التربية الصحيحة
التربية الصحيحة :
كان المعلم ﷺ يجلس إلى أصحابه ، يعلمهم أمور دينهم ، يبين لهم الحقائق ، ويصحح لهم المفاهيم ، ويلفت انتباههم إلى ما غاب عنهم أو التبس عليهم ، وكثيرًا ما كان يُجلِّي لهم الفارق بين قوانين الدنيا وقوانين الآخرة ، ويبين موازين الله وموازين العباد .
إنه نِعْمَ المربي ، ونِعْمَ المعلم ﷺ .
كالغَيثِ ذِكْرُكَ يا حَبيبي لمْ يَزَلْ … يَسْقي القلوبَ مَحَبَّةً ونَعِيما
يا سَيّدَ الثَّقلينِ حُزْتَ مَكانةً … ومقامَ عِزٍّ في النُّفوسِ عَظِيما
يا مَنْ سَلَكْتُمْ نَهْجهُ وَسَبِيلهُ … صَلُّوا عَليهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما
- معنى التربية :
هيا بنا لنتعرف على معنى التربية ، كما عَرَّفَها المختصون :
عرَّفها أرسطو طاليس بقوله : { التربية هي إعداد العقل للتعليم كما تعد الأرض للبذر }.
وعرفها أبو حامد الغزالي بقوله : { إن صناعة التعليم هي أشرف الصناعات التي يستطيع الإنسان أن يحترفها ، وأن أهم أغراض التربية هي الفضيلة والتقرب إلى الله }.
وعرفها جون جاك روسو قائلًا : { إن واجب التربية تعمل على تهيئة الفرص الإنسانية ، كي ينمو الطفل على طبيعته انطلاقًا من ميوله واهتماماته }.
وعرفها رفاعة الطهطاوي قائلًا : { التربية تبني خلق الطفل على ما يليق بالمجتمع الفاضل وأن تنمي فيه جميع الفضائل وتصونه من الرذائل وتمكنه من تجاوز ذاته للتعاون مع أقرانه على فعل الخير }.
كل هذه التعاريف السابقة لا تتعدى أن تكون التربية إلا تلك العملية أو المجهود أو النشاط الذي يؤثر في قوى الطفل أو الراشد بالزيادة والتنمية ، أو الترقية ، أو التطور سواء كان ذلك من الطفل أو الراشد أو البيئة الاجتماعية أو الطبيعية من حوله .
- أحدث التعاريف :
التربية هي عملية التكيف أو التفاعل بين الفرد المتعلم وبيئته التي يعيش فيها ؛ وعملية التكيف أو التفاعل هذه تعني التكيف مع البيئة الطبيعية والاجتماعية بمظاهرها ، وهي عملية طويلة الأمد ولا نهاية لها إلا بانتهاء الحياة .
هي عملية نامية متطورة تبدأ منذ الولادة وتلازم الفرد طوال حياته ، فكلما عاش الانسان وجد أمامه خبرات هو في حاجة إلى أن يتعلمها .
- الواقع المُعَاش :
مع العالم العلامة الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى ، الذي تحدث عن الواقع المُعاش في هذا الموضوع التربوي الخطير ، فكتب يقول :
{ بعد الشّدَّة التي تربينا نحن عليها ، صرنا نخاف على أبنائنا من تأثيرات القسوة ، وبتنا نخشى عليهم حتى من العوارض الطبيعية كالجوع والنعاس ؛ فنطعمهم زيادة ، ونتركهم كسالى نائمين ، ولا نوقظهم للصلاة ، ولا نُحملهم المسؤولية شفقة عليهم ، ونقوم بكل الأعمال عنهم ، ونحضر لوازمهم ، ونهيئ سبل الراحة لهم ، ونقلل نومنا لنوقظهم ليدرسوا !
فأي تربية هذه ؟
ما ذنبنا نحن لنحمل مسؤوليتنا ومسؤليتهم ؟!
ألسنا بشرًا مثلهم ؟
ولنا قدرات وطاقات محدودة ؟
إننا نربي أبناءنا على الإتكالية ، وفوقها على الأنانية ، إذ ليس من العدل قيام الأم بواجبات الأبناء جميعًا وهم قعود ينظرون !
فلكلٍّ نصيب من المسؤولية ، والله جعل أبناءنا عزوة لنا ، وأمرهم بالإحسان إلينا ، فعكسنا الأمر ، وصرنا نحن الذين نبرهم ونستعطفهم ليرضوا عنا !!
