طبيب القلوب

طبيب القلوب :

نبينا الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ، هو طب القلوب ودواؤها ، ونور الأبصار وضياؤها ، وعافية الأبدان وشفاؤها .

ولله در الشاعر القائل :

يا مَن شكوتَ تعاسةً وهُموما … ورجوتَ من بعدِ الشقاءِ نعيما

اللهُ يكفي همَّ مَن صلوا على … طِبِّ القلوبِ وسلَّموا تسليما

يقول طبيب القلوب الأول ، المعلم صلى الله عليه وسلم ، كما روى النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
” أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ “. (متفق عليه)

يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى : { القوم إذا صلحت قلوبهم فلم يبقَ فيها إرادة لغير الله عز وجل صلحت جوارحهم فلم تتحرك إلا لله عز وجل ، وبما فيه رضاه }.

ويقول أيضًا : { ويلزم من صلاح حركات القلب صلاح حركات الجوارح }.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ ، وَأَعْمَالِكُمْ “. (رواه مسلم)

فالواجب كل مسلم رضي بالله ربًّا ، وبالإسلام دينًا ، وبمحمدٍ صلى الله عليه نبيًّا ورسولًا ، أن يهتم بصلاح قلبه ، فيتفقده دائمًا ، ويتجنب ما قد يعرض له من المفسدات ، سواء أكانت من الشبهات أم من الشهوات ؛ وذلك لأنه إذا صلح القلب تبعته جميع أعضاء البدن .

كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم :
” اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ “. (رواه مسلم)

وكان صلى الله عليه وسلم يعلِّم أصحابه رضي الله عنهم أن يدعوا بهذا الدعاء :
” اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا ، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا “. (رواه أحمد)

قل للحروفِ إذا سكبت عبيرَهَا … مَنْ غير أحمد يستحقُ مدائحي

صلَّى عليك الله ما سارت بنا … أرضٌ وثار الشوقُ بين جوانحي

انظروا كيف تعامل طبيب القلوب في هذا الموقف العجيب مع هذا الصحابي الذي لا يعرف الحكم الشرعي ، قال معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه :
بيْنَا أنَا أُصَلِّي مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ، إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ ، فَقُلتُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ؛ فَرَمَانِي القَوْمُ بأَبْصَارِهِمْ ، فَقُلتُ : واثُكْلَ أُمِّيَاهْ ، ما شَأْنُكُمْ ؟ تَنْظُرُونَ إلَيَّ ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بأَيْدِيهِمْ علَى أفْخَاذِهِمْ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ ، فَلَمَّا صَلَّى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ، فَبِأَبِي هو وأُمِّي ، ما رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ ولَا بَعْدَهُ أحْسَنَ تَعْلِيمًا منه ، فَوَاللَّهِ ، ما كَهَرَنِي ولَا ضَرَبَنِي ولَا شَتَمَنِي ، قالَ : ” إنَّ هذِه الصَّلَاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شيءٌ مِن كَلَامِ النَّاسِ ، إنَّما هو التَّسْبِيحُ والتَّكْبِيرُ وقِرَاءَةُ القُرْآنِ “.
أَوْ كما قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قُلتُ : يا رَسولَ اللهِ ، إنِّي حَديثُ عَهْدٍ بجَاهِلِيَّةٍ ، وقدْ جَاءَ اللَّهُ بالإِسْلَامِ ، وإنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الكُهَّانَ ، قالَ : ” فلا تَأْتِهِمْ “ ، قالَ : ومِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ ، قالَ : ” ذَاكَ شيءٌ يَجِدُونَهُ في صُدُورِهِمْ ، فلا يَصُدَّنَّهُمْ “.
قالَ ابنُ الصَّبَّاحِ : فلا يَصُدَّنَّكُمْ ، قالَ قُلتُ : ومِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ ، قالَ : كانَ نَبِيٌّ مِنَ الأنْبِيَاءِ يَخُطُّ ، فمَن وافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ قالَ : وكَانَتْ لي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لي قِبَلَ أُحُدٍ والْجَوَّانِيَّةِ ، فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَومٍ فَإِذَا الذِّيبُ قدْ ذَهَبَ بشَاةٍ مِن غَنَمِهَا ، وأَنَا رَجُلٌ مِن بَنِي آدَمَ ، آسَفُ كما يَأْسَفُونَ ، لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً ، فأتَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَعَظَّمَ ذلكَ عَلَيَّ، قُلتُ : يا رَسولَ اللهِ ، أفلا أُعْتِقُهَا ؟
قالَ : ائْتِنِي بهَا فأتَيْتُهُ بهَا ، فَقالَ لَهَا : أيْنَ اللَّهُ ؟ قالَتْ : في السَّمَاءِ ، قالَ : مَن أنَا ؟ قالَتْ : أنْتَ رَسولُ اللهِ ، قالَ : ” أعْتِقْهَا ، فإنَّهَا مُؤْمِنَةٌ “.
( رواه مسلم ).

ندعوكم لقراءة : القلب السليم

من أجمل ما قرأت عن القلب :
كلما طهر القلب رقّ ، فإذا رق راق ، وإذا راق ذاق ، وإذا ذاق فاق ، وإذا فاق اشتاق .
وإذا اشتاق اجتهد ، وإذا اجتهد هبت عليه نسائم الجنة ؛ فيفرح بالطاعة .
ومن ذاق عرف ، ومن عرف اغترف ، ومن اغترف نال الشرف .
اللهم اجعلنا ممن راقوا ، وذاقوا ، وفاقوا ، واشتاقوا ، واجتهدوا بطاعتك .

لله در الدكتور حمزة الفتحي القائل :

القلب ملك الأعضاء ، وسيد الأشياء ، وسر عظمة الإنسان ، وآلة فهم القرآن ، به استصلاح النفوس ، ودرء الحزن والعبوس ، لا تمتلئ القلوب من معارفه ، ولا تشبع من لطائفه ، به تحيا وتعيش ، وبدونه تهلك وتطيش .

ويقول أيضًا :

في القلب خطر وحكمة ، تستوجب الرعاية والتغذية ، والإصلاح والتروية ، فهو المقلب المحزون ، والمصرف المفتون ، من أحياه حيا في حياته ، ومن أماته مات قبل وفاته ، ولا حياة له بغير مداد خالقه ، وزاد بارئه وحافظه ؛ ” ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير “. (سورة الملك)

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” تُعرَض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودا ، فأي قلب أُشرِبها نُكتت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نُكتت له نكتة بيضاء ، حتى يصير على قلبين : أبيض مثل الصفا ، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض ، والآخر أسود مربادًا كالكوز مجخيًّا لا يعرف معروفًا ولا يُنكِر مُنكرًا إلا ما أُشرب من هواه “. (رواه مسلم)

قال ابن القيم رحمه الله تعالى ، في كتابه [ إغاثة اللهفان ] بعد ذكره للحديث المتقدم :

{ وقد قسم الصحابة رضي الله تعالى عنهم القلوب إلى أربعة ، كما صح عن حذيفة بن اليمان القلوب أربعة : قلب أجرد فيه سراج يزهر ، فذلك قلب المؤمن ، وقلب أغلف ، فذلك قلب الكافر ، وقلب منكوس ، فذلك قلب المنافق ، عرف ثم أنكر وأبصر ثم عمي ، وقلب تمده مادتان ، مادة إيمان ، ومادة نفاق ، وهو لما غلب عليه منهما }.

Exit mobile version