فضل الله وكرمه
فضل الله وكرمه :
قال الله تبارك وتعالى :
” سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ “. (الحديد : 21 )
يقول تعالى ذكره : ( سَابِقُوا ) أيها الناس ( إِلَى ) عمل يوجب لكم ( مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأرْضِ أُعِدَّتْ ) هذه الجنة ( لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ) ، يعني : الذين وحدَّوا الله ، وصدّقوا رسله .
وقوله : ( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ) يقول جلّ ثناؤه : هذه الجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض ، التي أعدّها الله للذين آمنوا بالله ورسله ، فضل الله تفضل به على المؤمنين ، والله يؤتي فضله من يشاء من خلقه ، وهو ذو الفضل العظيم عليهم ، بما بسط لهم من الرزق في الدنيا ، ووهب لهم من النِّعم ، وعرّفهم موضع الشكر ، ثم جزاهم في الآخرة على الطاعة ما وصف أنه أعدّه لهم .
سبحانه الرحمن الرحيم ، ذو الفضل العظيم ، الذي هدانا إلى صراطه المستقيم .
اللهم لا تجعلنا ” في سموم وحميم . وظل من يحموم . لا بارد ولا كريم ” ، واجعلنا في روح وريحان وجنة نعيم ، بفضلك وجودك وكرمك يا كريم .
سبحانه .. سبحانه ..
لا نحصي ثناءً عليه ، هو كما أثنى على نفسه .
ولله در الشاعر القائل :
ربي لك الحمد العظيم لذاتك … حمدًا وليس لواحدٍ إلاكا
يا مدركَ الأبصارِ والأبصارُ لا … تدري له ولكُنْهِهِ إدراكا
إن لم تكن عيني تراك فإنني … في كل شيء أستبين عُلَاكا
– الملك يأتينا هرولة ؟!!
هل تتخيلون أن مالك الملك والملكوت ، الحي الذي لا يموت ، يأتي إلينا هرولة ، إذا أتيناه نمشي ؟!
نعم ، هذا صحيح ؛ والدليل ما جاء في هذا الحديث الذي رواه الإمام البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن رب العزة سبحانه وتعالى :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” يقول اللهُ تعالَى : أنا عندَ ظنِّ عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكَرَنِي ، فإن ذَكَرَنِي في نفسِه ذكرتُه في نفسي ، وإن ذكَرَنِي في ملأٍ ذكرتُه في ملأٍ خيرٌ منهم ، وإن تقرَّبَ إليَّ شبرًا تقرَّبتُ إليه ذراعًا ، وإن تقرَّبَ إليَّ ذراعًا تقرَّبتُ إليه باعًا ، وإن أتاني يمشي أتيتُه هرْولةً “.
﴿ رواه البخاري ﴾.
سبحانه من إله !
أنار الصباح بقدرته ، وسجدت المخلوقات لعظمته ، وأجاب دعاء المضطرين برحمته .
ندعوكم لقراءة : لله الحمد والمنة
– أَلَيسَ اللهُ بكافٍ عبده :
يقول الله تعالى :
” أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ “. (سورة الزمر : 36)
يقول العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى :
أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ أي : أليس من كرمه وجوده ، وعنايته بعبده ، الذي قام بعبوديته ، وامتثل أمره واجتنب نهيه ، خصوصًا أكمل الخلق عبودية لربه ، وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم ، فإن اللّه تعالى سيكفيه في أمر دينه ودنياه ، ويدفع عنه من ناوأه بسوء .
وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ من الأصنام والأنداد أن تنالك بسوء ، وهذا من غيهم وضلالهم .
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد .
آية تهتز لها الجبال : استشعر الآية الكريمة وكأن الله عز وجل يقصدك أنت ، نعم أنت ، ستشعر حينها أنك في معية الملك جلّ في علاه .
تنتابنا أوقات يشعر فيها الإنسان أنّه بات وحيدًا في ساحة من الهموم والمتاعب والقلق والأرق ، ولكن علينا أن نتذكر سريعًا قول الله عز وجل : ” أَلَيس اللهُ بِكَافٍ عبده ” ..
كم تشعرني هذه الآية الكريمة بالدفء ، وأن رحمة الله عز وجل قريبة مني ، وكرمه يغطيني من ذؤابة رأسي حتى أخمص قدمي .
– لكل مهموم :
أقول لكل مهموم ما قاله الشافعي العبقري :
يا صاحب الهَمِّ إن الهم منفرجٌ … أبشر بخيرٍ فإن الفارجَ اللهُ
واللهِ ما لك غير الله من أحدٍ … فحسبك اللهُ في كلٍّ لك اللهُ
– رحمته وفضله :
قال رسول الله ﷺ : ” والذي نفسي بيده ، لا يدخل الجنة أحد منكم بعمله “.
قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟
قال : ” ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل “.
( متفق عليه ).
وهنا يوضح العلامة ابن باز رحمه الله تعالى أن الباء هنا باء العوض ، يعني : ليست عوض العمل ، ولكنه مجرد رحمة الله وعفوه سبحانه وتعالى ، حصل بذلك قبول العمل ، ودخول الجنة والنجاة من النار ، فهو الذي تفضل بالقوة على العمل ، ويسَّر العمل وأعان عليه ، فكل خيرٍ منه سبحانه وتعالى ، ثم تفضل بإدخال العبد الجنة ، وإنجائه من النار بأسباب أعماله الصالحة ، فالمعول على عفوه ورحمته ، لا على عمل العبد ، فعمل العبد لو شاء الله جل وعلا لما كان هذا العمل ، ولما وُفِّق له ، فهو الذي وفق له وهداه له ، سبحانه وتعالى ، فله الشكر وله الحمد جل وعلا ، فدخولهم الجنة برحمته وفضله ومغفرته ، لا بمجرد أعمالهم ، بل أعمالهم أسباب ، والذي يسرها وأوجب دخول الجنة ومَنَّ بذلك هو الله وحده سبحانه وتعالى .