جناح الذل من الرحمة

جناح الذل من الرحمة :

يقول الله البر الرحيم في كتابه الكريم : ” وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ “. (الإسراء : 24)

شبّه المولى سبحانه وتعالى الذُّل بأنه أحد الطيور التي تخفض جناحها ، وتم الاستعارة عن الطائر هنا بأحد الصفات وهي الجناح ، وتم ذكر المشبه فقط وهو الذل .

واخفض لهما جناح الذل ؛ أي : تواضع لهما وتذلل ، ويكون جناح الذل بل خفض الجناح تمثيلًا في التواضع ، وجاز أن يكون استعارة في المفرد وهو الجناح ويكون الخفض ترشيحًا تبعيًا أو مستقلًا .

” وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا * رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا “. (الإسراء : 23-25)

– سؤال قاس وجواب من الماس :

س : يا شيخ أمي وأبي يطلبان مني طلبات كثيرة ، وأنا أدرس ، وهما لم يراعيا ذلك أحيانًا .

أرد عليهم بأني أذاكر .
ما الحكم وكيف أتصرف ؟

ج : بالله عليك لا تفوتنك مصاريع باب الجنة .
أنت الآن على ضربة معول من منجم ( مثاقيل الحسنات ) فلا تُلقِ ذراعك حين تلألأت أطراف الجواهر بين يديك .
أتعلم أن فئامًا من الشباب لا ينعمون بالنعمة التي أنت الآن في أعطافها ، قبض الله أرواح والديهم ، فكلما لفحتهم الذكريات تقطعت نياط قلوبهم يريدون لحظة يروون فيها نفوسهم من برهما ويبلّون ظمأ الإحسان للوالدين .
كم من شابٍ صلى على والديه تتقصف أضلاعه الآن يتمنى تلك الساعة التي يحمل فيها أكياسًا لهما من السوق ، أو يفتح باب السيارة لهما ليقلّهما لبعض شأنهما ، أو يكون هو وأشقاؤه خلف الوالد وهو يدخل وليمة أو مناسبة .
وكم من رجل يرى الآن في غرفة والدته الراحلة بقايا قنينات دوائها التي كان ينظم أقراصها لها ، يعصره الحنين عصرًا على تلك اللحظات ، وما بيده شيء ، وربما وارى دمعةّ حرى تتلامع فيها لوعات الفقد والغياب .
ولا شيء أشجى على أشداء الرجال من دمعة خفية على ذكرى والديهم .

لي قريب لم يجد شيئًا يبلّ كبده إلا أن يأخذ ( شيلة ) والدته الراحلة كل ليلة وينام عليها ويستنشق رائحتها !

باللهِ لو قيل لمثل هذا كم تدفع لتعود والدتك ؟
فسيقول : الدنيا كلها .
أما ترى ربنا في كتابه يطلب منا أن نتذلل له سبحانه .. ومع ذلك قال عن ‍الوالدين : ” وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ “.
بالله عليك أتعرف شيئًا في كتاب الله شنّع عليه القرآن أكثر من الشرك ؟
وأما قولك غفر الله لك : { يطلبون مني طلبات كثيرة }.

فالجواب : ارفع يديك شاكرًا حامدًا لله أنها ( كثيرة ).
سابق الريح في تحقيق مطالبهما وسترى الخيرات تُفتح لك ، وستشاهد من أبواب التوفيق ما لا يقع منك بحسبان .
أتعلم أن فئامًا من الناس يستثقل والداه أن يسألا أحدًا شيئًا ، ويخفيان حاجياتهما عن أبنائهم ، والأبناء يتسقّطون أخبار أمنيات والديهم من أصدقائهما وأصفيائهما ليفرحوهما بها .. وأنت قد أنعم الله عليك بوالدين ( يكرمانك ) بأن يطلبا منك ، و( يتفضلان ) عليك بأن يسألاك ، وأنت تتضايق من النعمة !!
أرأيت بالله عليك رجلًا تهطل عليه من الله العطايا ، فيمد للناس صحائف الشكوى من تتابعها ؟!

أتستشير كيف تتخلص من ضغط مطالب والديك ؟!!

سألتك بالله هل أنت جادّ ؟!

يا الله .. كم هو سؤالٌ قاسٍ ، عفا الله عنك .

– حقوق يصعب ردها :

أن تجمِّل منطقك مع الناس ، ولا تكترث لمنطقك مع والديك .

أن يكون كلامك مع الناس أجمل من كلامك مع والديك .

حين تبدأ بالخوف على والديك أكثر من خوفك منهم .

– اليُتم نوعان !!

أصغر : وهو فقد الوالدين .
وأكبر : وهو فقدُ رضاهما .

– نصيحة :

أطل النظر في وجه والديك ؛ فربما يأتي يوم تغمض فيه عينيك لتتذكر ملامحهما .

هم من جعلوك أميرًا في صغرك ، فاجعلهم ملوكًا عند كبرك .

ندعوكم لقراءة : قمة البر

– من فقه البر :

كثيرٌ من الناس الذين يحاولون بر والديهم يفتقدون فقه بر الوالدين في أمور لطيفة يسيرة ، لكنها للطفها قد تغيب عن أذهان الكثيرين بحكم الاعتياد على خلافها !!

ومن ذلك على سبيل المثال وليس على وجه الإجمال :

جاء النهي من السلف الصالح بعدم مجادلة الأب ومغالبته بالحجة ؛ ففي كتاب [ بر الوالدين ] لابن الجوزي قوله :
وقال يزيد بن أبي حبيب : ” إيجاب الحجة على الوالدين عقوق ” ؛ يعني الانتصار عليهما في الكلام .
وكذلك السعي لغلبة حجته على حجتهما بالجدال كما يفعل مع سائر الناس .

أن يحاول الولد فهم حاجات والديه ليبادر بها قبل طلبهما ؛ فذلك أبلغ وأكثر وقْعًا وحماية لهما من ذل المنة ، كالمبادرة بالإهداء والهبة لهما ليتصدقا ويهديا مثلًا .

حين يختارك الله ويصطفيك لتبرّ بأحد والديك أو كليهما ، فلا يفسدن الشيطان عليك هذا الاصطفاء ، فيقول لك :
وباقي إخوتك .. ما دورهم ؟ أين هم ؟

قال الحسن البصري لرجل :
” تَعَشَّ العشاء مع أمك ، تؤانسها وتجالسها وتقرُّ بك عينُها ، أحبُّ إليّ من حجة تطوُّعًا “.

إذا جرحك أبواك بقول أو فعل ؛ فاكظم غيظك ، وإن انفطر قلبك ؛ فإنهما سريعا الفيء والندم ، واعلم أن حزنك يفطر قلبيهما مرتين .

إظهار حسن علاقتك بأخواتك وإخوتك ، والسكوت عن ما قد يؤلمك منهم ، والتماس المعاذير لهم ، وإبداء محاسنهم ، وإخفاء مساوئهم أمام والديك ؛ فإنه يسرهما .

من المؤلم أن يكون للوالد عدد من الأبناء الكبار العقلاء ، ثم لا تكاد تراهم معه في حاجته ، بل يكون بصحبة صديق أو مع عامل يرافقه في المستشفى أو إلى المسجد أو في المناسبات ، ففي صحبتك له عِزٌ له وسرور وفخر وجزيل أجر لك ؛ تجد بوادره في ذريتك قبل آخرتك .

أن لا تفصلك هذه الأجهزة عن التواصل الحسي واللفظي مع الوالدين ، فهذا إثمٌ وعيبٌ عليك أن تكون بحضرتهما وتكون مشغولًا عنهما ؛ لأن في هذا استهانة بقدرهما وإيلامًا لهما !

حدثهما بما يريدان لا بما تريد ، وأشعرهما بأنك تحبهما وتسعد بخدمتهما ؛ فالعامل النفسي من أوسع مجالات البر إذا أحسنت استخدامه !

أن لا تشعرهما أنّ إخوتك لا يهتمون بهما ، وأنك البار الوحيد .
أكّد لهما أنهما قرة أعين لأبنائهما وأن تقصير فلان كان لظرف طارئ !

لا تحتد مع إخوتك في نقاش ، ولا ترتفع أصواتكم في حضرتهما ؛ ففيه إزعاج لهما ، وعدم احترام لمقامهما .

أن يَعْلَم الواحد منا أن والديه عند الكبر تضيق نفساهما ، وتكثر مطالبهما ، ويقل صبرهما ؛ ” فلا تقل لهما أف “.

الإلحاح على الله بالدعاء أن يعينك ويوفقك لبر والديك .

رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب .

– فضل الأم العظيم :

ما أروعه هذا الطفل ، الذى أوجز فأبدع فى عبارة من ست كلمات فقط ، أجاب بها عن سؤال فى امتحان مادة اللغة العربية عام 2016 ، حينما جاء التعبير :

( اكتب موضوعًا عن فضل الأم العظيم على أبنائها ) ؛ وكانت إجابته فى عبارة واحدة ، لخّص فيها معنى الحياة !

جملة واحدة أبكت كل من قرأها أو وقعت عيناه عليها ، وهى :

{ أمى ماتت ومات معها كل شيء }.

قام المصحح بتصوير السؤال والإجابة التى أشعلت مواقع التواصل الاجتماعى تعاطفًا مع الطالب صاحب الأحد عشر عامًا فى الصف الخامس الابتدائى .

هذا الطفل لم يكتب إلا ما يجيش به صدره ويعتصر به قلبه حزنًا على فراق أمه والتى هى الحياة بالنسبة له ، ولأى طفل ، بل لأى شخص فقد أمه .

الطالب : أسامة أحمد حماد .

بالصف الخامس الابتدائي في إحدى مدارس إدارة الشيخ زويد في شمال سيناء هو صاحب القصة المؤثرة والواقعية .

ماتت أمه بعد مرض شديد ألمَّ بها ، ومنذ هذا الوقت والمشهد تغير ، تولى أسامة مسئولية أسرته بسبب عجز والده الذي لا يستطيع الحركة .

وبين عشية وضحاها أصبح أسامة الطفل الصغير مسئولًا عن أب عاجز وأربع أخوات بعد وفاة أمه التي كانت تتولى المسئولية .

هو الطالب الذى أبكى ملايين من المصريين والعرب .

هو الطالب الذي بعد أن نشر مدرسه كلامه على وسائل التواصل الاجتماعي ؛ قرر محافظ شمال سيناء تكريمه .

وعندما ذهبوا لإحضاره إلى مقر المحافظة لمقابلة المحافظ لم يجدوه في منزله ، وجدوه يعمل في الحقل ، يعمل باليومية !

رفض الذهاب للتكريم !!

في البداية اعتقد الجميع ، بمَن فيهم المحافظ والمسئولون في الإدارة التعليمية ، أن أسباب الرفض قد تتعلق بموت أمه ، وأول ما تبادر إلى أذهانهم أنها قُتلت برصاص الإرهاب أو الأمن ، لكن كانت المفاجأة ، أسامة رفض الذهاب للتكريم حتى لا يفقد « اليومية » ، حتى لا تضيع 10 جنيهات يتحصل عليها من أجل إطعام أسرته .

وبعد أن أثارت تلك الإجابة ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي ووصلت إلى الإدارة التعليمية قال عادل عبد المنعم ، وكيل وزارة التربية والتعليم بمحافظة شمال سيناء : إن إدارة الشيخ زويد التعليمية قررت منح التلميذ 11 من أصل 14 علامة على جوابه عن السؤال المتعلق بالتعبير الإبداعي ، كما أن المديرية كرمته ، ومنحته شهادة تقدير لرفع روحه المعنوية ، لا سيما أن أمه توفيت منذ فترة قصيرة وهو لا يزال متأثرًا بهذا الحادث الأليم .

كما قرر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر التكفل بنفقات تعليم الطفل أسامة أحمد حمّاد وصرف إعانة شهرية لأسرته حتى التخرج من الجامعة ، وكلف المسؤولين بالمشيخة بالانتقال لمقر إقامته خلال أيام للبدء في تنفيذ القرار .

اللهم اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب .

Exit mobile version