الاستقامة

الاستقامة ترفع الهامة ؛ وهي علامة وأي علامة ؛ فصاحبها قيمة وقامة ، فاعرف مقامه ، والتزم نظامه : صحوه ومنامه ، شربه وطعامه ، صلاته وصيامه ، ركوعه وقيامه .

فأعظم الكرامة ، لزوم الاستقامة .

ولقد اهتم ديننا الإسلامي الحنيف بالاستقامة اهتمامًا كبيرًا ، وأولاها عناية خاصة ، وأمر الله جل في علاه رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، وأتباعه رضوان الله عليهم أن يلتزموا بالاستقامة عقيدة وشريعة وأخلاقًا ، فهي تجمع الدين كله .

والاستقامة تتعلق بالأقوال والأفعال ، والأحوال ، والنيات .

قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
سمعت ابن تيمية يقول :
{ أعظم الكرامة لُزوم الاستقامة }.

– هود وأخواتها :

وقيل إن الذي شيَّب النبي صلى الله عليه وسلم من سورة هود هو قوله تعالى : ” فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ “.
ذكر ذلك القرطبي في تفسيره .

وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية هي أشد ولا أشق من هذه الآية عليه .

وروى عن ابن علي السري أنه قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت : يا رسول الله : رُوي عنك أنك قلت : شيبتني هود ؟
قال : نعم ، فقلت له : ما الذي شيبك منها ؟ قصص الأنبياء وهلاك الأمم ؟
فقال : لا ، ولكن قوله : ” فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ “. (انتهى من تفسير القرطبي)

قال الله جل شأنه :
” فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ “. (سورة هود : 112)

قال أهل التفسير :
فاستقم -أيها النبي- كما أمرك ربك أنت ومن تاب معك ، ولا تتجاوزوا ما حدَّه الله لكم ، إن ربَّكم بما تعملون من الأعمال كلها بصير ، لا يخفى عليه شيء منها ، وسيجازيكم عليها .

– قالوا عن الاستقامة :

تنوعت أقوال السلف وتعددت في وصف الاستقامة ، إليكها فتدبرها ، وافهمها للعلم والعمل بها :

ندعوكم لقراءة : الصراط المستقيم

– ولله در الشاعر عبد الغني النابلسي القائل :

ألا فتحقق أن كل استقامةٍ … بغير اعوجاجٍ ما عليها معوَّلُ

فإن اعوجاج القوس عين استقامةٍ … له في يد الرامي فلا يتحولُ

ولما استقام السهم زال بسرعةٍ … عن القوس فافهم أيها المتطولُ

وقصدي بهذا الاعوجاج هو الذي … رأته نفوس جاهلون فجهّلوا

ولا يفرقون الحق من باطل السوى … وشيطانهم يملي لهم ويسوِّلُ

وإلا فإن الاستقامة عينُ ما … هو الشرع يسمو من بها يتجملُ

وما الشرع إلا والحقيقة عينُهُ … وبينهما لا فرقٌ مُفَصَّلُ

– الشاعر :

هو عبد الغني بن إسماعيل بن عبد الغني النابلسي .. شاعر ، عالم بالدين والأدب ، مكثر من التصنيف ، متصوف .. وُلد ونشأ في دمشق ، ورحل إلى بغداد ، وعاد إلى سورية ، فتنقل في فلسطين ولبنان ، وسافر إلى مصر والحجاز ، واستقر في دمشق ، وتوفى بها.

له مصنفات كثيرة جدًّا ، منها ( الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية ) و ( تعطير الأنام في تعبير المنام ) و ( ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الأحاديث ) وفهرس لكتب الحديث الستة ، و ( علم الفلاحة ) و ( نفحات الأزهار على نسمات الأسحار ) و ( إيضاح الدلالات في سماع الآلات ) و ( ذيل نفحة الريحانة ) و ( حلة الذهب الإبريز ، في الرحلة إلى بعلبك وبقاع العزيز ) و ( الحقيقة والمجاز ، في رحلة الشام ومصر والحجاز ) و ( قلائد المرجان في عقائد أهل الإيمان ) ، و ( جواهر النصوص ) جزآن ، في شرح فصوص الحكم لابن عربي ، و ( شرح أنوار التنزيل للبيضاوي ) و ( كفاية المستفيد في علم التجويد ) و ( الاقتصاد في النطق بالضاد ) تجويد ، و ( مناجاة الحكيم ومناغاة القديم ) تصوف ، و ( خمرة الحان ) شرح رسالة الشيخ أرسلان ، و ( خمرة بابل وغناء البلابل ) من شعره ، و ( ديوان الحقائق ) من شعره ، و ( الرحلة الحجازية والرياض الأنسية ) و ( كنز الحق المبين في أحاديث سيد المرسلين ) وغيره كثير .

– خير ختام :

قال الله تعالى :

” إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ “. (فصلت : 30)

Exit mobile version