الشاعر الأستاذ :
كان الطغرائي الشاعر ، يُنعَت بالأستاذ ، وكان شاعرًا كبيرًا متميزًا .
ونسبته الطغرائي إلى كتابة الطغراء ؛ وهي الطرَّة التي تُكنَب في أعلى المناشير فوق البسملة بالقلم الجليّ ؛ كما قال ابن خلكان في وفيات الأعيان .
- موسوعة :
كان الطغرائي شاعرًا ، ولغويًّا ، وكاتبًا ، وطبيبًا ، وكيميائيًّا .
وكان وزيرًا ناجحًا .
وكان يتكلم العربية والفارسية .
- براعة في الشعر :
برع في كتابة الشعر ، وترقت به الحال في خدمة سلاطين آل سلجوق إلى أن صار وزيرًا للسلطان مسعود بن محمد السلجوقي صاحب الموصل .
ثم تولى وزارة ديوان الإنشاء وبلغ به الغاية في الجودة والإتقان ، حتى إنه لم يكن يضاهيه في دولة بني سلجوق أحد حتى مقتله .
والطغرائي : هو الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصمد ، أبو إسماعيل ، مؤيد الدين ، الأصبهاني الطغرائي .
شاعر ، من الوزراء الكتاب ، كان يُنعَت بالأستاذ .
وُلد بأصبهان ، واتصل بالسلطان مسعود بن محمد السلجوقي ( صاحب الموصل ) فولاه وزارته .
- اقتتال على السلطة :
من العجب العجيب العجاب أن يقتتل أخوان على السلطة ، وهذا حدث كثيرًا في التاريخ الإنساني ؛ ومن هذا اقتتال السلطان مسعود وأخيه السلطان محمود ؛ فظفر محمود وقبض على رجال مسعود ، وفي جملتهم الطغرائي ، فأراد قتله ثم خاف عاقبة النقمة عليه ، لما كان الطغرائي مشهورًا به من العلم والفضل ، فأوعز إلى من أشاع اتهامه بالإلحاد والزندقة ، فتناقل الناس ذلك ، فاتخذه السلطان محمود حجة ، فقتله .
بالله عليكم ، بأي ذنبٍ قُتل هذا الشاعر الأستاذ ، الذي كان يدعو إلى كل فضيلة ، وكان مشهورًا بالعلم والفضل ، علاوة على كونه وزيرًا لا يُشق له غبار !
أنصتوا إليه ، وهو يقول :
من قاسَ بالعلمِ الثراءَ فإنَّهُ … في حُكمهِ أعمى البصيرةِ كاذبُ
العلمُ تخدمُه بنفسك دائمًا … والمالُ يخدمُ عنكَ فيه نائبُ
والمالُ يُسلَبُ أو يبِيدُ لحادثٍ … والعلمُ لا يُخشَى عليه سالبُ
والعلمُ نقشٌ في فؤادِكَ راسخٌ … والمالُ ظِلٌّ عن فِنائِكَ ذاهبُ
هذا على الإنفاقِ يغزُرُ فيضُهُ … أبدًا وذلك حين يُنفَقُ ناضِبُ
- الشاعر الأديب :
عُرف الطغرائي شاعرًا وأديبًا بالدرجة الأولى ، فقد بلغ بأدبه وشعره منزلة رفيعة ومكانة سامية بين معاصريه ، وكانت قصائده تسير بها الركبان وتتناقلها الرواة ، ولا أدل على ذلك من شهرة قصيدته التي عرفت بلامية العجم ، التي لاقت شهرة واسعة ، وحظيت باهتمام بالغ في تاريخ الأدب العربي ؛ لفصاحتها وجزالة معانيها .
يقول عنها الصفدي في كتابه [ الغيث المسجم ] :
« أما فصاحة لفظها فيسبق السامع إلى حفظها ، وأما انسجامها فيطوف منه بخمر الأنس جامعًا ، وأما معانيها فنزهة معانيها ».
- أهمية لامية العجم :
ولأهمية هذه القصيدة ، فقد تناولها العلماء قديمًا وحديثًا بالشرح والبيان ، حتى بلغ عددهم الثلاثين ، من أشهرهم : أبو البقاء العكبري ( ت 616هـ ) في كتابه : [ شرح لامية العجم ] ، وصلاح الدين الصفدي ، في كتابه : [ الغيث المسجم في شرح لامية العجم ] ، وكمال الدين الدميري ( ت 808هـ ) في كتابه : [ المقصد الأتم في شرح لامية العجم ] ، كما شرحها محمد بن عمر الحضرمي ( ت 930هـ ) في كتابه : [ نشر العلم في شرح لامية العجم ] .. وممن شرحها من المتأخرين ، المناوي ( ت 1335هـ ) في كتابه : [ تحفة الرائي للامية الطغرائي ] ، وأبو حامد البطاوري ( ت 1355 هـ ) في كتابه : [ شافية الدُجم على لامية العجم ].
