يعيشون على الأسودين

يعيشون على الأسودين :

رسول الإسلام ، عليه الصلاة وأزكى السلام ، كان يعيش وآل بيته الكرام ، معظم أيامهم على الأسودين ؛ التمر والماء ؛ كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها زوج سيد الأنبياء ﷺ .

** بين عائشة وعروة :

” ابْنَ أُخْتي ، إنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إلى الهِلَالِ ، ثُمَّ الهِلَالِ ، ثَلَاثَةَ أهِلَّةٍ في شَهْرَيْنِ ؛ وما أُوقِدَتْ في أبْيَاتِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَارٌ ، فَقُلتُ : يا خَالَةُ ، ما كانَ يُعِيشُكُمْ ؟
قَالَتْ : الأسْوَدَانِ : التَّمْرُ والمَاءُ ، إلَّا أنَّه قدْ كانَ لِرَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جِيرَانٌ مِنَ الأنْصَارِ ، كَانَتْ لهمْ مَنَائِحُ ، وكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن ألْبَانِهِمْ ، فَيَسْقِينَا “.
( رواه البخاري ).

** خلاف الأَسْوَدَيْن :

إذا كان رسول الله ﷺ وآل بيته يعيشون على الأسودين معظم الوقت ، فقد كانوا يأكلون ويشربون غيرهما في حالات قليلة عندما تسمح الظروف بذلك ؛ قال ابن القيم في زاد المعاد :
فأما المطعم والمشرب ، فلم يكن من عادته صلى الله عليه وسلم حبس النفس على نوع واحد من الأغذية لا يتعداه إلى ما سواه ، فإن ذلك يضر بالطبيعة جدًّا ، وقد يتعذر عليها أحيانًا ، فإن لم يتناول غيره ، ضعف أو هلك ، وإن تناول غيره ، لم تقبله الطبيعة ، واستضر به ، فقصرها على نوع واحد دائمًا ولو أنه أفضل الأغذية خطر مضر ، بل كان يأكل ما جرت عادة أهل بلده بأكله من اللحم ، والفاكهة ، والخبز ، والتمر ، وغيره … اهـ .

قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر :

هما التمر والماء ، أما التمر فأسود وهو الغالب على تمر المدينة فأضيف الماء إليه ونعت بنعته اتباعًا ، والعرب تفعل ذلك في الشيئين يصطحبان فيسميان معًا باسم الأشهر منهما كالقمرين والعمرين . (انتهى)

كانت أمنا عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما تحكي لعروة بن الزُّبير بن العوام -ابن أختها أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم- ، أنهم كانوا ينتظرون الهلال ، ثم الهلال ، ثم الهلال ؛ ثلاثة أهلة في شهرين .
والمعنى : أنهم كانوا يظلون شهرين متتابعين لا يُطبَخ في أبياتهم شيء !!

سيد ولد آدم ﷺ لا يُطبخ في أبياته التسعة شيء لمدة شهرين متتابعين ، ونحن نأكل ما لذ وطاب ، ولا يعجبنا العجب ، ولا الصيام في رجب .

كانت الدنيا بين يدي رسول الله ﷺ ، ولم تكن في قلبه أبدًا ، وهو أكرم الخلق على الله عز وجل ، ولو شاء لأجرى له الجبال ذهبًا وفضة ، ولو كان دعيًّا يفتري الكذب ما فرَّط في دنياه ، وقد عُرضت عليه من أهل مكة المعاندين ، ورفضها رفضًا قاطعًا .

وكان زهده ﷺ في الدنيا زهد من عَلِم فناءها وسرعة زوالها ، وبقاء الآخرة وما أعدّه الله لأوليائه فيها من نعيم مقيم وأجر عظيم ، فرفض ﷺ الأخذ من الدنيا إلا بقدر ما يسدّ الرمق ، فآثر حياة الزهد ، وكثيرًا ما كان يدعو ربه قائلًا : ” اللهم أحيني مسكينًا ، وأمتني مسكينًا ، واحشرني في زمرة المساكين “. (الترمذي)

وخيَّره ربه ﷻ بين أن يكون ملِكًا رسولًا أو عبدًا رسولًا ؛ فاختار أن يكون عبدًا رسولًا ، يشبع يومًا ويجوع يومًا ، حتى لقي الله ـ عز وجل ـ ، زهدًا في الدنيا وترفعًا على متاعها .

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال :
جلس جبريل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنظر إلى السماء ، فإذا ملَك ينزل ، فقال له جبريل : هذا الملك ما نزل منذ خُلِق قبل الساعة ، فلما نزل قال : يا محمد أرسلني إليك ربك : أملِكًا أجعلك أمْ عبدًا رسولًا ؟ ، قال له جبريل : تواضع لربك يا محمد ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ” بل عبدًا رسولا “.
( رواه أحمد ).

ندعوكم لقراءة : البسمة في حياة النبي

** الفلافل : طعام الفقراء :

تُعرف الفلافل في مصر المحروسة بـ ” الطعميّة ” ، وتُعرَف في بلاد الشام بالـ ” فلافل ” ؛ وهي وجبة شعبية خفيفة معروفة ببساطتها وسعرها الزهيد . 

إذا تناولها الأثرياء ؛ فلا بد من تغيير اسمها ؛ حتى يليق مع وضعهم الاجتماعي ؛ فيجب أن تتخلى هذه الوجبة عن أصولها ” المتواضعة ” بعد أن اجتاح الإنترنت اسم ” جرين برجر ” أو ” الهمبرجر الأخضر ”  كبديل لاسم الفلافل الأكثر شعبية !!

** مع الأثرياء :

الأثرياء من العرب والمسلمين ، وغيرهم من أهل الغرب والشرق ، تستهويهم الأطعمة التي يدخل في تحضيرها مكونات غريبة ، وباهظة الثمن ؛ ومنها على سبيل المثال ، وليس على وجه الإجمال :

** حياته وحياتهم :

التوسع في المآكل والمشارب من عادات الحكام والملوك والأمراء والأثرياء ، ويرى الناس ذلك بأم أعينهم ، ويرونه كذلك عبر الشاشات .

فأحسن الأكل وأطيبه تجده بين أيديهم ، وأفضل الشراب وألذه وتنوعه تجده عندهم ، فهم يعيشون حياة ترف وبذخ ، لكن الرسول ﷺ المتواضع سلك مسلكًا على الطرف الآخر من النقيض ؛ يختلف تمامًا عن هؤلاء الملوك ، فقد اختار لنفسه أن يعيش في تقشف وتواضع ؛ فهذه زوجه الصديق بنت الصديق رضي الله عنها تصف حالته المعيشية بقولها : ” ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين حتى قُبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- “. (متفق عليه)

بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، عشت حياة الفقراء وسلكت طريق المساكين ، في مأكلك ومشربك فكنت خير قدوة .

وذكرت عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كان يأتيها فيقول : ” أعندك غداء “ ، فتقول : لا ، فيقول : ” إني صائم “.

Exit mobile version