حسن تدبير الملك
حسن تدبير الملك :
لله در القائل :
ليس للإنسانِ إلا … ما قضى الله وقَدَّر
ليس لمخلوقٍ تدبيرٌ … بل الله المُدَبِّر
وقال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
إذا عقد القضاءُ عليك أمرًا … فليس يحله إلا القضاءُ
فما لك قد أقمت بدار ذلٍ … وأرض الله واسعةٌ فضاءُ
تبلغ باليسير فكل شيءٍ … من الدنيا يكونُ له انتهاءُ
وقال أيضًا :
ما لا يكونُ فلا يكونُ بحيلةٍ … أبدًا وما هو كائنٌ سيكونُ
سيكونُ ما هو كائنٌ في وقتهِ … وأخو الجهالة مُتعَبٌ مخزونُ
يسعى القوي فلا ينالُ بسعيهِ … حظًا ويحظى عاجزٌ ومهينُ
قال الله تبارك وتعالى :
« إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ». (يونس : 3)
يخبرنا الملك ، جل في علاه ، بأنه يدبر الأمر ؛ بمعنى أنه سبحانه ، يقدر الأمر ويسهله ، وينفذه بقدرته ، على أحسن حال ، وأحمد عاقبة .
قال الإمام ابن كثير ، في التفسير : يدبر أمر الخلائق ، ( لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ) [سبأ : 3].
ولا يشغله شأن عن شأن ، ولا تغلظه المسائل ، ولا يتبرم بإلحاح الملحين ولا يلهيه تدبير الكبير عن الصغير ، في الجبال والبحار والعمران والقفار ، ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ) [هود : 6] ، ( وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ) [الأنعام : 59].
وقال الإمام البيضاوي رحمه الله :
يدبر الأمر ـ يقدر أمر الكائنات على ما اقتضته حكمته ، وسبقت به كلمته ، ويهيئ بتحريكه أسبابها وينزلها منه .
والتدبير النظر في أدبار الأمور لتجيء محمودة العاقبة .
وقال الإمام الألوسي رحمه الله : وقوله تعالى : يدبر الأمر ـ استئناف لبيان حكمة استوائه جل وعلا على العرش وتقرير عظمته ، والتدبير في اللغة النظر في أدبار الأمور وعواقبها لتقع على الوجه المحمود ، والمراد به هنا : التقدير الجاري على وفق الحكمة والوجه الأتم الأكمل ، وأخرج أبو الشيخ وغيره عن مجاهد أن المعنى يقضي الأمر ، والمراد بالأمر أمر الكائنات علويها وسفليها حتى العرش ، فأل فيه للعهد أي يقدر أمر ذلك كله على الوجه الفائق ، والنمط اللائق حسبما تقتضيه المصلحة وتستدعيه الحكمة ، ويدخل فيما ذكر ما تعجبوا منه دخولًا ظاهرًا ، وزعم بعضهم أن المعنى يدبر ذلك على ما اقتضته حكمته ، ويهيئ أسبابه بسبب تحريك العرش ، وهو فلك الأفلاك عندهم ، وبحركته يحرك غيره من الأفلاك الممثلة وغيرها لقوة نفسه ، وقيل : لأن الكل في جوفه فيلزم من حركته حركته لزوم … اهـ .
ندعوكم لقراءة : كل شيء عنده بمقدار
وقال عز مِن قائل : « قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ». (يونس : 31)
في هذه الآية الكريمة ، يحتج الله عز وجل ، على المشركين باعترافهم بوحدانيته وربوبيته على وحدانية الإله فقال عز من قائل : ( قل من يرزقكم من السماء والأرض ) ؛ أي : من ذا الذي ينزل من السماء ماء المطر ، فيشق الأرض شقًّا بقدرته ومشيئته ، فيخرج منها ( حبًّا وعنبًا وقضبًا وزيتونًا ونخلًا وحدائق غلبًا وفاكهة وأبًا ) [عبس : 27-31].
أإله مع الله ؟
لا إله إلا الله .
- يقول ابن القيم رحمه الله تعالى :
يرسل الله المطر قطرات منفصلة لا تختلط قطرة منها بأخرى ، ولا يتقدم متأخرها ولا يتأخر متقدمها ، ولا تدرك القطرة صاحبتها فتمتزج بها ، ولو نزلت دفعة واحدة لهلك الناس و لفسد الزرع و الثمار .
فإن كان هذا حسن تدبيره في قطرات المطر ، فكيف بحسن تدبيره لأمورنا .
- ويقول ابن كثير :
وقوله : ( ومن يدبر الأمر ) أي : من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه ، وهو المتصرف الحاكم الذي لا معقب لحكمه ، ولا يُسأل عما يفعل وهم يسألون ، ( يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن ) [الرحمن : 29] ، فالملك كله العلوي والسفلي ، وما فيهما من ملائكة وإنس وجان ، فقيرون إليه ، عبيد له ، خاضعون لديه ، ( فسيقولون الله ) أي : هم يعلمون ذلك ويعترفون به ، ( فقل أفلا تتقون ) أي : أفلا تخافون منه أن تعبدوا معه غيره بآرائكم وجهلكم ؟!
- قال ابن حمديس :
سلم الأمر منك لله واعلم … أن ما قد قضى به سيكونُ
وإذا صح ذاك عندك فافهم … أن شغل الضمير منك جنونُ
هل نقيض السكون إلا حراك … ونقيض الحراك إلا السكونُ
هكذا ينقضي الزمان إلى أن … تشمل العالمين فيه المنونُ
وتقوم الموتى النيام إلى ما … كحلت بالحياة منه العيونُ
بجنان يقيم فيها مقيمٌ … أو بنارٍ فيها عذاب مهينُ