سيرة الحبيب ﷺ

الكفار يسجدون عند سماع القرآن

الكفار يسجدون عند سماع القرآن :

( ٣٧ ) الحلقة السابعة والعشرون من سيرة الحبيب ﷺ :

سؤال من الحلقة الماضية يشغل أذهاننا : هل استطاع المشركون اللحاق بالمؤمنين المهاجرين إلى الحبشة ؟

قدَّر الله أن أدرك قريش المهاجرون إلى الحبشة ، إلا أن الله كتب النجاة للمسلمين وأخذوا سفينة إلى الحبشة ، وأفلتوا من المشركين ، ليلجأ المسلمون إلى الله ، وليعلموا أن الأخذ بالأسباب لا ينفع إلا إذا أراد الله ، وليدركوا حق الإدراك أن الكون كله بيد الله يُصرّفه كيف يشاء .

وصل المسلمون بأمان إلى أرض الحبشة ، واستقبلهم النَّجَاشِيّ خير استقبال .

ومرَّت الشهور …

– الكفار يسجدون عند سماع القرآن :

وفي أثناء هجرة المؤمنين للحبشة ، حدث أمر عجيب في مكة ، وفي ساحة البيت الحرام !

فقد كان من أساليب الكافرين لمنع الناس من التَّأثُّر بكلام الله أن يمنعوهم من الاستماع للقرآن ، لأنهم يعلمون أنه لو سمع أحدهم القرآن فقد يؤمن به ، قال تعالى : ” وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَا تَسۡمَعُوا۟ لِهَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ وَٱلۡغَوۡا۟ فِیهِ لَعَلَّكُمۡ تَغۡلِبُونَ “.

لكن في يوم من الأيام كان المشركون مجتمعين في البيت الحرام ، وكان معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمؤمنون ، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم يتلو سورة النجم كاملة : ” وَٱلنَّجۡمِ إِذَا هَوَىٰ (١) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمۡ وَمَا غَوَىٰ (٢) وَمَا یَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰۤ (٣) إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡیࣱ یُوحَىٰ (٤) عَلَّمَهُۥ شَدِیدُ ٱلۡقُوَىٰ (٥) ذُو مِرَّةࣲ فَٱسۡتَوَىٰ (٦) وَهُوَ بِٱلۡأُفُقِ ٱلۡأَعۡلَىٰ (٧) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ (٨) فَكَانَ قَابَ قَوۡسَیۡنِ أَوۡ أَدۡنَىٰ (٩) فَأَوۡحَىٰۤ إِلَىٰ عَبۡدِهِۦ مَاۤ أَوۡحَىٰ (١٠) مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰۤ (١١) أَفَتُمَـٰرُونَهُۥ عَلَىٰ مَا یَرَىٰ (١٢) “.
فتأثَّر المشركون بروعة الآيات ، وتَسَمَّرَت أقدامهم ، حتى إنه بدأ صلى الله عليه وسلم يقرأ آيات تُسَفِّه أصنامهم وآلهتهم المزعومة ، والمشركون لم ينطقوا بكلمة واحدة ، بل ظَلُّوا يستمعون القرآن مبهورين انبهارًا كاملًا : ” أَفَرَءَیۡتُمُ ٱللَّـٰتَ وَٱلۡعُزَّىٰ (١٩) وَمَنَوٰةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلۡأُخۡرَىٰۤ (٢٠) أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلۡأُنثَىٰ (٢١) تِلۡكَ إِذࣰا قِسۡمَةࣱ ضِیزَىٰۤ (٢٢) إِنۡ هِیَ إِلَّاۤ أَسۡمَاۤءࣱ سَمَّیۡتُمُوهَاۤ أَنتُمۡ وَءَابَاۤؤُكُم مَّاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَـٰنٍۚ إِن یَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى ٱلۡأَنفُسُۖ وَلَقَدۡ جَاۤءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلۡهُدَىٰۤ (٢٣) “.
وحين وصل صلى الله عليه وسلم إلى آية السجود في السورة : ” أَزِفَتِ ٱلۡـَٔازِفَةُ (٥٧) لَیۡسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللهِ كَاشِفَةٌ (٥٨) أَفَمِنۡ هَـٰذَا ٱلۡحَدِیثِ تَعۡجَبُونَ (٥٩) وَتَضۡحَكُونَ وَلَا تَبۡكُونَ (٦٠) وَأَنتُمۡ سَـٰمِدُونَ (٦١) فَٱسۡجُدُوا۟ لِله وَٱعۡبُدُوا۟ ۩ (٦٢) “.
سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسجد المؤمنون معه ، لكن المفاجأة الكبرى أن المشركين أيضًا لم يستطيعوا أن يمنعوا أنفسهم من السجود لله رب العالمين ، سجدوا جميعًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد طارت قلوبهم وذهلت عقولهم ، ثم ما لبثوا أن نكسوا من جديد على رءوسهم متعجبين : ماذا فعلنا ؟!
” وَجَحَدُوا۟ بِهَا وَٱسۡتَیۡقَنَتۡهَاۤ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمࣰا وَعُلُوࣰّاۚ فَٱنظُرۡ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِینَ “.

