رمضانيات :
هو شهرٌ يأتي كل عام ، وهو يأتي على الدوام ، يتميز عن بقية الشهور بالصيام ، وكثرة الصلاة فيه والصدقة والقيام ، ينفق فيه الأخيار الكرام ، ويتوارى فيه البخلاء اللئام .
وهو شهر القرآن الذي نقرأه على التمام .
– لعلكم تتقون :
قال الله عز وجل : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ “. (البقرة : 183)
يخاطب الله جل في علاه المؤمنين من أمة سيد المرسلين آمرًا إياهم بالصيام ، وهو : الإمساك عن الطعام والشراب والوقاع بنية خالصة لله عز وجل ، لما فيه من زكاة النفس وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة .. وذكر سبحانه وتعالى أنه كما أوجبه عليهم فقد أوجبه على من كان قبلهم ، فلهم فيه أسوة ، وليجتهد هؤلاء في أداء هذا الفرض أكمل مما فعله أولئك ، كما قال تعالى : ” لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ “. (المائدة : 48)
ولهذا قال سبحانه : ” يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ” ؛ لأن الصوم فيه تزكية للبدن وتضييق لمسالك الشيطان ؛ ولهذا ثبت في الصحيحين : « يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ».
فالتقوى هي المقصد الرئيسي من الصيام .
والتقوى هي : الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والرضا بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل ؛ كما قال الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه .
– متى فُرض صيام رمضان ؟
فُرض صيام شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة ، وصام الرسول ﷺ تسع رمضانات .
– صلاة التراويح :
هي صلاة القيام في رمضان ، وهي سنة مؤكدة للرجال والنساء ، تؤدى كل ليلة من ليالي شهر رمضان بعد صلاة العشاء ، ويستمر وقتها إلى قبيل الفجر ، وقد حث النبي محمد ﷺ على قيام رمضان فقال : « من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه». (متفق عليه)
وقد صلاها رسول الله ﷺ في جماعة ، ثم ترك الاجتماع عليها ؛ مخافة أن تُفرض على أمته ، كما ذكرت ذلك عنه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
والتراويح جمع ترويحة ؛ وسميت بذلك لأنهم كانوا أول ما اجتمعوا عليها يستريحون بين كل تسليمتين ، كما قال الحافظ ابن حجر ، وتُعرف كذلك بقيام رمضان .
– صلاها النبي في جماعة :
وقيام رمضان في جماعة مشروع سَنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يداوم عليه خشية أن يُفرض ؛ فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد ، وصلى رجال بصلاته ، فأصبح الناس فتحدثوا ، فاجتمع أكثر منهم ، فصلى فصلوا معه ، فأصبح الناس فتحدثوا ، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصُلِّي بصلاته ، فلما كانت الليلة الرابعة عَجَزَ المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح ، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال : أما بعد فإنه لم يخف عليِّ مكانكم ، ولكني خشيتُ أن تُفرض عليكم فتعجزوا عنها ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك .
– أحياها عمر :
ولما مات النبي محمد ﷺ وأٌمن فرضها أحيا هذه السنة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال : « خرجت مع عمر بن الخطاب ليلةً في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرَّهط ، فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أٌبي بن كعب ، ثم خرجت معه ليلة أخرى ، والناس يصلون بصلاة قارئهم ، قال عمر : نِعم البدعة هذه ، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون -يريد آخر الليل- وكان الناس يقومون أوله ».
– المسحراتي :
( اصحى يا نايم اصحى وحد الدايم .. وقول نويت بكره إن حييت .. الشهر صايم والفجر قايم .. اصحى يا نايم وحِّد الرزاق .. رمضان كريم ).
أبدع هذه الكلمات الشاعر الكبير فؤاد حداد ، وغناها الفنان الكبير سيد مكاوي .
تلك الكلمات التي كانت عنوانًا لشهر رمضان الكريم ، أضحت تراثًا إسلاميًّا يرتبط بشهر الصيام .
وكلمة المسحراتي مشتقة من كلمة سحور ، والمسحر هي وظيفة أو مهمة يقوم بها شخص لتنبيه المسلمين ببدء موعد السحور ، وبدء الاستعداد للصيام .
تبدأ هذه المهمة بانطلاق المسحر قبل صلاة الفجر بوقتٍ كافٍ ، يحمل في يده طبلة وعصا ، ينقر عليها صائحًا بصوت مرتفع : ( اصحى يا نايم اصحى وحد الدايم ).
– بلال وابن أم مكتوم :
بدأت تلك الوظيفة مع بدء التاريخ الإسلامي ، وكان بلال بن رباح ، أول مؤذن في الإسلام ، اعتاد أن يخرج قبل صلاة الفجر بصحبة ابن أم مكتوم ، ويقومان بمهمة إيقاظ الناس ، فكان الأول يطوف بالشوارع والطرقات مؤذنًا طوال شهر رمضان ، فيتناول الناس السحور ، في حين ينادي الثاني ، فيمتنع الناس عن تناول الطعام .
– قصة المسحراتي في مصر :
بَدَأت منذ ما يقرب من 12 قرنًا من الزمان ، وتحديدًا عام 853 ميلادية ، انتقلت مهمة المسحراتي إلي مصر ، وكان والي مصر العباسي إسحاق بن عقبة ، أول من طاف شوارع القاهرة ليلًا في رمضان لإيقاظ أهلها لتناول طعام السحور ، فقد كان يذهب سائرًا على قدميه من مدينة العسكر في الفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص ، وينادي الناس بالسحور .
ومنذ ما يقرب من ألف عام ، وتحديدًا في عصر الدولة الفاطمية ، أمر الحاكم بأمر الله ، الناس أن يناموا مبكرًا بعد صلاة التراويح ، وكان الجنود يمرون على المنازل ويدقون أبوابها ليوقظوا المسلمين للسحور ، حتي تم تعيين رجل للقيام بتلك المهمة ، أطلقوا عليم اسم ” المسحراتى ” ، كان يدق الأبواب بعصا يحملها قائلًا : ( يا أهل الله قوموا تسحروا ).
ولقد كادت مهنة المسحراتي أن تندثر في بلاد المحروسة ، إلي أن جاء العصر المملوكي ، وتحديدًا في عهد السلطان المملوكي الظاهر بيبرس ، والذي عمل علي إحيائها كتراث إسلامي ؛ ولتحقيق ذلك قام بتعيين صغار علماء الدين بالدق على أبواب البيوت ، لإيقاظ أهلها للسحور ، وبعد أكثر من نصف قرن ، وتحديدًا في عهد الناصر محمد بن قلاوون ، ظهرت طائفة أو نقابة المسحراتية ، والتي أسسها أبو بكر محمد بن عبد الغني ، الشهير بـ” ابن نقطة ” ، وهو مخترع فن ” القوما ” ، وهي شكل من أشكال التسابيح ، ولها علاقة كبيرة بالتسحير في شهر رمضان ، ظهرت في بغداد في بادئ الأمر ، قبل أن تنتقل إلي القاهرة .
كان ” ابن نقطة ” ، المسحراتي الخاص بالسلطان الناصر محمد بن قلاوون ، وعلي يديه تطورت مهنة المسحراتي ، فتم استخدام الطبلة والتي كان يُدق عليها دقات منتظمة ، وذلك بدلًا من استخدام العصا ، هذه الطبلة كانت تسمى ” بازة ” ، صغيرة الحجم يدق عليها المسحراتى دقات منتظمة .
تطورت مظاهر المهنة ، فأصبح المسحراتي يشدو بأشعار شعبية ، وقصص من الملاحم ، وزجل خاص بهذه المناسبة .
– الإذاعة والتليفزيون :
ومع التطور التكنولوجي ، وظهور الراديو والتليفزيون ، تراجعت مهنة المسحراتي .
وفي محاولة لجذب الانتباه إليه ، قام المسحراتي بتدوين أسماء كل من يرغب في النداء عليه لإيقاظه ، ورويدًا رويدًا ، بدأت مهنة المسحراتي تطرق أبواب الفنانين والشعراء ، أمثال بيرم التونسى وفؤاد حداد والفنان الراحل سيد مكاوى ، والذين تولوا مهمة نقل تلك الوظيفة إلي شاشة التليفزيون وميكروفون الإذاعة ، ليستخدموا أحدث التقنيات لإيقاظ الناس للسحور .