الدنيا والآخرة

الدنيا والآخرة :

قال أحد السلف :
{ عجبت لمن يحزن على نقصان ماله ، ولا يحزن على نقصان عمره .
وعجبت لمن الدنيا مُدْبِرَةٌ عنه ، والآخرة مقبلةٌ عليه ، كيف يشتغل بالمُدْبِرَة ، ويُعرِض عن المقبلة! }.

فانظر حولك ؛ فإنك ترى أناسًا غافلين ، ترى غفلتهم في لهثهم وراء جمع حطامها ؛ كأنهم مخلَّدون في هذه الدنيا ، وربما يأتي بعضهم بالواجبات فيجعلها أمرًا ثانويًّا أو هامشيًّا ، فربما لا يصلي أحيانًا ، وإن صلى فاتته الصلاة أو أخرّها .

ومن النظرة الصحيحة أن يكون هناك مراعاة للأولويات ، وتقديم الأهم على المهم ، ولهذا أخبر الله عز وجل ، عن خسارة من يلهه ماله وولده عن ذكر الله عز وجل ، قال تعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ “. (المنافقون : 9)

إن الإنسان مهما عاش في هذه الدنيا فلابد في النهاية من لقاء الله عز وجل ، ” يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ “. (الانشقاق : 6)

أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
” يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ :
يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟
فَيَقُولُ : لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ .
وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ ، فَيُقَالُ لَهُ :
يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ ؟ وَهَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟
فَيَقُولُ : لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ ، مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ “.

سبحان الله !

فالإنسان ينسى كل ما مر به في هذه الدنيا من ترف وتنعم أو من بؤس وشدة ، ولا يبقى للإنسان إلا العمل الصالح ، العمل الصالح هو الكنز الحقيقي الذي ينبغي أن يسعى إليه الإنسان ، هو الكنز الذي يرتبط بالإنسان في حياته ومماته .

نعم إن من استقام على طاعة الله -عز وجل- فإنه يسعد السعادة العظيمة في الدنيا والآخرة .
هل رأيت أحدًا استقام على طاعة الله وندم ؟
قال تعالى : ” وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا “. (الأحزاب : 71)
وقال عز وجل : ” مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ “. (النحل : 97)

قال الله تبارك وتعالى :
” اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ “. (الحديد : 20)

أليس الحَقُّ أن العيشَ فانٍ … وأن الحيَّ غايته المماتُ
فنم ما شئت لاتُوحِشْكَ دنيا … ولا يحزنك من عَيْشٍ فَوَاتُ

في دنيانا هذه ، نسأل الله عز وجل – كما قال ابن القيم – ، العافية المطلقة من الكفر والفسوق والعصيان ، والغفلة والإعراض ، وفعل ما لا يحبه ، وترك ما يحبه فهذا حقيقة العافية .
ولهذا ما سُئل الرب شيئًا أحب إليه من العافية ؛ لأنها كلمة جامعة للتخلص من الشر كله وأسبابه .

ندعوكم لقراءة : هي دنيا

الاهتمام باليوم الآخر :
فمن مظاهر الاهتمام باليوم الآخر -إلى جانب ذكر أشراطه- كثرةُ ذكره في القرآن بأسماء متنوعة ( ذكر ابن كثير ليوم القيامة أكثر من ثمانين اسمًا ؛ انظر : النهاية / الفتن والملاحم تحقيق د. طه زيني ).

لكل منها دلالته الخاصة ، ومن هذه الأسماء :

1- السَّاعة : قال الله تعالى : ” إِنَّ السَّاعة لآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا “.  [غافر : 59]

2- يوم البعث : قال تعالى : ” لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ “. [الروم : 56]

3- يوم الدِّين : قال تعالى : ” مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ “. [الفاتحة : 4]

4- يوم الحسرة : قال تعالى : ” وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ “. [مريم : 39]

5- الدَّار الآخرة : قال تعالى : ” وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ “. [العنكبوت : 64]

6- يوم التَّناد : قال تعالى : ” إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ “. [غافر : 32]

7- دار القرار : قال تعالى : ” وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ “. [غافر : 39]

8- يوم الفَصل : قال تعالى : ” هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ “. [الصافات : 21]

9- يوم الجَمع : قال تعالى : ” وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ “. [الشورى : 7]

10- يوم الحِساب :  قال تعالى : ” هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ “. [ص : 53]

11- يوم الوعيد : قال تعالى : ” وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ “. [ق : 20]

12- يوم الخُلود : قال تعالى : ” ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ “. [ق : 34]

13- يوم الخُروج : قال تعالى : ” يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ “. [ق : 42]

14- الواقعة : قال تعالى :  ” إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ “. [الواقعة : 1]

15- الحاقة : قال تعالى : ” الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ “. [الحاقة : 1-3]

16- الطَّامَّة الكبرى : قال تعالى : ” فَإِذَا جَاءَتْ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى “. [النازعات : 34]

17- الصَّاخَّة: قال تعالى : ” فَإِذَا جَاءَتْ الصَّاخَّة “. [عبس : 33]

18- الآزفة : قال تعالى : ” أَزِفَتْ الآزِفَةُ “. [النجم : 57]

19- القارعة : قال تعالى: ” الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ “. [القارعة : 1-3]

( انظر : العقائد الإسلامية : 261-264 ؛ لسيد سابق ).

قال الله تعالى : ” وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ “. (العنكبوت : 64)

يقول الله تعالى مُخبِرًا عن حقارة الدنيا وزوالها وانقضائها ، وأنها لا دوام لها ، وغاية ما فيها لهو ولعب : ( وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ) أي : الحياة الدائمة الحق الذي لا زوال لها ولا انقضاء ، بل هي مستمرة أبد الآباد .

Exit mobile version