ثبات حتى الممات :
على ملة الإسلام نثبت أيها الإخوة والأخوات ، نثبت ثباتًا حتى الممات ، في الحاضر وفيما هو آت .
وهذا الكلام مُوجَّه إلى كل الإخوة والأخوات ؛ من بنين وبنات ، أزواج وزوجات ، عاملين وعاملات ، فلاحين وفلاحات ، أطباء وطبيبات ، مهندسين ومهندسات ، معلمين ومعلمات ، طلبة وطالبات ، في المدارس والجامعات ، وغيرهم من كل الأعمار والفئات .
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى :
{ على قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار ؛ يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم ، وعلى قدر سيره على هذا الصراط ؛ يكون سيره على ذاك الصراط “.
( ابن القيم / مدارج السالكين 1 /16 ).
– هناك مثبتات في زمن الفتن ، نسأل الله أن يوفقنا إليها ، ويوفقنا إلى العمل بها :
- أولًا : القرآن الكريم :
يقول رب العزة سبحانه وتعالى :
” وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا “. (الفرقان : 32)
قال الذين كفروا بالله : هلَّا نُزِّل على الرسول هذا القرآن دفعة واحدة ، ولم يُنَزَّل عليه مفرقًا ، نزّلنا القرآن كذلك مفرقًا لتثبيت قلبك -أيها الرسول- بنزوله مرة بعد مرة ، وأنزلناه شيئًا بعد شيء لتسهيل فهمه وحفظه .
- ثانيًا : قراءة السيرة وقصص الأنبياء :
يقول الله تعالى :
” وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ “. (هود : 120)
ونقصُّ عليك -أيها النبي- من أخبار الرسل الذين كانوا قبلك ، كل ما تحتاج إليه مما يقوِّي قلبك للقيام بأعباء الرسالة ، وقد جاءك في هذه السورة وما اشتملت عليه من أخبار ، بيان الحق الذي أنت عليه ، وجاءك فيها موعظة يرتدع بها الكافرون ، وذكرى يتذكر بها المؤمنون بالله ورسله .
- ثالثًا : العلم والعمل :
” وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا “. (النساء : 66)
في عصرنا الحديث ، وواقعنا المعاصر ، نرى ونسمع على وسائل التواصل الاجتماعي ، كثيرًا من المواعظ والحكم ، ومع الأسف يغيب العمل .
فكيف لو عملنا بالمواعظ ، ” وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لأَتَيْنَـٰهُم مِّن لَّدُنَّآ أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا “.
قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
تدبُّر القرآن يزيد في علوم الإيمان وشواهده ، ويقوي الإرادة القلبيَّة ، ويحث على أعمال القلوب من التوكل والإخلاص والتعلق بالله .
من أسباب الفتنة : أن تترك ما أُمِرت به شرعًا ، وتنشغل بما لم تُؤمَر به ، ولن تُسأَل عنه : ” وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا “.
- رابعًا : الدعاء :
قال الله تعالى :
” وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ “. (غافر : 60)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” الدعاء هو العبادة “.
( رواه أبوداود والترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح ).
كان من دعاء الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم :
” يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّت قَلْبِي عَلَى دِينِك ”.
( رواه الترمذي ، وصححه الألباني في صحيح الجامع ).
عن أَنَسٍ رضى الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ :
” يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ”.
فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، آمَنَّا بِكَ ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا ؟
قَالَ : ” نَعَمْ ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ “.
( رواه الترمذي ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي وغيره ).
في حديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنها قالت : يا رسول اللَّه ، إنك تُكثر أن تدعو بهذا الدعاء ؟
فقال صلى الله عليه وسلم :
” إِنَّ قَلْبَ الْآدَمِيِّ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ عز وجل فَإِذَا شَاءَ أَزَاغَهُ ، وَإِذَا شَاءَ أَقَامَهُ “.
( صححه الألباني في صحيح ابن ماجه وغيره ).
- خامسًا : الرفقة الصالحة :
يقول الله تبارك وتعالى :
” وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا “. (الآية 28 من سورة الكهف)
في تفسير الجلالين :
«واصبر نفسك» احبسها «مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون» بعبادتهم «وجهه» تعالى لا شيئًا من أعراض الدنيا وهم الفقراء «ولا تعدُ» تنصرف «عيناك عنهم» عبر بهما عن صاحبهما «تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا» أي القرآن هو عيينة بن حصن وأصحابه «واتبعَ هواه» في الشرك «وكان أمره فرطا» إسرافا .
وقال غيرهما :
يقال : إنها نزلت في أشراف قريش حين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس معهم وحده ولا يجالسهم بضعفاء أصحابه كـ بلال وعمار وصهيب وخباب وابن مسعود ، وليخرج أولئك بمجلس على حدة ، فنهاه الله عن ذلك ، فقال : ” وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ “
(الأنعام : 52) الآية ، وأمره أن يصبر نفسه في الجلوس مع هؤلاء ، فقال : ” وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ” (الكهف : 28) الآية .
قال مسلم في صحيحه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن عبدالله الأسدي عن إسرائيل عن المقدام بن شريح عن أبيه عن سعد -هو ابن أبي وقاص- قال : { كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر ، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم : اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا ، قال : وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان نسيت اسميهما ، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع ، فحدَّث نفسه ؛ فأنزل الله عز وجل : ” وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ” (الأنعام : 52)}.
( انفرد بإخراجه مسلم دون البخاري ).
* الناس أشكال :
قال مالك بن دينار رحمه الله :
انظر إلى كل أخ لك وصاحب لك وصديق لك ، لا تستفيد في دينك منه خيرًا ؛ فانبذ عنك صحبته ، فإنما ذلك لك عدو .
الناس أشكال : الحمام مع الحمام ، والغراب مع الغراب ، والصَّعو ( طائر أصغر من العصفور ) مع الصعو ، وكلٌّ على شكله .
* اصحب أهل التقوى :
وأخيرًا : قال داود الطائي رحمه الله :
{ اصحب أهل التقوى ؛ فإنهم أيسر أهل الدنيا عليك مؤونة ، وأكثرهم لك معونة }.