فانوس رمضان :
الحمد والشكر الجزيل ، لله المنعم الجليل ، الذي منحنا هذا الشهر الفضيل .
ولله در الشاعر القائل في الفانوس الجميل :
هذا لواءُ سحورٍ يُستَضَاءُ به … ويسكر الشهب في الظلماء جرارُ
والصائمون جميعًا يهتدون به … كأنه عَلَمٌ في رأسه النارُ
فانوس رمضان دائمًا ما يكون مصدر بهجة وسعادة للكبار والصغار معًا ، وذلك في استقبال شهر رمضان المبارك .
ويعتبر فانوس رمضان من أهم وأشهر رموز شهر رمضان المعظم ، وهو من أهم مظاهر الاحتفال بقدوم الشهر الكريم .
– الفانوس وسيلة إنارة :
كان الفانوس في بداية الإسلام يُستخدم كوسيلة إنارة يهتدي بها المسلمون عند ذهابهم إلى المساجد ليلًا .
ويقول الفيروز أبادي مؤلف ” القاموس المحيط ” إلى أن أصل معنى كلمة فانوس هو ( النمام ) ؛ لأنه يظهر صاحبه وسط الظلام .
أصل استخدام الفانوس : أما بالنسبة لأصل الفانوس وبداية استخدامه فيوجد عدة حكايات بهذا الشأن منها أن الخليفة الفاطمي كان دائمًا ما يخرج إلى الشارع في ليلة رؤية هلال رمضان لاستطلاع الهلال ، وكان الأطفال يخرجون معه يحمل كل منهم فانوسًا ؛ ليضيئوا له الطريق ، وكانوا يتغنون ببعض الأغاني التي تعبر عن فرحتهم بقدوم شهر رمضان .
ورواية ثانية وهي أن أحد الخلفاء الفاطميين أراد أن يجعل كل شوارع القاهرة مضيئة طوال ليالي رمضان ؛ فأمر شيوخ المساجد بتعليق فوانيس على كل مسجد وتتم إضاءتها بالشموع .
ورواية ثالثة تقول : بأنه لم يكن يُسمح للنساء بالخروج سوى في شهر رمضان ، فَكُنّ يخرجن ويتقدم كل امرأة غلام يحمل فانوسًا لينبه الرجال بوجود سيدة في الطريق حتى يبتعدوا ؛ مما يتيح للمرأة الاستمتاع بالخروج ولا يراها الرجال ، وحتى بعدما أتيح للمرأة الخروج بعد ذلك ظلت هذه العادة متأصلة بالأطفال حيث كانوا يحملون الفوانيس ويطوفون ويغنون بها في الشوارع .
وفي كل الأحوال ، فإن الفانوس سوف يظل عادة رمضانية رائعة تجلب السرور والبهجة للأطفال والكبار على السواء .
– أول من استخدم فانوس رمضان :
والجدير بالذكر أن أول من عرف استخدام الفانوس في رمضان هم المصريون منذ قدوم الخليفة الفاطمي إلى القاهرة قادمًا من الغرب ، وكان ذلك في اليوم الخامس من شهر رمضان لعام 358 هجرية ، خرج المصريون في مواكب من الرجال والنساء والأطفال حاملين الفوانيس الملونة لاستقباله ؛ وبهذا تأصلت عادة الفانوس وأصبحت رمزًا رمضانيًّا ، ثم انتقلت هذه العادة من مصر إلى معظم الدول العربية ؛ وبذلك أصبح فانوس رمضان جزءًا أصيلًا من تقاليد شهر رمضان .
– تطور صناعة الفوانيس :
ولقد تطورت صناعة الفانوس على مر العصور من حيث الشكل واللون والتركيب ، حيث كان له شكل المصباح في البداية وكانت تتم إنارته بالشموع ، ثم أصبح يُضاء باللمبات الصغيرة ، ثم بدأ يتطور حتى أخذ الشكل التقليدي المعروف لنا جميعًا ، وبعد ذلك أصبح الفانوس يأخذ أشكالًا تُحاكي مجريات الأحداث والشخصيات الكرتونية المختلفة المشهورة في الوقت الحاضر .
– قالوا عن الفانوس :
ونجم من الفانوس يشرق ضوؤه … ولكنــــه دون الكواكــــب لا يسري
ولـــم أر نجمًا قـــط قبل طلوعـه … إذا غاب ينهى الصائمين عن الفطرِ
– أشكال فانوس رمضان :
العديد والعديد الذي يتم ابتكاره كل عام من أشكال الفانوس الخاصة بشهر رمضان .
الأحجام المتنوعة التي تناسب الأماكن التي يُوضع بها ، أو حمله في يد الطفل .
كما تتنوع الفوانيس منذ فترة في إضافة بعض الأغاني التي يتم التعلق بها منذ الصغر ، أو نداء السحور المعتاد .
من الأشكال الرائعة للفانوس التقليدي القديم الذي يوضع به شمعة تضيء ويتم تغييرها ، والذي اتخذ أشكالًا كثيرة في الماضي قبل إضافة الإضاءة الحديثة من اللمبات التي تعمل بالبطارية .
– وحوي يا وحوي :
كشف الدكتور عبد الرحيم ريحان ، الخبير الأثري المصري ، عن أصل كلمة ” وحوي يا وحوي ” ؛ فقال : المصري القديم كان يغنيها للقمر ؛ فكلمة ( أيوح ) معناها القمر ، وكانت الأغنية تحية للقمر ، وأصبحت منذ العصر الفاطمي تحية خاصة بهلال رمضان .
وهناك رأي آخر يقول : إن وحوي يا وحوي أغنية فرعونية ، والنص الأصلي للأغنية هو ” قاح وي واح وي ، إحع ” وترجمتها باللغة العربية ( أشرقت أشرقت يا قمر ) ، وتكرار الكلمة في اللغة المصرية القديمة يعني التعجب ، ويمكن ترجمتها أيضًا : ( ما أجمل طلعتك يا قمر ).
وأغنية ” وحوي يا حوي إيوحه ” هي من أغاني الاحتفاء بالقمر والليالي القمرية ، وكان القمر عند الفراعنة يطلق عليه اسم ” إحع “.
وبعد دخول الفاطميين إلى مصر وانتشار ظاهرة الفوانيس ، أصبحت الأغنية مرتبطة بشهر رمضان فقط ، بعد أن ظلت أزمنة مديدة مرتبطة بكل الشهور القمرية طبقًا لدراسة أثرية لعالم الآثار الإسلامية الدكتور علي أحمد الطايش ، أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة.
ويوضح د. ريحان أن الفانوس تحول من وظيفته الأصلية في الإضاءة ليلًا إلى وظيفة أخرى ترفيهية إبان الدولة الفاطمية ، حيث راح الأطفال يطوفون الشوارع والأزقة حاملين الفوانيس ، ويطالبون بالهدايا من أنواع الحلوى التي ابتدعها الفاطميون .
وبعد ذلك اعتاد الأطفال حمل هذه الفوانيس في رمضان ، وقيل إن ظهور فانوس رمضان ارتبط بالمسحراتي ولم يكن يُقاد في المنازل بل كان يعلَّق في منارة الجامع إعلانًا لحلول وقت السحور ، فصاحب هؤلاء الأطفال بفوانيسهم المسحراتي ليلًا لتسحير الناس حتى أصبح الفانوس مرتبطًا بشهر رمضان وألعاب الأطفال وأغانيهم الشهيرة في هذا الشهر ومنها وحوي يا وحوي .