سبحانه من إله
سبحانه من إله :
- سبحانه ربي .. خالق الأرض والسموات العُلا .
- سبحانه .. يُنزِل من السماء ماء فيخرج به أزواجًا من نباتٍ شتى .
- سبحانه .. أعاد وأبدى ، وأمات وأحيا .
- سبحانه .. خلق الذكر والأنثى ، من نطفة إذا تُمنى .
- سبحانه .. سبحانه رب الآخرة والأولى .
- سبحانه .. مالك كل شيء في السموات وفي الأرض وما بينهما وما تحت الثرى .
- سبحانه .. فالق الحَبِّ والنَّوى .
- سبحانه ربي على عرشه استوى .
استوى استواءً يليق بجلاله وجماله وكماله وعظمته .
والعرش هو أرفع المخلوقات وأعظمها وأوسعها .
- سبحانه .. يعلم السِّرَ وأخفى .
- سبحان ربي .. له الأسماء الحسنى .
- سبحانه .. لا يضل ربي ولا ينسى .
يقول الله تعالى في القرآن الكريم معبرًا عن قدرته وعظمته :
” إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) “. (الأنعام : 95-99)
- شرح الكلمات :
( من زبدة التفاسير )
فالق الحب والنوى : شاق الحب كحب البر ليخرج منه الزرع ، والنوى واحده نواة وشقها ليخرج منها الفسيلة ( النخلة الصغيرة ).
يخرج الحي من الميت : الدجاجة من البيضة .
ومخرج الميت من الحي : البيضة من الدجاجة .
فأنى تؤفكون : كيف تصرفون عن توحيد الله الذي هذه قدرته إلى عبادة الجمادات .
فالق الإصباح : الإصباح : بمعنى الصبح وفلقه : شقه ليتفجر منه النور والضياء .
سكنا : يسكن فيه الناس ويخلدون للراحة .
حسبانًا : أي حسابًا بهما تعرف الأوقات الأيام والليالي والشهور والسنون .
تقدير العزيز العليم : إيجاد وتنظيم العزيز الغالب على أمره العليم بأحوال وأفعال عباده .
لتهتدوا بها : أي ليهتدي بها المسافرون في معرفة طرقهم في البر والبحر .
من نفس واحدة : هي آدم أبو البشر عليه السلام .
فمستقر : أي في الأرحام .
ومستودع : أي في أصلاب الرجال .
يفقهون : أسرار ألأشياء وعلل الأفعال فيهتدوا لما هو حق وخير .
خضرا : هو أول ما يخرج من الزرع ويُقال له القصيل الأخضر .
متراكبًا : أي بعضه فوق بعض وهو ظاهر في السنبلة .
طلعها : طلع النخل : زهرها .
قنوان : واحده قنو وهو العذق وهو العرجون بلغة أهل المغرب .
مشتبهًا وغير متشابه : في اللون وغير مشتبه في الطعم .
وينعه : أي نضجه واستوائه .
- يقول أهل التفسير :
يخبر تعالى عن كماله ، وعظمة سلطانه ، وقوة اقتداره ، وسعة رحمته ، وعموم كرمه ، وشدة عنايته بخلقه ، فقال :
{إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ} شامل لسائر الحبوب ، التي يباشر الناس زرعها ، والتي لا يباشرونها ، كالحبوب التي يبثها الله في البراري والقفار ، فيفلق الحبوب عن الزروع والنوابت ، على اختلاف أنواعها ، وأشكالها ، ومنافعها ، ويفلق النوى عن الأشجار ، من النخيل والفواكه ، وغير ذلك .. فينتفع الخلق ، من الآدميين والأنعام ، والدواب .. ويرتعون فيما فلق الله من الحب والنوى ، ويقتاتون ، وينتفعون بجميع أنواع المنافع التي جعلها الله في ذلك .
ويريهم الله من بره وإحسانه ما يبهر العقول ، ويذهل الفحول ، ويريهم من بدائع صنعته ، وكمال حكمته ، ما به يعرفونه ويوحدونه ، ويعلمون أنه هو الحق ، وأن عبادة ما سواه باطلة .
{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} كما يخرج من المَنِيّ حيوانًا ، ومن البيضة فرخًا ، ومن الحب والنوى زرعًا وشجرًا .
{وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ} وهو الذي لا نمو فيه ، أو لا روح {مِنَ الْحَيِّ} كما يخرج من الأشجار والزروع النوى والحب ، ويخرج من الطائر بيضًا ونحو ذلك .
{ذَلِكُمْ} الذي فعل ما فعل ، وانفرد بخلق هذه الأشياء وتدبيرها {اللَّهُ} رَبُّكُمْ أي : الذي له الألوهية والعبادة على خلقه أجمعين ، وهو الذي رَبَّى جميع العالمين بنعمه ، وغذاهم بكرمه .
{فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} أي : فأنى تصرفون ، وتصدون عن عبادة من هذا شأنه ، إلى عبادة من لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا ، ولا موتًا ، ولا حياةً ، ولا نشورًا ؟
ولما ذكر تعالى مادة خلق الأقوات ، ذكر منته بتهيئة المساكن ، وخلقه كل ما يحتاج إليه العباد ، من الضياء والظلمة ، وما يترتب على ذلك من أنواع المنافع والمصالح فقال : {فَالِقُ الإصْبَاحِ} أي : كما أنه فالق الحب والنوى ، كذلك هو فالق ظلمة الليل الداجي ، الشامل لما على وجه الأرض ، بضياء الصبح الذي يفلقه شيئًا فشيئًا ، حتى تذهب ظلمة الليل كلها ، ويخلفها الضياء والنور العام ، الذي يتصرف به الخلق في مصالحهم ، ومعايشهم ، ومنافع دينهم ودنياهم .
ولما كان الخلق محتاجين إلى السكون والاستقرار والراحة ، التي لا تتم بوجود النهار والنور {جَعَلَ} الله {اللَّيْلَ سَكَنًا} يسكن فيه الآدميون إلى دورهم ومنامهم، والأنعام إلى مأواها ، والطيور إلى أوكارها ، فتأخذ نصيبها من الراحة ، ويزيل الله ذلك بالضياء ، وهكذا أبدًا إلى يوم القيامة {و} جعل تعالى {الشمس وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} بهما تُعرَف الأزمنة والأوقات ، فتنضبط بذلك أوقات العبادات ، وآجال المعاملات ، ويعرف بها مدة ما مضى من الأوقات التي لولا وجود الشمس والقمر ، وتناوبهما واختلافهما ، لما عرف ذلك عامة الناس ، واشتركوا في علمه ، بل كان لا يعرفه إلا أفراد من الناس ، بعد الاجتهاد ؛ وبذلك يفوت من المصالح الضرورية ما يفوت .
{ذَلِكَ} التقدير المذكور {تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} الذي من عزته انقادت له هذه المخلوقات العظيمة ، فجرت مذللة مسخرة بأمره ، بحيث لا تتعدى ما حده الله لها ، ولا تتقدم عنه ولا تتأخر {الْعَلِيم} الذي أحاط علمه ، بالظواهر والبواطن ، والأوائل والأواخر .
ومن الأدلة العقلية على إحاطة علمه ، تسخير هذه المخلوقات العظيمة ، على تقدير ، ونظام بديع ، تحيُّرُ العقول في حسنه وكماله ، وموافقته للمصالح والحكم .
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} حين تشتبه عليكم المسالك ، ويتحير في سيره السالك ، فجعل الله النجوم هداية للخلق إلى السبل ، التي يحتاجون إلى سلوكها لمصالحهم ، وتجاراتهم ، وأسفارهم .
منها : نجوم لا تزال تُرى ، ولا تسير عن محلها ، ومنها : ما هو مستمر السير ، يعرف سيرَه أهل المعرفة بذلك ، ويعرفون به الجهات والأوقات .
ودلت هذه الآية ونحوها ، على مشروعية تعلم سير الكواكب ومحالّها الذي يُسَمَّى علم التسيير ، فإنه لا تتم الهداية ولا تمكن إلا بذلك .
{قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ} أي بيناها ، ووضحناها ، وميزنا كل جنس ونوع منها عن الآخر ، بحيث صارت آيات الله بادية ظاهرة {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أي : لأهل العلم والمعرفة ، فإنهم الذين يُوجَه إليهم الخطاب ، ويُطلَب منهم الجواب ، بخلاف أهل الجهل والجفاء ، المعرضين عن آيات الله ، وعن العلم الذي جاءت به الرسل ، فإن البيان لا يفيدهم شيئًا ، والتفصيل لا يزيل عنهم ملتبسًا ، والإيضاح لا يكشف لهم مشكلًا .
{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} وهو آدم عليه السلام .. أنشأ الله منه هذا العنصر الآدمي ؛ الذي قد ملأ الأرض ولم يزل في زيادة ونمو ، الذي قد تفاوت في أخلاقه وخلقه ، وأوصافه تفاوتًا لا يمكن ضبطه ، ولا يدرك وصفه ، وجعل الله لهم مستقرًا ؛ أي منتهى ينتهون إليه ، وغاية يُساقون إليها ، وهي دار القرار ، التي لا مستقر وراءها ، ولا نهاية فوقها ، فهذه الدار ، هي التي خلق الخلق لسكناها ، وأوُجدوا في الدنيا ليسعوا في أسبابها ، التي تنشأ عليها وتعمر بها ، وأودعهم الله في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم ، ثم في دار الدنيا ، ثم في البرزخ ، كل ذلك ، على وجه الوديعة ، التي لا تستقر ولا تثبت ، بل ينتقل منها حتى يوصل إلى الدار التي هي المستقر ، وأما هذه الدار ، فإنها مستودع وممر .
{قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} عن الله آياته ، ويفهمون عنه حججه ، وبيناته .
ومن أعظم مننه العظيمة ، التي يضطر إليها الخلق ، من الآدميين وغيرهم ، هو أنه أنزل من السماء ماءً متتابعًا وقت حاجة الناس إليه ، فأنبت الله به كل شيء ، مما يأكل الناس والأنعام ، فرتع الخلق بفضل الله ، وانبسطوا برزقه ، وفرحوا بإحسانه ، وزال عنهم الجدب واليأس والقحط ، ففرحت القلوب ، وأسفرت الوجوه ، وحصل للعباد من رحمة الرحمن الرحيم ، ما به يتمتعون وبه يرتعون ، مما يوجب لهم ، أن يبذلوا جهدهم في شكر من أسدى النعم ، وعبادته والإنابة إليه ، والمحبة له .
ولما ذكر عموم ما ينبت بالماء ، من أنواع الأشجار والنبات ، ذكر الزرع والنخل ، لكثرة نفعهما وكونهما قوتًا لأكثر الناس فقال : {فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ} أي : من ذلك النبات الخضر ، {حَبًّا مُتَرَاكِبًا} بعضه فوق بعض ، من بر ، وشعير ، وذرة ، وأرز ، وغير ذلك ، من أصناف الزروع ، وفي وصفه بأنه متراكب ، إشارة إلى أن حبوبه متعددة ، وجميعها تستمد من مادة واحدة ، وهي لا تختلط ، بل هي متفرقة الحبوب ، مجتمعة الأصول ، وإشارة أيضًا إلى كثرتها ، وشمول ريعها وغلتها ، ليبقى أصل البذر ، ويبقى بقية كثيرة للأكل والادخار .
{وَمِنَ النَّخْلِ} أخرج الله {مِنْ طَلْعِهَا} وهو الكفرى ، والوعاء قبل ظهور القنو منه ، فيخرج من ذلك الوعاء {قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ} أي : قريبة سهلة التناول ، متدلية على من أرادها ، بحيث لا يعسر التناول من النخل وإن طالت ، فإنه يوجد فيها كرب ومراقي ، يسهل صعودها .
{و} أخرج تعالى بالماء {جنات مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ} فهذه من الأشجار الكثيرة النفع ، العظيمة الوقع ، فلذلك خصها الله بالذكر بعد أن عَمَّ جميع الأشجار والنوابت .
وقوله {مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} يحتمل أن يرجع إلى الرمان والزيتون ، أي : مشتبهًا في شجره وورقه ، غير متشابه في ثمره .
ويحتمل أن يرجع ذلك ، إلى سائر الأشجار والفواكه ، وأن بعضها مشتبه ، يشبه بعضه بعضًا ، ويتقارب في بعض أوصافه ، وبعضها لا مشابهة بينه وبين غيره ، والكل ينتفع به العباد ، ويتفكهون ، ويقتاتون ، ويعتبرون ، ولهذا أمر تعالى بالاعتبار به ، فقال : {انْظُرُوا} نظر فكر واعتبار {إِلَى ثَمَرِهِ} أي : الأشجار كلها ، خصوصًا : النخل {إذا أثمر} .
{وَيَنْعِهِ} أي : انظروا إليه ، وقت إطلاعه ، ووقت نضجه وإيناعه ، فإن في ذلك عبرًا وآيات ، يستدل بها على رحمة الله ، وسعة إحسانه وجوده ، وكمال اقتداره وعنايته بعباده .
ولكن ليس كل أحد يعتبر ويتفكر وليس كل من تفكر ، أدرك المعنى المقصود ، ولهذا قيّد تعالى الانتفاع بالآيات بالمؤمنين فقال : {إِنَّ فِي ذَلِكَم لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} فإن المؤمنين يحملهم ما معهم من الإيمان ، على العمل بمقتضياته ولوازمه ، التي منها التفكر في آيات الله ، والاستنتاج منها ما يراد منها ، وما تدل عليه ، عقلًا وفكرة ، وشرعًا .
( عن تفسير : السعدي ).