اللطيف الخبير
اللطيف الخبير :
قال الله الملك الحق :
” لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ “. (الأنعام : 103)
لا تحيط به الأبصار ، وهو سبحانه يدرك الأبصار ، ويحيط بها ، وهو اللطيف بعباده الصالحين ، الخبير بهم .
– معنى الاسمين الجليلين :
يقول الدكتور طارق السويدان :
اللطيف : الرفيق بعباده ، يرزق وييسر ويحسن إليهم ، ويرفق بهم ، ويتفضل عليهم .
والخبير : العليم بدقائق الأمور ، لا تخفى عليه خافية ، ولا يغيب عن علمه شيء ، العالِم بما كان ويكون .
– مع العلامة عبد الرحمن السعدي ، نتعلم مفهوم هذه الآية الكريمة :
{ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ } لعظمته ، وجلاله وكماله ، أي : لا تحيط به الأبصار ، وإن كانت تراه ، وتفرح بالنظر إلى وجهه الكريم ، فنفي الإدراك لا ينفي الرؤية ، بل يثبتها بالمفهوم .
فإنه إذا نفى الإدراك ، الذي هو أخص أوصاف الرؤية ، دلَّ على أن الرؤية ثابتة .
فإنه لو أراد نفي الرؤية ، لقال ” لا تراه الأبصار ” ونحو ذلك ، فعلم أنه ليس في الآية حجة لمذهب المعطلة ، الذين ينفون رؤية ربهم في الآخرة ، بل فيها ما يدل على نقيض قولهم .
{ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ } ؛ أي : هو الذي أحاط علمه ، بالظواهر والبواطن ، وسمعه بجميع الأصوات الظاهرة ، والخفية ، وبصره بجميع المبصرات ، صغارها ، وكبارها ، ولهذا قال : { وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } الذي لطف علمه وخبرته ، ودق حتى أدرك السرائر والخفايا ، والخبايا والبواطن .
ومن لطفه ، أنه يسوق عبده إلى مصالح دينه ، ويوصلها إليه بالطرق التي لا يشعر بها العبد ، ولا يسعى فيها ، ويوصله إلى السعادة الأبدية ، والفلاح السرمدي ، من حيث لا يحتسب ، حتى أنه يقدر عليه الأمور ، التي يكرهها العبد ، ويتألم منها ، ويدعو الله أن يزيلها ، لعلمه أن دينه أصلح ، وأن كماله متوقف عليها ، فسبحان اللطيف لما يشاء ، الرحيم بالمؤمنين .
– اسم الله اللطيف :
ورد اسم الله اللطيف في سبعة مواضع في القرآن الكريم ، ولم يقترن إلا باسم الله الخبير ، كما في قوله تعالى : ” أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ ” (الملك : 14) ، وقوله سبحانه : ” وَٱذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْمَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا “. (الأحزاب : 34)
وورد الاسم بصيغة لطيف بعباده في قوله تعالى : ” ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ “. (الشورى : 19)
كما ورد بصيغة لطيف لما يشاء في قوله تعالى : ” إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ “. (يوسف : 100)
– اسم الله الخبير :
ورد اسم الله الخبير 44 مرة في القرآن الكريم ، أغلبها مفردة في 27 موضعًا ؛ منها قوله تعالى : ” يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ “. (الحشر : 18)
واقترن اسم الله الخبير في القرآن بأربعة أسماء هي الحكيم ، وذلك في أربعة مواضع كما في قوله تعالى : ” وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ “. (الأنعام : 18)
واقترن باسم الله اللطيف 5 مرات كما في قوله : ” لَّا تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَـٰرَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ “. (الأنعام : 103)
واقترن باسم الله العليم ثلاث مرات كما في قوله تعالى : ” فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَـٰذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْخَبِيرُ “. (التحريم : 3)
واقترن باسم الله البصير ثلاث مرات كما في قوله تعالى : ” وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًَا بَصِيرًا”. (الإسراء : 17)
– في السنة المطهرة :
ورد اسما الله اللطيف الخبير في الحديث الذي أخرجه مسلم عن عائشة رضي الله عنها والذي حكت فيه ليلة كان النبي صلى الله عليه وسلم عندها ، وجاءه جبريل عليه السلام يبلغه أن ربه يأمره أن يأتي أهل البقيع فيستغفر لهم ، وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم لأمر ربه وقد ظن أن السيدة عائشة نائمة فلم يرد أن يوقظها ، ولكنها انطلقت على إثره حتى جاء البقيع ، تقول : فقام فأطال القيام ، ثم رفع يديه ثلاث مرات ، ثم انحرف فانحرفت ، فأسرع فأسرعت ، فهرول فهرولت ، فأحضر فأحضرت فسبقته فدخلت ، فليس إلا أن اضطجعت ، فدخل فقال : ما لك يا عائش حشيا رابية ، قالت : قلت : لا شيء ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير ، فأخبرته ما كان منها .
– لا تخرج عن لطفه :
سبحانه من إله ؛ لطيف خبير ، عليم حكيم ، تواب رحيم ؛ الأقدار كلها التي تصيبنا لا تخرج عن لطفه ، ولكننا لا ندرك ذلك بسبب طبيعتنا .
فوّض أمرك إلى الله وارضَ بأقداره .
تدابير الله كلها خير حتى لو جهلنا ذلك ؛ بسبب محدودية بصيرتنا البشرية .
راجعوا سورة الكهف ، ومافيها من عظات وعبر ، وتمعنوا في قصة موسى والخضر ؛ فأفهامنا قاصرة ، والرب اللطيف يعلم ما لا تعلمون .
ما قُدِّرَ لنا الانتهاء سينتهيّ ، وما قُدِّرَ لنا البدء سيبدأ ، وما قُدَّر لنا النسيان سننساه ، وكل شيء سيأخذ مساره الصحيح .
القلق وكثرة التفكير والضغط على النفس لتغيير واقع لم يحن وقت تغييره جهد مهدور وهَلكة للنفس .
لراحة بالك : لا تحاول أن تفهم كل شيء ، إن لم يكن معك سوى حسن الظن بالله لتبدأ به يومك فاعلم أنك تملك أهم أسباب نجاحك .
ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير .