رمضانيات :
هي نفحات ، وأيام وليالٍ مباركات ، نغتنمها في الطاعات ؛ صيام وقيام وصلوات ، ونكثر فيها من الصدقات ، والإصغاء إلى التلاوات ، ودروس العلم والابتهالات ، وترتفع أصوات الميكروفونات .
ونكثر من الدعوات للأحياء منا والأموات ، ونكثر فيها من الزيارات .
ونحذر من تضييع الأوقات ، في مشاهدة الأفلام والمسلسلات ، والجدال والمشاحنات ، وكثرة الخلافات .
ولا مانع من تناول أكلات من حلويات ؛ كنافة وقطايف ومكسرات .
ويسعد الأطفال بتعليق الأنوار والزينات .
– قراء في رمضان :
يميز الشارع المصري في شهر رمضان أصوات قارئي القرآن المعروفين في مصر ومنهم : الشيخ محمد رفعت ، والشيخ محمود خليل الحصري ، والشيخ مصطفى إسماعيل ، والشيخ عبد الباسط عبد الصمد ، والشيخ محمد صديق المنشاوي ، و الشيخ محمود علي البنا ، والشيخ الطبلاوي ، وغيرهم كثير .
وهناك أدعية الشيخ محمد متولي الشعراوي والتي تستمع إليها في كل مكان ، وذلك للحفاظ على روحانية هذا الشهر الكريم وصون عبادة الصيام .
– دولة القراءة :
يأتي شهر رمضان المعظم وتتلألأ أصوات مشاهير القراء ، حيث تضم مدرسة التلاوة المصرية العديد من الأسماء البارزة التي تعدت شهرتها حاجز الزمان والمكان ، يمتازون بجمال الصوت ووضوح المخارج والتمكن من الأحكام والضوابط ؛ فغالبية مشاهير القراء مصريون عَلَّمُوا العالم الإسلامي أصول وفن التلاوة بأصوات عبقرية متفردة ، وأرسى العديد منهم أسس التلاوة ، وكانت تلاوتهم لآيات القرآن الكريم مثار إبهار وتعظيم لكل من استمع إليهم .
وكان هؤلاء الأفذاذ سفراء لمصر بالخارج ؛ لإحياء ليالي هذا الشهر الفضيل ، وكانت لهم أيادٍ بيضاء يذكرها التاريخ ويكتبها بحروف من نور ، لا يراها الزمن ، ولا تمتد إليها يد الأيام لتُغَيِّر منها حرفًا أوخطًا .
– رمضان في مصر :
مع ثبوت رؤية هلال شهر رمضان المعظم ، يتحوّل الشارع المصري إلى احتفالية جميلة ، فتنشط حركة الناس في الأسواق بغرض شراء مستلزمات رمضان المتعارف عليها وتتزين الشوارع بالأوراق والفوانيس الملونة ، ويزيدها جمالًا منظر الأطفال الذين يحملون فوانيس رمضان التقليدية ، وهم ينشدون بعض الأغاني الفلكلورية ؛ ومن أشهرها :
( حَلُّو يا حلّو … رمضان كريم يا حَلّو ).
– الكنافة والقطايف وغيرهما :
هذه أنواع من الحلويات يزداد الإقبال عليها في شهر رمضان المبارك ، بل وأصبحت من طقوس الشهر الكريم .
ظهر ارتباط تلك الحلويات بشهر الصيام لأول مرة في العصر الفاطمي وتحديدًا عند دخول المعز لدين الله الفاطمي إلى القاهرة ؛ وكان ذلك في شهر رمضان المبارك ، وخرج الأهالي لاستقباله بعد الإفطار وقدموا له الهدايا والتي كان من بينها الكنافة التي انتقلت بعد ذلك إلى بلاد الشام عن طريق التجار .
ومن بين الحلوى التي يزداد الإقبال عليها خلال شهر رمضان ، وتتعدد الروايات التاريخية المتعلقة بأصلها وسبب تسميتها بهذا الاسم ” لقمة القاضي “.
وبالنسبة لبداية ظهورها ، فتقول إحدى الروايات : إن أصلها يعود للشعب اليوناني الذي أطلق عليها اسم ” لوكوماديس ” ، وكانت بداية ظهورها في مصر بمحافظة الإسكندرية ، وجاء ذلك نتيجة لاختلاط المصريين باليونانيين المقيمين هناك .
أما عن السبب وراء تسميتها بلقمة القاضي فتقول إحدى الروايات : إن ذلك الأمر يرجع إلى القرن الثالث عشر ، حيث كانت تقدم للقضاة بمدينة بغداد وكانوا يتناولونها كلما شعروا بالجوع كونها كانت عبارة عن لقيمات صغيرة سريعة الالتهام ، وكانت بذلك توفر عليهم الوقت .
وبالنسبة إلى القطايف ، فتوجد مراجع تاريخية موثقة تشير إلى أصل القطايف وسر ارتباطها بشهر رمضان ، لكن هناك العديد من الروايات التاريخية حول تاريخ ظهورها ، حيث يُقال على سبيل المثال إنها ظهرت في العصر الفاطمي ، فيما تشير روايات أخرى إلى أنها ظهرت خلال العصر المملوكي أو أواخر العصر الأموي وأوائل العباسي .
وتعد الكنافة زينة موائد الملوك والأمراء ، وأصل تسميتها بالمعني الحالي يرجع إلي الدولة الفاطمية .. وقد بدأت الكنافة طعامًا للخلفاء .
– كنافة معاوية :
وتشير الروايات إلي أن أول من قُدِمت له الكنافة هو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه حينما كان واليًا علي الشام ، كطعام السحور لتمنع عنه الجوع الذي كان يشعر به ، وقد قيل إنها صنعت خصيصًا لمعاوية بن أبي سفيان هي والقطائف .. وذهب بعض الرواة إلي أن معاوية صنعها بنفسه ؛ فأُطلق عليها لقب كنافة معاوية .
واتخذت الكنافة مكانتها بين أنواع الحلوى التي ابتدعها الفاطميون ، ومن لا يأكلها في الأيام العادية ، لابد أن يتناولها خلال رمضان ، وأصبحت بعد ذلك من العادات المرتبطة بشهر رمضان في العصور : الأيوبي والمملوكي والتركي والحديث والمعاصر ، باعتبارها طعامًا لكل غني وفقير ؛ مما أكسبها طابعها الشعبي .
والكنافة ثلاثة أنواع : الأول يُسمى «شعر» ، وذلك لخيوط الكنافة الرفيعة تمامًا مثل الشعر ، وهو الأشهر لربات البيوت ، والثاني «كنافة يدوي» وهي التي تعتمد علي الطريقة التقليدية من خلال الوعاء ذي الثقوب ، ويُطلق عليها «كنافة بلدي» ، أما النوع الثالث والذي تُستخدم فيه الآلة ويُطلق عليها «كنافة ماكينة» .
ومع تطور صناعة الحلوى أصبحت عِلمًا يُدرس في مختلف الجامعات !
ولا تزال الكنافة والقطايف من الأكلات المحببة لكثير من الشرقيين ، وقد فرضت الكنافة سيطرتها علي الشعراء فجاء شعرهم لها وصفًا وإعجابًا حتي إن بعض شعراء العرب نظموا فيهما الشعر .
– القطائف :
أما القطائف فأرجع المؤرخون أصل تسميتها إلي تشابه ملمسها مع ملمس قماش القطيفة ( المخمل ) ، وقيل أيضًا إنه عندما قدمت إبان العصر المملوكي اتخذت هذا الاسم ، وذلك حين قدمت كفطيرة محشوة ليقطفها الضيوف ؛ فلُقِبَت بــ فطيرة القطف ، ثم تحول الاسم عن طريق دخول العامية فتحولت إلي «قطايف» .
ويري البعض أن القطايف أسبق اكتشافًا من الكنافة حيث تعود إلي أواخر العهد الأموي وأول العباسي ، وفي روايات أخرى أنها تعود إلي العصر الفاطمي وقيل بل يرجع تاريخ صنعها إلي العهد المملوكي ، حيث كان يتنافس صناع الحلوى لتقديم ما هو أطيب ، فابتكر أحدهم فطيرة محشوة بالمكسرات وقدمها بشكل جميل مزينة في صحن كبير ليقطفها الضيوف .
ورغم سيطرة التكنولوجيا علي عمل الكنافة ، إلا أن هناك عددًا من الصناع مازال محتفظًا بالطريقة القديمة لعمل الكنافة البلدي .
– الياميش :
يشرح وسيم عفيفي الباحث في التراث أصل تلك الحلويات ويقول إن الياميش اسم مزج بين العامية المصرية والعهد الفاطمي .
ويعود أصل الاسم إلى منتصف العهد الفاطمي ، حيث يختصر عشرة أنواع من التسالي ، ومن أشهرها اجتمعت أحرف الكلمة حيث يشمل الياميش : الجوز ” عين الجمل ” والبندق واللوز والفستق ، وكلها مواد مغذية غنية بالبروتينات والدهون والزيوت ، ومن الفواكه المجففة الزبيب وهو العنب المجفف الخالي من البذور ، والمشمش المجفف وقمر الدين ، والتين المجفف ، والأراصيا الغنية بالسكريات والفيتامينات والمعادن والألياف .
لكن المجهول من تاريخ الياميش كما يقول عفيفي هو الأثر الفرعوني في صنعه حيث حدث مزج بين اللوز والجوز والزبيب ، وكانت تُصنع على شكل أسد صغير يقف على قدميه الخلفيتين ويرفع الأماميتين ويخرج لسانه بصورة مضحكة .
– أصل الكنافة والبقلاوة :
يقول عفيفي : إنه رغم الخلاف حول أصول البقلاوة بين الأتراك واليونانيين ، لكن غالبية المؤرخين يجمعون على أصلها التركي ، حيث عرفتها تركيا لأول مرة في عهد محمد الرابع حيث كان يحب زوجته ماه يارا المعروفة بـاسم رابعة كلنوش سلطان ولم يكن يأكل من يد أحد سواها ؛ فاخترعت أكلة جديدة على المطبخ العثماني ، حيث جاءت بالجلاش ووضعت بين طبقاته الحشو بأنواعه وأضافت السمن وأنضجته في الفرن ، ووضعت عليه العسل ، وعندما قدمته له أقر أنه لم يتذوق مثله ، ثم تم إطلاق اسم بقلافة عليه ليتغير بعد ذلك إلى بقلاوة اشتقاقًا من البقوليات التي فيه .
– سيدة الحلوى :
مرة أخرى نتحدث عن الكنافة ؛ لأهميتها وشهرتها ، فيقول وسيم عفيفي الباحث في التراث : إنها سيدة الحلوى بلا منازع في الشهر الفضيل .
أما عن تاريخها فينقل عن رياض هجرس الباحث في علوم الإنثروبولوجيا ، أنها ظهرت في دمشق عاصمة الخلافة الأموية حيث اشتكى معاوية بن أبي سفيان من شعوره المتكرر بالجوع فنصحه طبيبه السرياني بتناول طعام يحتوي على نشويات معقدة وسكريات عالية القيمة ودهون ، ومن ثم لا يتم هضمه سريعًا فيقلل الشعور بالجوع .
وأضاف أن طباخ القصر ابتكر عجينة بسيطة سائلة ولعبت الصدفة دورها حيث سقطت مغرفة قديمة في إناء العجين وعندما رفعها الطاهي سقطت خيوط رقيقة على الموقد سرعان ما نضجت فأُعجب الطاهي بشكلها وغمرها في السمن ثم أعاد تسويتها وغمرها في شراب كثيف من العسل وقدمها للخليفة الذي أُعجب بها إعجابًا كثيرًا ، ومن ثم عرفت الكنافة بكنافة معاوية منذ ذلك الوقت ببلاد الشام حتى تطورت إلى الشكل والاسم الحالي .
– أطباق رمضانية :
أوّل وأهم الأطباق : صحن الفول المدمس ، وهذا الطبق الرمضاني لا تكاد تخلو منه مائدة رمضانية ، حيث ينتشر باعة الفول في كل مكان في مصر ، بصوتهم المميّز الذي يحث الناس على الشراء قائلين :
( إن خلص الفول ، أنا مش مسؤول ).
وكذلك :
( ما خطرش في بالك يوم ، تفطر عندنا ؟ ).
والمائدة الرمضانية المصرية غنية جدًا ومتنوعة ، حيث يبدأ الناس بالإفطار على التمر اقتداءً بسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، مع شرب الحليب وقمر الدين والخروب ، و أكل ” الخشاف ” ، وقد يحلو للبعض أن يشرب العصائر الطازجة كالبرتقال أو المانجو .
وبعد العودة من صلاة المغرب يبدأ الناس بتناول الأطعمة التي تمتلئ بها الموائد بجميع أنواع الأطعمة ؛ مثل الملوخية والشوربة والخضار ، والمكرونة بالبشاميل ، وتتزين المائدة بالسلطة الخضراء أو سلطة الزبادي بالخيار ، والمحشيات عمومًا ، ومحشي الكرنب خصوصًا ، وورق العنب ، والدجاج المشوي أو بعض المشويات كالكباب والكفتة .
وتتنافس النساء مع بعضهن في تحضير الطعام وتبادل العزومات والولائم مع الأهل والأقارب .
كل عام وأنتم إلى الله أقرب .