- وصف الشمس والقمر :
وقد تميز شعر الطغرائي بالجودة والرقة والإبداع في كثير من جوانبه وأغراضه ، يبرز ذلك جليًّا في مثل قوله في وصف الشمس والقمر :
وكأنما الشمسُ المنيرةُ إذْ بدتْ … والبدرُ يجنَحُ للمغيب وما غَرَبْ
متحاربانِ لذا مِجَنُّ صاغَهُ … من فضةٍ ولذا مِجَنٌّ من ذَهَبْ
- بيتٌ صار مثلًا :
وله البيت الشهير على الألسن ، من لامية العجم الذي صار مثلًا :
أُعَلِّل النفسَ بالآمال أرقبها … ما أضيق العيش لولا فسحة الأملِ
- يفتخر بعلمه :
ويقول مفتخرًا بعلمة وما حصله من معارف :
أما العلومُ فقد ظَفِرْتُ ببغْيتي … منها فما أحتاجُ أنْ أتعلَّمَا
وعرفت أسرارَ الخليقةِ كلَّها … عِلمًا أنارَ ليَ البهيمَ المُظلما
وورثتُ هُرْمُسَ سِرَّ حكمتِه الذي … ما زال ظنًّا في الغيوب مرجَّما
وملكتُ مفتاحَ الكُنوزِ بفطنةٍ … كشَفتْ ليَ السرَّ الخفيَّ المُبْهَما
لولا التَّقِيَّةُ كنتُ أُظهِرُ معجزًا … من حكمتي يشفي القلوبَ من العَمى
أهوى التكرُّمَ والتظاهرَ بالذي … عُلِّمْتُه والعقلُ يَنْهَى عنهما
وأُريدُ لا ألقى غبيًَا موسرًا … في العالمينَ ولا لبيبًا مُعدِما
والناسُ إما جاهلٌ أو ظالمٌ … فمتى أُطيقُ تكرُّمًا وتكلُّما
- علم الكيمياء :
ألم نَقُل إنه عالم موسوعي ؛ فها هو في علم الكيمياء يضرب بسهم ؛ فقد برع في هذا العلم حتى عُرِف في كثير من المصنفات بلقب الأستاذ ؛ ( كما جاء في كتب : وفيات الأعيان ؛ لابن خلكان ، والكامل في التاريخ ؛ لابن الأثير ، والأعلام ؛ للزركلي ، وغيرهم ).
وتكمن براعته في قدرته على فك رموز الكيمياء والكشف عن بعض أسراره .
وقد بذل جهودًا كثيرة في محاولة تحويل الفلزات الرخيصة من النحاس والرصاص إلى ذهب وفضة ، وأفنى في سبيل ذلك جهدًا ومالًا كبيرين .
وقد كتب الطغرائي عن هذه الصنعة ( الكيمياء ) وأجاز تحقيقها ولكنه بالغ في حكمة من يتوصل إلى الطريقة الصحيحة ، فهو يتطلب ممن يمارس الصنعة أن يجيد الحكمة فكرًا وعملًا .
ولقد كتب الطغرائي عن هذه الصنعة ( الكيمياء ) وأجاد تحقيقها ، وترك عددًا من الكتب تبين نبوغه في مجال الكيمياء ، وضمنها أهم النظريات العلمية المعروفة اليوم في الكيمياء ؛ ومن أهمها كتاب جامع الأسرار ، وكتاب تراكيب الأنوار ، وكتاب حقائق الاستشهادات ، وكتاب ذات الفوائد ، وكتاب الرد على ابن سينا في إبطال الكيمياء ، وكتاب مصابيح الحكمة ومفاتيح الرحمة .
- الدولة السَلْجُوقيَّة :
هي واحدة من الدول الكبرى في تاريخ الإسلام وإقليم وسط آسيا ، لعبت دورًا كبيرًا في تاريخ الدولة العباسية والحروب الصليبية والصِّراع الإسلامي البيزنطي .
تأسَّست الدولة على يد سلالة السَّلاجقة ، وهي سلالة تركيَّة تنحدر من قبيلة قنق التي تنتمي بدورها إلى مجموعة أتراك الأوغوز .
حكمت الدولة السَلْجُوقيَّة في أوج ازدهارها كافَّة إيران وأفغانستان ووسط آسيا وُصولًا إلى كاشغر في الشرق ، فضلًا عن العراق والشام والأناضول غربًا ، وُصولاً إلى مشارف القسطنطينية .
قامت الدولة منذ عام 429 هـ ( 1037م ) عندما دخل مؤسِّسها طغرل بك مدينة مرو في وسط آسيا ، وحتى عام 552 هـ ( 1157م ) عند مقتل السلطان أحمد سنجر ، الذي تفكَّكت الدولة بعده إلى ولايات منفصلة حكمت أجزاء مختلفة من وسط وغربي آسيا .