ندعوكم لقراءة : هجرة المسلمين للحبشة 1

– العودة الأولى لمهاجري الحبشة إلى مكة :

وصلت أخبار كاذبة للمهاجرين بالحبشة بأن قريشًا قد أسلمت ، وذلك بعد واقعة سجود الكفار في البيت الحرام عند سماعهم القرآن ، فشعر المهاجرون بسعادة بالغة ، وزاد حنينهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولديارهم ، فقرروا الرجوع إلى مكة .

وكم من الأثمان يدفعها كثير من المسلمين مقابل تصديقهم للشائعات قبل تَثَبُّتهم منها ! وكم من الوقت والجهد والمال يضيع من جرَّاء مثل هذه الشائعات ! لذا فعلى المسلمين دائمًا أن يتبيَّنوا أولًا .

ثم كانت الصدمة القاسية عند وصولهم ، عندما اكتشفوا أن الخبر كان إشاعة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله !

لكن بفضل من الله كان المسلمون على حذر كافٍ عندما اقتربوا من مكة ، فقد انتظروا حتى الليل ، وقد أرسلوا رسولًا ليجيء لهم بالخبر وانتظروا خارجها ، فأتاهم الرسول وأخبرهم أن أهل مكة مازالوا على شركهم ، وكانت صدمة قوية ومشكلة كبيرة للمؤمنين ، وعقدوا مجلسًا للشورى ، وخرجوا من اجتماعهم بثلاث توصيات:

الأولى : أن يعود غالبيتهم مرة ثانية إلى الحبشة دون دخول مكة ، وهو أمر شاق على النفس ، ولكنه أكثر أمنًا.

والثانية : أن يدخل البعض مكة سرًّا مستخفين لقضاء بعض المصالح لهم ولبقية المهاجرين ، ثم العودة بعد ذلك .

والثالثة : أن يدخل بعضهم إلى أرض مكة جهارًا ، في جوارٍ واضح وحماية معلنة ؛ حتى لا يتعرَّض للقتل أو التعذيب ، وهؤلاء سوف يقومون بشرح أحوال الحبشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويتبادلون الأخبار مع المسلمين بمكة بخصوص أمر الهجرة .

وبالفعل تم تطبيق هذا الاتفاق وتلك التوصيات .

فأما الذين دخلوا مكة فكانوا : عثمان بن عفَّان رضي الله عنه ( في حماية قبيلته ) وزوجته السيدة رُقَيَّة رضي الله عنها ، بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعثمان بن مظعون رضي الله عنه ، دخل في جوار الوليد بن المغيرة المشرك ، وكانت إجارة غير مشروطة .

ونُكمل إن شاء الله في الحلقة القادمة .

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى