من عبق التاريخ

غسيل الملائكة

غسيل الملائكة :

حنظلة بن أبي عامر ، صحابي من الأنصار ، من الأخيار الأبرار .

وهو من بني ضبيعة من الأوس ، أسلم ، وخرج إلى غزوة أحد بعد أن سمع النفير وهو جُنُب ، فقُتل يومها ، قتلهُ شداد بن الأسود الليثي وأبو سفيان بن حرب اشتركا فيهِ .

بعد انتهاء غزوة أحد ، قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، عن شهداء المسلمين في هذه الغزوة :

” أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة ، وأمر بدفنهم بدمائهم ، ولم يُصَلّ عليهم ، ولم يُغَسَّلوا “. (رواه البخاري)

ولقد استُشهد سبعون من المسلمين في الغزوة ، في حين قُتل اثنان وعشرون من قريش وحلفائها .

وقد كانت خطة الدفاع الأولى عند المسلمين هي مجموعة من الرماة ، وكانوا خمسين راميًا ، أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم التمركز في وسط الجبل ناحية الضفة الشمالية ، وكان هذا الجبل يُسمى ( جبل الرماة ).

قال الرسول لقائدهم : ” انضح الخيل عنا بالنبل ، لا يأتونا من خلفنا ، إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك ، لا نؤتين من قبلك “.

وقال عليه الصلاة والسلام للرماة : ” احموا ظهورنا ، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا ، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا “.

ظهر المسلمون في أول الأمر ؛ فنزل أربعون من الرماة إلى الغنيمة ، فاستغل خالد بن الوليد وميسرة عكرمة بن أبي جهل الموقف ، وفي هجمة سريعة أطبقت الأجنحة على وسط المسلمين وتمكنت مجموعة من جيش مكة من الوصول إلى موقع الرسول صلى الله عليه وسلم ، فانتشرت شائعة حول وفاة النبى في المعركة .

ومما ذكره أهل العلم في أسباب هزيمة المسلمين في الغزوة أن الصحابة لما خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، أراد الله أن يعرفهم سوء عاقبة المعصية والفشل ، وأن الذي أصابهم إنما هو بشؤم ذلك ، كما قال تعالى : ” وَلَقَدۡ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥٓ إِذۡ تَحُسُّونَهُم بِإِذۡنِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَا فَشِلۡتُمۡ وَتَنَٰزَعۡتُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِ وَعَصَيۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَآ أَرَىٰكُم مَّا تُحِبُّونَۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلدُّنۡيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلۡأٓخِرَةَۚ ثُمَّ صَرَفَكُمۡ عَنۡهُمۡ لِيَبۡتَلِيَكُمۡۖ وَلَقَدۡ عَفَا عَنكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ “. (آل عمران : 152)

فلما ذاقوا عاقبة معصيتهم للرسول صلى الله عليه وسلم وتنازلهم وفشلهم ، كانوا بعد ذلك أشد حذرًا ويقظة وتحرزًا من أسباب الخذلان .

وفي هذا درس عظيم لنا معاشر المسلمين في هذه الأيام .

وكان من بين الشهداء : أسد الله ورسوله حمزة بن عبد المطلب ( سيد الشهداء ) ، ومصعب بن عمير ، وسعد بن الربيع ، وأنس بن النضر ، وحنظلة بن أبي عامر ، وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين .

ونأتي هنا إلى ذكر حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه ، فقد كان أحد هؤلاء الشهداء ، ولقد اشتُهر ولُقِّبَ في كتب السيرة النبوية بـ ” غسيل الملائكة ” ، وقال عنه ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى في كتابه [ الإصابة في تمييز الصحابة ] : { حنظلة بن أبي عامر بن صيفي بن مالك بن أمية بن ضبيعة بن زيد بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي المعروف بغسيل الملائكة }.

وغسيل الملائكة : أي الرجل الذي غسلته الملائكة .

ندعوكم لقراءة : حامل لواء اليمامة

قال الواقدي :
{ وكان حنظلة بن أبي عامر تزوج جميلة بنت عبدالله بن أبي ابن سلول ، فأُدْخِلَت عليه في الليلة التي في صبحها قتال أحُد ، وكان قد استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت عندها فأذن له ، فلما صلى بالصبح غدا يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولزمته جميلة فعاد فكان معها ، فأجنب منها ثم أراد الخروج ، وقد أرسلت قبل ذلك إلى أربعة من قومها فأشهدتهم أنه قد دخل بها .
فقيل لها بعد : لِمَ أشهدت عليه ؟
قالت : رأيت كأن السماء فرجت فدخل فيها حنظلة ثم أطبقت ، فقلت : هذه الشهادة ، فأشهدت عليه أنه قد دخل بها }.

وعن عبدالله بن الزبير رضي الله عنه قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن قتْلِ حنظلة بن أبي عامرٍ بعد أن التقى هو وأبو سفيان بن الحارث حين علاهُ شدّادُ بن الأسود بالسيف فقتله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن صاحبكُم تُغَسّله الملائكة ، فسألوا صاحبته ( زوجته ) فقالت : إنه خرج لمّا سمع الهائعة ( الصَّوت المفزع وهو منادي الجهاد سمع منادي النبي يدعو للخروج للجهاد ) وهو جنبٌ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك : غسَّلتْه الملائكة .
( رواه الحاكم والبيهقي وحسنه الألباني ).

وذكر السهيلي نقلًا عن الواقدي وغيره أن حنظلة رضي الله عنه بُحِثَ عنه في القتلى فوجدوه يقطر رأسه ماء ، وليس بقربه ماء ، تصديقًا لقوله صلى الله عليه وسلم : ” إن صاحبكُم تُغَسّله الملائكة “.

وتغسيل الملائكة لحنظلة رضي الله عنه من باب الفضل والكرامة له .

قال المناوي : { وكفى ( غسل الملائكة لحنظلة ) بهذا شرفًا ، وذا لا ينافيه الأخبار الناهية عن غُسل الشهيد ؛ لأن النهي وقع للمكلفين من بني آدم }.

  • أبوه الفاسق :

كان أبوه أبا عامر الراهب في الجاهلية يعتقد الحنيفية والتوحيد ، ويذكر البعث ويتحنث ، ويرجو أن يكون هو النبي المنتظر ، وكان ذا مكانة وطاعة ورأي في قومه ، والمقدم فيهم ، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسالة وهاجر إلى المدينة ، ولقي من أهلها القبول والرضى ، شرق عدو الله أبو عامر بالرسالة ، وامتلأ قلبه بالحقد والحسد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يعلم أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، وأن النبوة اصطفاء واختيار وتكريم من الله جل وعلا ينتقي لها من يشاء من عباده من سبقت له السعادة والسيادة من خلقه ، وليست هدفًا وغاية يسعى إليها من يريدها من الناس ، وقد شاركه هذا الحقد وهذا الحسد وهذه الضغينة على النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله بن أبي بن سلول ، الذي كان هو الآخر يرجو أن يتوج ملكًا على يثرب قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم .

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى