ترتيل القرآن :
قال الله تعالى في كتابه العزيز : ” وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا “. (سورة المزّمِّل : 4)
تعلموا التجويد ؛ فالمد في القرآن وكأنما يخرج الهم من الصدر ، والإدغام يلم شتاته .
والإقلاب يقلب نون الحزن إلى ميم الرحمة .
والإخفاء تختفي معه كل الأوجاع وتطيب .
وغنة النون والميم يحلق بها الفؤاد في شمس لا تغيب .
القرآن حياة ، فكيف بالترتيل به ؟
ستحيا من جديد بإذن الله العزيز الحميد .
( د. أيمن سويد ).
– حياته من بعيد :
الدكتور أيمن رشدي سويد عالم في القراءات العشر ، ويقدم برنامجًا تلفزيونيًا خاصًا بالتجويد على قناة اقرأ الفضائية .
وُلد د. أيمن في دمشق في سوريا في 10 من ذي القعدة 1374هـ الموافق 26 من يونيو 1955م .
وهو مستشار في الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم التابعة لرابطة العالم الإسلامي .
– الماهر بالقرآن :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران ».
( متفق عليه ).
– نبي حسن الصوت :
قال رسولنا الكريم حسن الصوت والصورة والأخلاق صلى الله عليه وسلم :
« ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به ».
( متفق عليه ).
معنى ” أذن الله “ : أي استمع ، وهو إشارة إلى الرضا والقبول .
وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في العشاء بالتين والزيتون ، فما سمعت أحدًا أحسن صوتًا منه .
( متفق عليه ).
قال المعلم صلى الله عليه وسلم :
« خيركم من تعلم القرآن وعَلَّمه ».
( رواه البخاري ).
– تفسير الترتيل :
- قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله : أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلًا
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ أي : على النصف ، فيكون الثلثين ونحوها .
وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا فإن ترتيل القرآن به يحصل التدبر والتفكر ، وتحريك القلوب به ، والتعبد بآياته ، والتهيؤ والاستعداد التام له .
- وهذا الإمام ابن كثير يقول في التفسير :
وقوله : ( وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ) أي : اقرأه على تمهل ، فإنه يكون عونًا على فهم القرآن وتدبره .. وكذلك كان يقرأ صلوات الله وسلامه عليه ، قالت عائشة : كان يقرأ السورة فيرتلها ، حتى تكون أطول من أطول منها .
وفي صحيح البخاري ، عن أنس : أنه سُئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : كانت مدًّا ، ثم قرأ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) يمد ” بسم الله ” ، ويمد ” الرحمن ” ، ويمد ” الرحيم “.
وقال ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة : أنها سُئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : كان يقطع قراءته آية آية ، ” بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ . ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ . ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيمِ . مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ “. (رواه أحمد وأبو داود والترمذي)
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبدالله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” يقال لصاحب القرآن : اقرأ وارق ، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها “.
( رواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث سفيان الثوري به ، وقال الترمذي : حسن صحيح ).
وقد قدمنا في أول التفسير الأحاديث الدالة على استحباب الترتيل وتحسين الصوت بالقراءة ، كما جاء في الحديث :
” زينوا القرآن بأصواتكم ” ، و ” ليس منا من لم يتغن بالقرآن ” ، و ” لقد أوتي هذا مزمارًا من مزامير آل داود ” يعني : أبا موسى ، فقال أبو موسى : لو كنت أعلم أنك كنت تسمع قراءتي لحبرته لك تحبيرا .
وعن ابن مسعود أنه قال : لا تنثروه نثر الرمل ولا تهذوه هذ الشعر ، قفوا عند عجائبه ، وحركوا به القلوب ، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة . (رواه البغوي)
قال البخاري رحمه الله : حدثنا آدم ، حدثنا شعبة ، حدثنا عمرو بن مرة : سمعت أبا وائل قال : جاء رجل إلى ابن مسعود فقال : قرأت المفصل الليلة في ركعة ، فقال : هذا كهذ الشعر .
لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن ، فذكر عشرين سورة من المفصل ، سورتين في ركعة .
وهذا إمامنا الراحل الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الشريف رحمه الله ، يقول في [ الوسيط ] :
وقوله سبحانه :
أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا .
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ .
تخيير له صلى الله عليه وسلم فيما يفعله ، وإظهار لما اشتملت عليه شريعة الإسلام من يسر وسماحة .
فكأنه تعالى يقول له على سبيل التلطف والإرشاد إلى ما يشرح صدره – يا أيها المتلفف بثيابه- ، قم الليل للعبادة والصلاة ، إلا وقتًا قليلًا منه يكون لراحتك ونومك ، وهذا الوقت القليل المتخذ للنوم والراحة قد يكون نصف الليل ، أو قد يكون أقل من النصف بأن يكون في حدود ثلث الليل ، ولك -أيها الرسول الكريم- أن تزيد على ذلك ، بأن تجعل ثلثى الليل للعبادة ، وثلثه للنوم والراحة .
فأنت ترى أن الله تعالى قد رخّص لنبيه صلى الله عليه وسلم في أن يجعل نصف الليل أو ثلثه ، أو ثلثيه للعبادة والطاعة ، وأن يجعل المقدار الباقي من الليل للنوم والراحة .
وخص سبحانه الليل بالقيام ؛ لأنه وقت سكون الأصوات ، فتكون العبادة فيه أكثر خشوعًا ، وأدعى لصفاء النفس ، وطهارة القلب ، وحسن الصلة بالله عز وجل .
– قيام الليل :
ويضيف فضيلة الإمام بقوله :
هذا ، وقد استمر وجوب الليل على الرسول صلى الله عليه وسلم حتى بعد فرض الصلوات الخمس عليه وعلى أمته ؛ تعظيمًا لشأنه ، ومداومة له على مناجاة ربه ، خصوصًا في الثلث الأخير من الليل ، يدل على ذلك قوله تعالى :
” وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحْمُودًا “.
وقد كان المسلمون يقتدون بالرسول صلى الله عليه وسلم في قيام الليل وقد أثنى سبحانه عليهم بسبب ذلك في آيات كثيرة منها قوله تعالى : ” تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ “.
وقد ذكر الإمام أحمد حديثًا طويلًا عن سعيد بن هشام ، وفيه أنه سأل السيدة عائشة رضي الله عنها عن قيامه صلى الله عليه وسلم بالليل ، فقالت له : ألست تقرأ هذه السورة : يا أيها المزمل .
إن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولًا حتى انتفخت أقدامهم .
وأمسك الله ختامها في السماء اثني عشر شهرًا .
ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة ؛ فصار قيام الليل تطوعًا من بعد فريضة .
قال القرطبي ما ملخصه : واختلف : هل كان قيام الليل فرضًا وحتمًا ، أو كان ندبًا وحضًا ؟
والدلائل تقوى أن قيامه كان حتمًا وفرضًا ، وذلك أن الندب والحض ، لا يقع على بعض الليل دون بعض ؛ لأن قيامه ليس مخصوصًا به وقت دون وقت .
واختلف -أيضًا- هل كان فرضًا على النبي صلى الله عليه وسلم وحده ؟
أو عليه وعلى من كان قبله من الأنبياء ؟
أو عليه وعلى أمته ؟
ثلاثة أقوال :
أصحها ثالثها .
للحديث المتقدم الذي رواه سعيد بن هشام عن عائشة رضى الله عنها .
وقال بعض العلماء بعد أن ساق أقوال العلماء في هذه المسألة بشيء من التفصيل : والذي يُستخلص من ذلك أن أرجح الأقوال ، هو القول القائل بأن التهجد كان فريضة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته ، إذ هو الذي يمكن أن تأتلف عليه النصوص القرآنية ، ويشهد له ما تقدم من الآثار عن ابن عباس وعائشة وغيرهما .
ويرى بعض العلماء أن وجوب التهجد باق على الناس جميعًا ، وأنه لم يُنسَخ ، وإنما الذي نسخ هو وجوب قيام جزء مقدر من الليل ، لا ينقص كثيرًا عن النصف .
ويُرد على هذا القول بما ثبت في الصحيحين ، من أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي سأله عما يجب عليه من صلاة ؟
قال : « خمس صلوات في اليوم والليلة ».
قال : هل عليَّ غيرها ؟
قال : « لا ، إلا أن تطوع ».
ويرى فريق آخر : أن قيام الليل نُسخ عن الرسول وعن أمته بآخر سورة المزمل ، واستُبدل به قراءة القرآن ، على ما يعطيه قوله تعالى : ” عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ”.
ويدل عليه أيضًا ظاهر ما روى عن عائشة ، من قولها : فصار قيام الليل تطوعًا من بعد الفريضة ، دون أن تقيد ذلك بقيد .
ويرى فريق ثالث : أن وجوب التهجد استمر على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الأمة ، حتى نُسخ بالصلوات الخمس ليلة المعراج .
ويرى فريق رابع : أن قيام الليل نُسخ عن الأمة وحدها ، وبقي وجوبه على النبي صلى الله عليه وسلم على ما يعطيه ظاهر آية الإسراء .
ولعل أرجح هذه الأقوال هو القول الرابع .
فإن آية سورة الإسراء وهي قوله تعالى : ” وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ “.
تدل على أن وجوب التهجد قد بقي عليه صلى الله عليه وسلم .
- ويضيف فضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوي بقوله عن ترتيل القرآن :
وقوله تعالى : ” وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا “.
إرشاد له صلى الله عليه وسلم ولأمته إلى أفضل طريقة لقراءة القرآن الكريم ، حتى يستمروا عليها ، وهم في أول عهدهم بنزول القرآن الكريم .
– تعريف الترتيل :
الترتيل : جعل الشيء مرتلًا ؛ أى : مُنسقًا مُنظَمًا ، ومنه قولهم : ثَغرٌ مرتل ؛ أى : منظم الأسنان ، لم يشذ بعضها عن بعض .
والمعنى :
قُم -أيها الرسول الكريم- الليل إلا قليلًا منه ، متعبدًا لربك مرتلًا للقرآن ترتيلًا جميلًا حسنًا ، تستبين معه الكلمات والحروف ، حتى يفهمها السامع ، وحتى يكون ذلك أعون على حسن تدبره ، وأثبت لمعانيه في القلب .
قال الإمام ابن كثير : وكذلك كان يقرأ صلى الله عليه وسلم ، فقد قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة فيرتلها .
وسُئل أنس عن قراءته صلى الله عليه وسلم ، فقال : كانت مدا .
وقال صلى الله عليه وسلم :
« زينوا القرآن بأصواتكم ».
وقال عبد الله بن مسعود : لا تنثروه نثر الرمل ، ولا تهذوه هذّ الشّعر ، وقفوا عند عجائبه ، وحرِّكوا به القلوب ؛ أى لا تسرعوا في قراءته كما تسرعوا في قراءة الشعر .
والهذ : سرعة القطع هذا .
وليس معنى قوله سبحانه : ” وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا “.
أن يُقرأ بطريقة فيها تلحين أو تطريب يُغيِّر من ألفاظ القرآن ، ويخل بالقراءة الصحيحة من حيث الأداء ، ومخارج الحروف ، والغن والمد ، والإدغام والإظهار ، وغير ذلك مما تقتضيه القراءة السليمة للقرآن الكريم .
وإنما معنى قوله تعالى : ” وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ” أن يقرأه بصوت جميل وبخشوع وتدبر ، وبالتزام تام للقراءة الصحيحة ، من حيث مخارج الحروف ، ومن حيث الوقف والمد والإظهار والإخفاء ، وغير ذلك .