن صفـاته سبحـانـه وتعـالى لـيـس كمثلها شيء ، وكما أن سائر ما يتعلق به جل وعلا ليس له نظير .
- شبهات المبتدعة :
يقول الشيخ عبد الكريم الخضير :
نشَأَتْ عندَ بعض المبتدعة شبهةٌ وهي : أنَّ التَّشبيهَ من لوازمِ الإثباتِ ، معَ أنَّ نفيَ التَّشبيهِ وتنزيهَ اللهِ -جل وعلا- ثبت بالكِتابِ والسنَّةِ ، وإثْبَاتُ الصفاتِ كذلك ثَبَتت بالكِتابِ والسنَّةِ ، فلا يُضرب هذا بهذا ؛ لأن الجمع بينهما ممكن ، وهو ما وفَّقَ اللهُ أهلَ السنِّةِ له ، فاللهُ -جلَّ وعلا- يقول : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى : 11] ، ففي الجمع بين قوله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } ، معَ إثباتِ السَّمعِ والبصرِ دليلٌ على أنَّ إثباتَ السَّمعِ والبصَرِ لا يَقتضي التَّمثيلَ ولا التَّشبيهَ ؛ لأنَّ اللهَ جمعَ بينهما في آيةٍ واحدةٍ .
وإذا أثبَتنا الوجهَ للهِ ، فلا يعني ذلك أنَّنا نُثبِتُ له وجهًا يُشبِهُ وجهَ المخلوقِ بحالٍ منَ الأحوالِ .
وقد مرَّ هؤلاء المعطلةِ بقَنْطَرَةِ التَّشبيهِ وَرَأَوا -على حدِّ زعمهم- أنَّ إثبات الصفات لله يقتَضي التَّشبيهَ ، وتَوصّلُوا بذلكَ إلى أنْ يُعطِّلوا اللهَ عمَّا أثبَتَه لنفسِه وأثبَتَه له رسولُه ﷺ من الصِّفاتِ ، والإلزامُ ليسَ بلازمٍ ، واللهُ -جلَّ وعلا- لا يُشبِهُهُ شيءٌ من خَلقِه .. فكما أنَّ ذاتَه -جلَّ وعلا- لا تُشبِهُ الذَّواتِ فكذلكَ صفاتُه لا تُشبِهُ الصِّفاتِ .
ندعوكم لقراءة : لله طلاقة القدرة
- من فوائد الآية الكريمة :
يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
قال الله تبارك وتعالى : ” فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ “.
من فوائد الآية :
أن الله تعالى هو الذي خلق السماوات والأرض ابتداءً على غير مثال سبق .
ومن فوائدها : تمام قدرة الله تبارك وتعالى لأن هذه السماوات العظيمة لا يقدر عليها أحد إلا الله ، ثم إنه خلقها في ستة أيام ، جاءت مفصلة في سورة فصلت .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : أن السماوات جمع ، كم هي ؟ سبع ، والأرض ؟ سبع ، لكن من غير هذه الآية .
ومن فوائدها : حكمة الله عز وجل ورحمته حيث جعل لنا من أنفسنا أزواجا ، فإن هذا حكمة حيث كانت من أنفسنا ، ورحمة حيث جعل لنا أزواجًا نتمتع بهن من جهة ، وننمو ونزداد من جهة أخرى .
ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا : رحمة الله تعالى بنا حيث جعل لنا من الأنعام أزواجًا ، لأن هذا لا شك من مصلحتنا .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : أن الله سبحانه وتعالى ينشر ويبث ويكثر بني آدم وما خلق لهم من أنعام بسبب التزاوج لقوله : ( يذرؤكم فيه ).
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : الرد على المشركين الذين جعلوا مع الله إلهًا آخر حيث قال : ” ليس كمثله شيء “ فهو سبحانه وتعالى لا مٌثْلَ له ، لا في الخلق ولا في الصفات ولا غيرها .
ومن فوائد الآية الكريمة : الرد على أهل التمثيل في قوله : ” ليس كمثله شيء “.
ومن فوائدها : إثبات اسمين من أسماء الله هما السميع والبصير .
ومن فوائد الآية : إثبات السمع والبصر وصفًا لله عز وجل ؛ لأن السميع من السمع ، والبصير من البصر .
وهنا قاعدة نشير إليها : كل اسم من أسماء الله فإنه متضمن لشيئين :
الأول : إثبات كونه اسمًا من أسماء الله ، والثاني : إثبات الصفة التي دل عليها ، فمن قال : إن الله سميع ولكن بلا سمع ، فإنه لم يؤمن بالاسم ، لأنه لابد أن تؤمن بما دل عليه من صفة وإلا لم تؤمن به ، أيضًا إثبات أن هذه الصفة متعدية للغير إذا كانت متعدية .
