لصوص رمضان :
الحذار .. الحذار ، من لصوص الليل والنهار ، الذين حذرنا منهم ربنا العزيز الغفار ، والنبي المختار .
فليس اللص الذي يسرق مالك فقط ، فهناك لصوص يسرقون وقتك ، وهم أخطر ؛ فاحذروا -عباد الله- اللصوص في الشهر الكريم ؛ فهم كُثُر ، فانتبهوا يرحمكم الله .
- اللص الأول :
التلفاز ، وما أدراك ما التلفاز !
بداخله خيرٌ وشر ، وأنت من تتحكم في الجهاز .
في الخير هو ممتاز ، وفي الشر هو ممتاز ، وعليك أنت أن تنحاز .
فيه خيرٌ كثير ، وهو لص خطير ؛ يفسد الصيام ، وينقص الأجر بسبب المسلسلات والأفلام ، ويبعدك عن صلاة القيام .
- اللص الثاني :
الأسواق ؛ والتجول فيها ، والتسوق ، ومقابلة الجيران والأقارب ، والكلام فيما لا يفيد .
في هذا كله ، إهدار للمال والوقت بلا حساب .
وللتغلب على هذا الأمر ؛ استعن بالله وحدٌّد هدفك قبل الذهاب .
- اللص الثالث :
النوم بالنهار ، مع تأخير الصلوات والأذكار ، ثم تناول الإفطار .
فهل هذا صيام يا عبد الغفار ؟!
- اللص الرابع :
السهر ، سارق أغلى الأوقات ؛ يحرمك من التهجد وقراءة القرآن في شهر القرآن ، والاستغفار في الثلث الأخير.
قال الله تعالى : ” وجعلنا الليل لباسًا . وجعلنا النهار معاشًا “. (النبأ : 10-11)
- اللص الخامس :
المطبخ المبالغ فيه ، وخاصة للنساء اللاتي يقضين وقتًا طويلًا لتحضير أطباق كثيرة ومتنوعة خلال شهر رمضان بصورة أكبر من الشهور الأخرى ؛ وهذا من العجب الكبير ؛ لأن رمضان شهر الصيام والقيام ، والمفروض أن يتقشف فيه الناس كثيرًا ، لا أن يكثروا ويتفننوا في كل مالذ وطاب .
وعلى المسلمة المؤمنة الواعية أن تستغل وقت المطبخ في ذكر الله عز وجل ، وفي مراجعة ما تحفظ من كتاب الله تعالى .
- اللص السادس :
الهاتف ، والمكالمات الطويلة وما يترتب عليها من ذنوب : غيبة ، نميمة ، قيل وقال وإفشاء الأسرار .
- اللص السابع :
البخل ، يحرمك أجر وثواب الصدقة التي تقي من النار ؛ وخاصة صدقة شهر رمضان .
ولله در أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز التي كانت تقول :
{ أفٍ للبخل ، لو كان قميصًا ما لبسته ، ولوكانت طريقًا ما سلكته }.
فالسخاء السخاء ، خصوصًا أيام الغلاء ، فالمتقون ينفقون في السراء والضراء ؛ فكن منهم ومد يديك بالعطاء .
- اللص الثامن :
المجالس الخالية من ذكر الله ، والتي تكون حسرة على أصحابها يوم القيامة .
- وأخيرًا :
مع كبير اللصوص : وسائل التواصل الاجتماعي : إن لم تُستغَل فيما يرضي الله .
فالوقت كالسيف ، إن لم تقطعه ؛ قطعك .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس : الصحة والفراغ “. (رواه البخاري)
قال الإمام ابن باز رحمه الله :
كثير من الناس تضيع صحته بغير فائدة ، وفراغه في غير فائدة ، صحيح الجسم معافى في بدنه ، وعنده فراغ ولكن لا يستعمل ذلك فيما ينفعه ، وفيما يقربه من الله ، وفيما ينفعه في الدنيا ، فهذا مغبون في هاتين النعمتين ، وإنما ينبغي للمؤمن أن يستغل هذه النعمة فيما يرضي الله ، وفيما ينفعه ، في التجارة وأنواع الكسب الحلال والاستكثار من الصوم والصلاة ، والذكر والطاعات ، وعيادة المرضى ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والدعوة إلى الله عز وجل إلى غير هذا من وجوه الخير ، فالمؤمن يشغلهما بما يرضي الله وبما ينفعه في دنياه من الحلال ، فإذا ترك هاتين النعمتين لم يستعملهما فيما ينفعه فقد غبن ، وهذا الغبن قد يكون محرمًا وقد يكون لا يضره ، فإذا لم يستعملها في معاصي الله وأدى الواجب لم يضره هذا الغبن ، أما إذا كانت الصحة مستعملة في معاصي الله ضَرَّه ذلك ، أو الفراغ مستعمل في معاصي الله ضره ذلك ، أما إذا كان لا لم يستعمل ذلك في معاصي الله ، ولكن لم يستكثر من الحسنات المستحبة ، ولم يستعمل هذا الفراغ والصحة فيما ينفعه في الدنيا ، ولكنه عنده ما يقوم بحاله ويقوم بحال عائلته ، ليس مضطرًا إلى الكسب ونحو ذلك ، فإن هذا لا يضره ، لكنه نوع من الغبن ، لو استعمل الصحة فيما ينفعه من الذكر وأنواع الطاعات المشروعة ، وفي المكاسب الحلال الطيبة يتصدق منها ويحسن لكان خيرًا له . انتهى .
فاحذر تضييع اللصوص لوقتك ، وخصوصًا في شهر رمضان المبارك .
فالبدار البدار .. والإكثار الإكثار ، في كل ما يرضي الله العزيز الغفار .
والهمة الهمة ، لكل رجال ونساء الأمة .
وفقنا الله لاستثمار أيام وليالي رمضان فيما يحبه ربنا ويرضاه .
قال الله تبارك وتعالى :
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ “. (البقرة : 183)
– لعلكم تتقون :
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ، فرض الله عليكم الصيام كما فرضه على الأمم قبلكم ؛ لعلكم تتقون ربكم ، فتجعلون بينكم وبين المعاصي وقاية بطاعته وعبادته وحده .
فما بالكم بشهر الصيام والقيام ، شهر الطاعات والقربات ، شهر القرآن والإحسان ، شهر التكافل والتواصل ، شهر الخير ، لك والغير .
يقول العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى :
يخبر تعالى بما منَّ به على عباده ، بأنه فرض عليهم الصيام ، كما فرضه على الأمم السابقة ، لأنه من الشرائع والأوامر التي هي مصلحة للخلق في كل زمان .
وفيه تنشيط لهذه الأمة بأنه ينبغي لكم أن تنافسوا غيركم في تكميل الأعمال ، والمسارعة إلى صالح الخصال ، وأنه ليس من الأمور الثقيلة التي اختصيتم بها .
ثم ذكر تعالى حكمته في مشروعية الصيام فقال : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى ، لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه .
فمما اشتمل عليه من التقوى : أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها ، التي تميل إليها نفسه ، متقربًا بذلك إلى الله ، راجيًا بتركها ثوابه ، فهذا من التقوى .
ومنها : أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى ، فيترك ما تهوى نفسه ، مع قدرته عليه ، لعلمه باطلاع الله عليه ، ومنها : أن الصيام يضيق مجاري الشيطان ، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم ، فبالصيام يضعف نفوذه ، وتقل منه المعاصي ، ومنها : أن الصائم في الغالب تكثر طاعته ، والطاعات من خصال التقوى ، ومنها : أن الغني إذا ذاق ألم الجوع ، أوجب له ذلك ، مواساة الفقراء المعدمين ، وهذا من خصال التقوى .
أوصيكم وأوصي نفسي بالصيام ، والصلاة والقيام ، والطاعة على الدوام .
صُم الشهر ، واترك الهجر ، وأدرك ليلة القدر ، وفز بالثواب والأجر .
داوم على الطاعة ، وعلى صلاة الجماعة ، وعلى كل ما يرضي ربنا على مدار الساعة .
أطعم الطعام ، وصِلْ الأرحام ، وأفشِ السلام ، وأكرم المساكين والأيتام ، وصلِّ بالليل والناس نيام .
– شهر القرآن :
هذا الشهر الكريم المبارك ، أنزل الله تبارك وتعالى فيه القرآن ، وعلينا أن نقرأه آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضي ربنا جل في علاه ؛ وخصوصًا في هذا الشهر الفضيل ، فهو فرصة مواتية لك أيها الصائم القائم ، فلا تضيع هذا الشهر الفضيل -أيها العاقل اللبيب- في اللهو واللعب والتسالي ، وما إلى ذلك ؛ فهذا من أعجب العجب !!
قال الله الملك الحق :
” شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ “. (البقرة : 185)
– رسالة مفيدة :
وصلتني هذه الرسالة التي تناسب هذا المقام ، تقول :
احذر الفيلة في رمضان !!
جلس الإمام مالك في المسجد النبوي كعادته يروي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والطلاب حوله يستمعون ، فصاح صائح : جاء للمدينة فيل عظيم ، ( ولم يكن أهل المدينة قد رأوا فيلًا قبل ذلك ، فالمدينة ليست موطنًا للفيلة ).
هرع الطلبة كلهم ليروْا الفيل ، وتركوا مالكًا ، إلَّا يحيى بن يحيى الليثي .
فقال له الإمام مالك : لِمَ لَمْ تخرج معهم ؟ هل رأيت الفيل من قبل ؟
قال يحيى : إنَّما قدمت المدينة لأرى مالكًا ، لا لأرى الفيل .
لو تأمَّلنا هذه القصة ، لوجدنا أنَّ واحدًا فقط من الحضور هو من عَلِمَ لماذا أتى ؟ وما هو هدفه ؟
لذا لم يتشتت ، ولم يبدد طاقاته يمنة ويسرة .
أما الآخرون فخرجوا يتفرجون ، فانظر لعِظَمْ الفرق بينهم .
فكانت رواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي عن مالك هي المعتمد للموطأ ، أمَّا غيره من الطلبة المتفرجين فلم يذكرهم لنا التاريخ .
وفي زماننا هذا يتكرر الفيل .. ولكن بصور مختلفة .. وطرائق شتَّى .. وخصوصًا في رمضان .
فالناس في رمضان صنفان : صنف قد حدَّد هدفه ، فهو يعلم ماذا يريد من رمضان ، وما هي الثمرة التي يرجو تحصيلها .
وصنف آخر غافل لاهٍ مفرِّط ، تستهويه أنواع الفيلة المختلفة .
فالقنوات الفضائية والمسلسلات والأفلام والأغاني ، وأنواع المحرمات فيلة هذا الزمان .
فاحذر الفِيَلة وبريقها ؛ فإنها ستسلب منك أفضل أوقات العام .