ولأن دلالنا للأبناء زاد عن حده ، انقلب إلى ضده ؛ وباتوا لا يقدرون ولا يمتنون ويطلبون المزيد !
فهذه التربية تُفقد الابن الإحساس بالآخرين ( ومنهم أمه وأبوه ) ، ولن يجد بأسًا بالراحة على حساب سهرهم وتعبهم .
وإني أتساءل :
ما المشكلة لو تحمل صغيرك المسؤولية ؟
ماذا لو عمل وأنجز ، وشعر بالمعاناة وتألم ؟
فالدنيا دار كد وكدر ولا مفر من الشقاء فيها ليفوز وينجح ، والأم الحكيمة تترك صغيرها ليتحمل بعض مشاقها ، وتعينه بتوجيهاتها ، وتسنده بعواطفها ، فيشتد عوده ويصبح قادرًا على مواجهة مسؤولياته وحده }.
رحم الله الشيخ المعلم علي الطنطاوي رحمة واسعة .
- جنة الخلد خير :
يجب على المسلم أن يربي نفسه ويعودها على الحلال الخالص .
قال حكيم : { أصعب الحرام أوله ، ثم يسهل ، ثم يُستسَاغ ، ثم يُؤلَف ، ثم يَحلو ، ثم يطبع على القلب ، ثم يَبحث القلبُ عن حرامٍ آخر }.
فإذا دعتك نفسك إلى معصية ، فحاورها حوارًا لطيفًا بهذه الآية :
” قُلْ أَذَٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ “.
- فعل المواعظ :
من أصول التربية الصحيحة أن نفعل المواعظ ، لا أن نستمع إليها فقط .
ولله در القائل : { ﺍﻟﺤﻴَﺎﺓ فِتَنٌ ﻭَﺍﻟﺜَّﺒﺎﺕُ ﺻَﻌﺐ ؛ فالثَّبات لَا ﻳَﻜﻮﻥ ﺑِﻜﺜﺮَﺓ ﺍلاﺳﺘﻤَﺎﻉ إلى المواعظ ، ﺇﻧَّﻤﺎ ﻳَﻜﻮﻥ ﺑِﻔِﻌﻞِ ﻫَﺬﻩِ ﺍﻟﻤَﻮﺍﻋﻆ ؛ قال الله تبارك وتعالى : ” ﻭَﻟَﻮْ ﺃنَّهُمْ ﻓَﻌَﻠُﻮﺍْ ﻣَﺎ ﻳُﻮﻋَﻈُﻮﻥَ ﺑِﻪِ ﻟَﻜَﺎﻥَ ﺧَﻴْﺮًﺍ ﻟَّﻬُﻢْ ﻭَﺃَﺷَﺪَّ تَثْبِيتًا “}.
- المعلم والمربي الألماني :
سأل الألمان أنچيلا ميركل المستشارة الألمانية السابقة : لماذا يحصل المعلمون والمعلمات على رواتب أعلى من القضاة والدكاترة والمهندسين وكافة موظفي الشعب الألماني ؟
قالت لهم : { كيف نسمح لأنفسنا أن يتقاضى أحدنا راتبًا أعلى ممن علمونا أن نكون كما كنا }.
- الساجد قبل المساجد :
تربية الإسلام ، ونبي الإسلام ، خير تربية عرفتها البشرية ؛ في الصلاة والصيام والزكاة والحج ، وسائر مناحي الحياة .
وعلى سبيل المثال فإن شهر رمضان -في حد ذاته- مدرسة بكل المقاييس ؛ للمؤمنين وليس للمفاليس ؛ فرمضان الخاص بعباد الله الصالحين ، عبارة عن : مسجد وقيام ، ومصحف وصيام .
أما رمضان المُصلِحين : فجميع ما سبق ، وزد عليه : تفقد المتعففين ، وإفطار الصائمين ، والسعي في الحوائج ، وصلة الأرحام ، غير ذلك من أفعال البر .
وفي رمضان ، كان نبينا الإنسان ﷺ : يجاهد ، وينفق ، ويتفقد ، ويعلّم ، ويطعم ، كما كان يصوم ويقوم ؛ فأثر الخير المتعدي أفضل عند الله من الخير غير المتعدي ؛ باتفاق العلماء .
فتفقدوا إخوانكم ما استطعتم ، فالساجد قبل المساجد ، كما علمنا السابقون .
والله من وراء القصد ، وهو يهدي إلى سواء السبيل .