سبب نهضة اليابان :
اليابان ، وما أدراك ما اليابان ؛ لا مستحيل على الإطلاق ، في هذا البلد العملاق ، المبدع الخلَّاق ، علاوة على العلم والأخلاق .
أصبحت اليابان بدءًا من 2012م ثالث أكبر دولة اقتصاديًا من حيث الناتج المحلي الإجمالي بعد الولايات المتحدة والصين ، ورابع أكبر دولة اقتصاديًا من ناحية تعادل القدرة الشرائية بعد الولايات المتحدة والصين والهند .
ولله در أمير الشعراء القائل :
بالعِلمِ والمالِ يَبني النّاسُ مُلْكَهُمُ … لم يُبنَ مُلْكٌ على جهلٍ وإقلالِ
وهو القائل :
إنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت … فإن هُمُو ذَهبَت أَخْلاقُهم ذهبوا
- هيا لنتعرف على الرجل الذي نقل اليابان نقلة نوعية عظيمة :
كان الرجل يتساءل دائمًا عن سر تقدم الغرب على الشرق ، فاكتشف أن السر في المحرك والميكانيكا !!
يقول : إذا عرفت كيف تصنعه ، وضعت يدك على سر هذه الصناعة كلها .
فخرج من اليابان إلى ألمانيا في بعثة ؛ ليدرس علم الميكانيكا والمحركات ، وينال درجة الدكتوراه ، وهو يريد أن ينقل لبلده من علوم ألمانيا ، وأن ينهض بأمته .
فُوجئ الرجل أن الغرب لا يدرس للأجانب إلا نظريات على الورق ، يقول : ذهبت إلى ألمانيا فإذا بهم يدرسون لي الكتب والنظريات ، ولكنني أريد أن أمتلك القدرة على تصنيع المحركات ، وأن أعرف كيف أتعامل معها .
مكثت في حيرة أنظر إلى المحركات ، وكأنني طفل أمام لعبة جميلة ، ولكنها شديدة التعقيد ، حتى سمعت عن معرض للمحركات الإيطالية ، فأخذت كل ما أملكه من المال ، وذهبت إلى ذلك المعرض ، واشتريت محركًا مُستَعمَلًا ، وذهبت به إلى بيتي ، ثم شرعت في تفكيكه ، وقلت إذا فككته قطعة قطعة ، ثم استطعت إعادته ؛ فإن ذلك يعني أني سوف أمتلك المعرفة اللازمة للتعامل مع هذه المحركات .
ثم يكمل قائلًا : وكنت أفتح المحركات وأفككها ، ثم أرسم كل قطعة رسمًا دقيقًا ، وقد يستغرق ذلك مني يومًا كاملًا من أوله إلى آخره ، كنت آكل في اليوم وجبة واحدة ، ولا أصيب من النوم إلا ما يمكنني من مواصلة العمل ، ثم أعدت تركيبه ، فلما أعدته وبدأت تشغيله بنجاح ، فرحت حتى كاد قلبي أن يقف من الفرح ، ثم أخبرت رئيس بعثتي بأني قد بدأت الطريق ، فأعطاني محركًا عاطلًا ، فأصلحته بنجاح ، وقال لي : { لا بد الآن أن تصنع لنا محركًا كاملًا من صنع يدك }.
بعد ذلك قال رئيس البعثة : عليك الآن أن تصنع القطع بنفسك ، ثم تركبها محركًا .
ولكي أستطيع أن أفعل ذلك ، التحقت بمصانع صهر الحديد ، وصهر النحاس ، والألمنيوم ، وذلك بدلًا من أن أعد رسالة دكتوراه كما أراد مني أساتذتي الألمان .
تحولت إلى عامل ألبس بدلة زرقاء ، وأقف صاغرًا إلى جانب عامل صهر المعادن الغربي ، وكنت أطيع أوامره وكأنه سيد عظيم ، حتى كنت أخدمه وقت الأكل مع أنني من أسرة ساموراي ، والأسرة السامورائية هي من أشرف وأعرق الأسر في اليابان ، ولكنني كنت أخدم اليابان ، وفي سبيل اليابان يهون كل شيء .
قضيت في هذه الدراسات والتدريبات ثماني سنوات ، كنت أعمل خلالها ما بين عشر وخمس عشرة ساعة في اليوم .
وبعد انتهاء يوم العمل كنت آخذ نوبة حراسة ، وخلال الليل كنت أراجع قواعد كل صناعة على الطبيعة .
ويكمل قصته قائلًا : ثم سمع بي [ ميكادو ] إمبراطور اليابان ، ورغب في رؤيتي ، فقلت في نفسي : لن أستحق مقابلته إلا بعد أن أنشئ مصنعًا كاملًا للمحركات ، واستغرق ذلك منّي تسع سنوات .
وبعد تسع سنوات كاملة ، أخذت عشرة محركات ، وذهبت بها إلى الإمبراطور ، وقلت له هذه محركات يابانية مئة بالمئة ، فأدرناها فاشتغلت وإبتسم الميكادو وقال : هذه أعذب معزوفة سمعتها في حياتي ، صوت المحركات اليابانية الخالصة ؛ وهكذا ملكنا الموديول ، وهو سر قوة الغرب نقلناه إلى اليابان ، نقلنا قوة أوروبا إلى اليابان ، ونقلنا اليابان إلى الغرب .
فانظر إلى ثقة هذا الشاب بذاته ، تلك الثقة التي دفعته أن ينقل هذه التكنولوجيا المتقدمة ، بل ويطورها من أجل إفادة بلده وأمته ، وكانت سبب نهضة اليابان ، إنها الطاقة المحركة التي لا تهدأ ، إنها الثقة بالنفس .
إنه الساموراي الأعظم : تاكيو أوساهيرا .
وتعني كلمة [ ساموراي ] في اللغة اليابانية : الذي يضع نفسه في الخدمة .
ورغم أن اللفظ الأصلي استُعمل في [ فترة إيدو ] لتمييز الرجال الذين كانوا يسهرون على حفظ الأمن ، فقد تم تعميم هذه الكلمة لاحقًا على كل الرجال المحاربين في اليابان .
يظل الساموراي ذكرى بارزة في الثقافة الشعبية اليابانية .