تحذير نبوي

قال المعلم صلى الله عليه وسلم في تحذير نبوي خطير : ” إنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إلى اللَّهِ الألَدُّ الخَصِمُ “. (رواه البخاري)

* إياك و الألَدُّ الخَصِمُ *

لقدْ حثَّ الإسلامُ على الأخلاقِ الحَسَنةِ في مُعامَلةِ النَّاسِ ، فرَغَّبَ في حُسْنِ مُعاشَرتِهِمْ واللِّينِ معهم .

وفي هذا الحَديثِ تَحذيرٌ شَديدٌ للمُتَّصفِ باللَّدَدِ في الخُصومةِ ، وأنَّه أبغَضُ الرِّجالِ إلى اللهِ تعالَى .

والألدُّ الخَصِمُ هو المُولَعُ بِالخُصومِة -وهي النِّزاعُ والمُجادَلةُ- ، الماهرُ فيها ، والدَّائمُ فيها كذلِك .

فكن حذرًا من أبغض الرجال عند الله .. وإنَّما كان هذا الرَّجلُ هو أبغَضَ الرِّجالِ إلى اللهِ تعالَى ؛ أي : يَكرَهُه اللهُ عزَّ وجلَّ كَراهيةً شَديدةً .

وبُغْضُ اللهِ عزَّ وجلَّ للإنسانِ يَترتَّبُ عليه الإثمُ والعُقوبةُ ؛ لأنَّه يُجادِلُ عَنِ الباطلِ ، وذلِك يَحمِلُ على ضَياعِ الحقِّ ، والمَطْلِ بالحقوقِ وظُلمِ أصحابِها ، ونُصرةِ الباطلِ .

وقدْ قال تعالَى : ” وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ “. (البقرة : 204)

والحديثُ تَحذيرٌ أيضًا لمَن يُخاصِمُ بحقٍّ لكنَّه لا يَقتصِرُ على قدْرِ الخطَأِ ، بلْ يُظهِرُ الزِّيادةَ ويُبالِغُ في الخُصومةِ ، أو يَمزُجُ بطَلَبِ حقِّه كَلماتٍ مُؤذِيةً ، أو يُجادِلُ بغيرِ عِلمٍ .

هذا تحذير نبوي ، فاحذر يا عبدالله .. إياك والألَدُّ الخَصِمُ .

ندعوكم لقراءة : حديث تكلم بقرة

– عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إياكم والظنَّ ؛ فإنَّ الظنَّ أكذب الحديث “. (متفق عليه)

قال الصنعاني : { المراد بقوله صلى الله عليه وسلم : ” إياكم والظنَّ ” سوء الظنِّ به تعالى ، وبكلِّ من ظاهره العدالة من المسلمين ، وقوله : ” فإن الظن أكذب الحديث ” سماه حديثًا ؛ لأنَّه حديث النفس ، وإنما كان الظنُّ أكذب الحديث ؛ لأنَّ الكذب مخالفة الواقع من غير استناد إلى أمارة ، وقُبْحُهُ ظاهر لا يحتاج إلى إظهاره .
وأما الظن فيزعم صاحبه أنه استند إلى شيء ، فيخفى على السامع كونه كاذبًا بحسب الغالب ، فكان أكذب الحديث .
والحديث وارد في حقِّ من لم يظهر منه شتم ولا فحش ولا فجور }.

وقال المُلا علي القاري : { ” إياكم والظن ” أي : احذروا اتباع الظن في أمر الدين الذي مبناه على اليقين ، قال تعالى : “وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ” (يونس : 36) }.

وقال القاضي : { التحذير عن الظن فيما يجب فيه القطع ، أو التحدث به عند الاستغناء عنه أو عما يظن كذبه .. أو اجتنبوا الظن في التحديث والإخبار ، ويؤيده قوله : ” فإنَّ الظنَّ ” في موضع الظاهر زيادة تمكين في ذهن السامع حثًّا على اجتناب أكذب الحديث }.

– وعن صفية بنت حيي أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : ” كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفًا ، فأتيته أزوره ليلًا ، فحدثته ، ثم قمت لأنقلب ، فقام معي ليقلبني ، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد ، فَمَرّ رجلان من الأنصار ، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : على رِسلِكُما ، إنها صفية بنت حيي .. فقالا : سبحان الله يا رسول الله ، قال : إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًّا أو قال : شيئًا “. (رواه مسلم)

قال النووي : { الحديث فيه فوائد ، منها بيان كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ، ومراعاته لمصالحهم ، وصيانة قلوبهم وجوارحهم ، وكان بالمؤمنين رحيمًا ؛ فخاف صلى الله عليه وسلم أن يلقي الشيطان فى قلوبهما فيهلكا ؛ فإنَّ ظنَّ السوء بالأنبياء كفرٌ بالإجماع ، والكبائر غير جائزة عليهم ، وفيه أنَّ من ظنَّ شيئًا من نحو هذا بالنبي صلى الله عليه وسلم كَفَر ، وفيه استحباب التحرز من التعرض لسوء ظن الناس في الإنسان ، وطلب السلامة ، والاعتذار بالأعذار الصحيحة ، وأنه متى فعل ما قد ينكر ظاهره مما هو حق ، وقد يخفى أن يبين حاله ليدفع ظنَّ السوء }.

– وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إنَّ الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم “. (صححه الألباني)

قال المناوي : { ” إنَّ الأمير إذا ابتغى الريبة ” أي : طلب الريبة ، أي : التهمة في الناس بنية فضحهم ، أفسدهم وما أمهلهم ، وجاهرهم بسوء الظن فيهم ، فيؤديهم ذلك إلى ارتكاب ما ظن بهم ورُموا به ففسدوا ، ومقصود الحديث حث الإمام على التغافل }.

صلى الله وسلم وبارك عليك أيها المعلم المربي ..

صلوا عليه وسلموا تسليما .

Exit mobile version