فمثلًا السميع نؤمن بأن الله من أسمائه السميع ومن صفاته السمع ، ونؤمن بأمر زائد وهو أنه يسمع كل شيء ، ولهذا قال أهل العلم : الاسم إذا كان لازمًا لم يتم الإيمان به إلا بشيئين :
الأول : إثبات كونه اسمًا من أسماء الله ، والثاني : إثبات الصفة التي دل عليها ، وإذا كان متعديًا فلابد في الإيمان به من أمور ثلاثة :
الأول : إثبات كونه اسمًا لله ، والثاني : إثبات الصفة التي دل عليها ، والثالث : إثبات تعدي هذه الصفة إلى ما تتعلق به ، بمعنى أن السمع يتعلق بكل مسموع ، والبصر بكل مبصر ، فإثبات السمع لابد أن نثبت أنه يسمع .
طيب فيه أيضًا ، يقولون : الأسماء تتضمن الدلالات الثلاث دلالة المطابقة ودلالة التضمن ودلالة الالتزام ، وإن شئت فقل : دلالة اللزوم ، الدلالات ثلاث مطابقة وتضمن ولزوم ، فدلالة الاسم على الذات وحدها دلالة تضمن ، وعلى الصفة وحدها دلالة تضمن ، وعليهما جميعًا دلالة مطابقة ، ودلالة ذلك الاسم على معنى لازم له دلالة التزام ، هذه من القواعد المهمة .
الدلالات كم ؟
الطالب : ثلاثة : مطابقة وتضمن والتزام .
الشيخ : فدلالة الاسم على الذات وحدها ؟
الطالب : تضمن .
الشيخ : وعلى الصفة وحدها ؟
الطالب : تضمن .
الشيخ : وعليهما ؟
الطالب : مطابقة .
الشيخ : وعلى أمر لازم ؟ التزام .
نضرب لهذا مثلًا الخالق ، من أسماء الله تعالى الخالق ، فدلالته على الذات وحدها تضمن ، وعلى صفة الخلق وحدها تضمن أيضًا ، وعليهما جميعًا مطابقة ، إذن فهمنا أن دلالة اللفظ على جميع معناه دلالة مطابقة ، وعلى بعضه تضمن ، على اللازم الخارج الذي يلزم منه دلالة التزام ، المثال الذي معنا الآن لا يزال باقيًا ، الخالق يدل على صفة الخلق ، وعلى الخالق نفسه ، ويدل أيضًا على شيء لازم ، من لازم الخلق القدرة ، من لازم الخلق العلم ، إذ من ليس بقادر لا يمكن أن يخلق ، ومن ليس بعالم لا يمكن أن يخلق ، فتكون دلالة الخالق على العلم والقدرة دلالة التزام .
من فوائد هذه الآية الكريمة : الرد على أهل التعطيل في قوله : ( وهو السميع البصير ).
نحن ذكرنا السميع من فوائد الآية الكريمة إثبات السميع اسمًا لله ، والبصير اسمًا لله ، وإثبات البصر صفة لله ، وإثبات السمع صفة لله ، فإن قال قائل : أيهما أوسع الصفة أو الاسم ؟ الجواب : الصفة أوسع ؛ لأن الله يُوصَف بما لا يُسَمَّى به ، ولكن كل ما سُمِّيَ به فهو متضمن للصفة ، افهموا القاعدة ثم يأتي المثال بعد ، أن كل اسم متضمن لصفة وبهذا يكون الاسم والصفة متوازيين ، هناك صفات لا يمكن أن يُسمى الله بها ، فالصفة أوسع ، ألسنا نقول : عَبَّر الله بكذا وكذا ألسنا نقول : تحدث الله عن كذا ، ومع ذلك لا نسمي الله تعالى متحدثًا ولا نسميه معبرا ؛ لأن الوصف أوسع من الاسم ، وهذه فائدة أيضًا مهمة ، عكس ما يقولون : إن الأسماء لا تتضمن الصفات .
- سورة الإخلاص :
بسم الله الرحمن الرحيم
” قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ * ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ * لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ * وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ “. (الإخلاص : 1-4)
تتحدث السورة عن صفة الله تعالى ، وإثبات وحدانية الله تعالى ، وأنه الصمد الذي لا يقصد في الحوائج غيره ، وعن تنزيهه عن سمات المحدثات فليس كمثله شيء ، وليس له مثيل ولا كفء ولا ند ، وإبطال أن يكون له ابن ، وإبطال أن يكون المولود إلهًا مثل عيسى ابن مريم .
الله الصمد : الصمد هو الكامل في صفاته المحتاج إليه جميع مخلوقاته ، قال ابن عباس ما ملخصه : { السيد الذي كمل في سؤدده ، العظيم الذي كمل في عظمته ، الشريف الذي كمل له أنواع الشرف والسؤدد ، وهو الله سبحانه ، هذه صفته التي لا تنبغي إلا له }.