أذن خير لكم :
رسول الله صلى الله عليه وسلم البشير النذير ، السراج المنير .
قال عنه جماعة من المنافقين : هو أُذُن ؛ أي يسمع من كل أحدٍ ما يقول فيقبله ويصدِّقه .
وهو من قولهم : ” رجل أُذُنة ” ، مثل ” فعلة ” إذا كان يسرع الاستماع والقبول .
كما يقال : ” هو يَقَن ، ويَقِن ” إذا كان ذا يقين بكل ما حُدِّث .
وأصله من ” أذِن له يأذَن ” ، إذا استمع له .
والمنافقون في كل زمانٍ ومكان ، ديدنهم واحد ، وحديثهم عن أهل العلم والفضل متشابه لا يكاد يتغير ؛ ذلك أن قلوبهم مريضة ، وأكاذيبهم عريضة ، لا يرقبون في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمة ، يستمتعون بتشويه السمعة ، حتى في صلاة الجمعة .
قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
المنافق : قولُهُ جميل ، وفِعلُه الداء الدَّخيل .
- في الدرك الأسفل :
قال الله الملك الحق :
” إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا “. (النساء : 145)
فالنفاق من أعظم الذنوب عند الله عز وجل ، وهو القول باللسان أو الفعل بخلاف ما في القلب .
وكفى بحبيبنا المصطفى ، أن الذي يذب عنه هو ربه ومولاه ، الذي أرسله واصطفاه ؛ فقال في قرآن يُتلَى إلى قيام الساعة :
” وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ “. (التوبة : 61)
يقول الله جلَّ في عُلاه :
( قل أذن خير لكم ) ؛ أي : يسمع الخير ويصدِّق به .
( يؤمن بالله ) ؛ أي : يصدِّق بالله وحده لا شريك له .
( ويؤمن للمؤمنين ) ؛ أي : ويصدق المؤمنين ، لا الكافرين ولا المنافقين .
وهذا تكذيب من الله للمنافقين الذين قالوا : ” محمد أذن! ” يقول جل ثناؤه : إنما محمد صلى الله عليه وسلم مستمعُ خيرٍ ؛ يصدِّق بالله وبما جاءه من عنده ، ويصدق المؤمنين ، لا أهل النفاق والكفر بالله .
وكفى بالله وليًّا ، وكفى بالله نصيرا .
ندعوكم لقراءة : وما ينطق عن الهوى
- تفسير الميسر للآية :
ومن المنافقين قوم يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكلام ، ويقولون : إنه يستمع لكل ما يُقال له فيصدقه ، قل لهم -أيها النبي- : إن محمدًا هو أذن تستمع لكل خير ، يؤمن بالله ويصدق المؤمنين فيما يخبرونه ، وهو رحمة لمن اتبعه واهتدى بهداه .
والذين يؤذون رسول الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بأي نوع من أنواع الإيذاء ، لهم عذابٌ مؤلمٌ مُوجع .
- لهم عذابٌ أليم :
هؤلاء المنافقون الكاذبون ، الذين يقولون ما لا يفعلون ، توعدهم رب العزة بعذابٍ أليمٍ في الآخرة ؛ ذلك بقولهم وإيذائهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
- يقول الإمام ابن كثير في التفسير :
يقول تعالى : ومن المنافقين قوم يؤذون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالكلام فيه ويقولون : ( هو أذن ) أي : من قال له شيئًا صدَّقه ، ومن حدَّثه فينا صدقه ، فإذا جئنا وحلفنا له صدقنا .. رُوِي معناه عن ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة .
قال الله تعالى : ( قل أذن خير لكم ) أي : هو أذن خير ، يعرف الصادق من الكاذب ، ( يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) أي : ويصدق المؤمنين ، ( ورحمة للذين آمنوا منكم ) أي : وهو حجة على الكافرين ؛ ولهذا قال : ( والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم ).