إمام الجرح والتعديل

إمام الجرح والتعديل :

قال فيه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني :

” الإمام المشهور ، والعَلَم المنشور ، في المناقب مذكور ، له التقشف والتعبد ، والتكشف عن الأخبار والتشدد ، أمير المؤمنين في الرواية والتحديث ، وزين المحدثين في القديم والحديث ، أكثر عنايته بتصحيح الآثار والتبري من تحمل الأوزار ، المتثبت المحجاج : أبو بسطام … ابن الحجاج ، كان للفقر عانقًا ، وبضمان الله تعالى واثقًا “.

هو الإمام الحافظ الهمام أبو بسطام ، أمير المؤمنين في الحديث في زمانه ، وعالم أهل البصرة ، وهو من تابعي التابعين .

وُلد بقرية نهريان أسفل مدينة واسط بالعراق ، سنة 82 هـ وقيل 83 هـ في خلافة عبد الملك بن مروان .

يرجع أصله إلى واسط في العراق وبها نشأ وترعرع ، ثم ارتحل إلى البصرة فسكن بها إلى أن تُوفي .

بدأ الإقبال على الحديث مبكرًا ، فقد كان أبوه من علماء الحديث ، وكانت أمه تحثه على السماع والطلب ، وأما أخواه فقد فرَّغاه عن العمل وكفياه مؤونته .

أخذ الحديث وسمعه من ثلاثمائة شيخ من التابعين ؛ حتى صار من أوعية العلم الذي لا يتقدمه أحد في الحديث في زمانه ، إضافة إلى كونه عالم البصرة وشيخها .. وهو من نظراء الأوزاعي ، ومعمر بن راشد ، وسفيان الثوري في الكثرة .

يقول الذهبي : روى عنه : عالم عظيم ، وانتشر حديثه في الآفاق .

وممن رووا عنه الإمام مالك بن أنس رحمه الله ، قال الذهبي في السير :
” ومن جلالته قد روى : مالك الإمام ، عن رجل ، عنه ، وهذا قل أن عمله مالك “.

ومن صبره على طلب العلم ، قال هو بنفسه عن نفسه :
” اختلفت ( أي ذهبت ) إلى عمرو بن دينار خمسمائة مرة ، وما سمعت منه إلا مائة حديث !! “.

ومن تقدير ذلكم الإمام الهمام لمشايخه ، قوله : ” كل من كتبت عنه حديثًا ، فأنا له عبدٌ “.

وكان يقول : ” أكثرتُ عن هؤلاء : ابن عوف ، والأسود بن شيبان ، وسليمان بن المغيرة ، ولو قدرت أن آخذ كل يوم لابن عوف بالركاب ( أي أقود له دابته ) ، لفعلت “.

كان أبو بسطام صاحب شعر وعالمًا بالعربية ؛ وكان يحث على تعلم العربية .

وقال الأصمعي : لم نر أحدًا قط أعلم بالشعر منه .

لعل أهم فضائل الإمام الحافظ -بعد الإيمان والورع- أنه أمير المؤمنين في الحديث ، ورأس علماء الرجال والعلل ؛ وأول من توسع في نقد الرواة ؛ وعنه أخذ الناس هذا العلم الشريف ، فهو الذي شيَّد أركان مدرسة الجرح والتعديل في العراق ، بل في العالم كله ؛ بعد أن استبانت له أصولها التي فهمها جيدًا وأتقنها إتقانًا ، واتضحت له أسسها التي ثبَّتها أسلافُه ؛ فقام -بعزم وجد وثبات واحتياط- يشيّد من فن النقد أركانه ، ويقيم على أسسه بنيانه ، يفعل ذلك حسبة وديانة ، وأداء لحق النصيحة والأمانة .

قال وكيع بن الجراح : إني لأرجو أن يرفع الله له درجات في الجنة ؛ بذَبِّه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال سفيان الثوري : هو أمير المؤمنين في الحديث .

وقال الشافعي : لولاه لَمَا عُرف الحديث بالعراق .

وقال أحمد بن حنبل : كان أمةً وحده في الحديث .

وقال حماد بن زيد : إذا خالفني في شيء تركتُه .

وقال حماد : قال لنا أيوب السَّختياني : الآن يقدَمُ عليكم رجلٌ من أهل واسط ، يقال له : ….. هو فارسٌ في الحديث ، فإذا قدم فخذوا عنه ، قال حمادٌ : فلما قدم أخذنا عنه .

وقال يحيى بن سعيد القطان : ما رأيت أحدًا قط أحسن حديثًا منه .

قال أبو قطن عمرو بن الهيثم : كان كثير الصلاة ، كثير الصيام ، سخيَّ النفس .

وقال كذلك : ما رأيته ركع قط إلا ظننت أنه نسي ، ولا قعد بين السجدتين إلا ظننت أنه نسي .

قال أبو بحر البكراوي : ما رأيت أحدًا أعبد لله منه ، لقد عبد الله حتى جف جلده على ظهره ليس بينهما لحم .

قال النضر بن شُمَيل : ما رأيت أرحم بمسكين منه ، كان إذا رأى المسكين لا يزال ينظر إليه حتى يُعطَى .

قال سليمان بن المغيرة : هو سيِّد المحدِّثين .

قال محمد بن عبدالله الرقاشي ، عن حماد بن زيد : أنه كان إذا حدث عنه ، قال : حدثنا الضخم عن الضخام : .… الخير أبو بسطام .

قال سفيان بن عيينة : سمعته يقول : من طلب الحديث أفلس ، بعت طست أمي بسبعة دنانير .

قال أبو الوليد الطيالسي : قال لي حماد بن زيد : إذا خالفني …. في حديث ، صرت إلى قوله ، قلت : كيف يا أبا إسماعيل ؟
قال : إنه كان لا يرضى أن يسمع الحديث عشرين مرةً ، وأنا أرضى أن أسمعه مرةً .

قال أبو بكر بن منجويه : كان من سادات أهل زمانه ؛ حفظًا وإتقانًا ، وورعًا وفضلًا ، وهو أول من فتش بالعراق عن أمر المحدثين ، وجانَبَ الضعفاء والمتروكين ، وصار علمًا يُقتدى به ، وتبعه عليه بعده أهل العراق .

قال أبو عبد الرحمن النسائي : أمناء الله على علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة : ….. بن الحَجَّاج ، ويحيى بن سعيد القطان ، ومالك بن أنس .

وقال النووي : أجمع العلماء على إمامته في الحديث ، وجلالته ، وتحرِّيه ، واحتياطه ، وإتقانه .

وقال الإمام الذهبي : كان إمامًا ، ثبتًا ، حجةً ، ناقدًا ، جِهْبِذًا ، صالحًا ، زاهدًا ، قانعًا بالقوت ، رأسًا في العلم والعمل ، منقطع القرين ، وهو أول مَن جرَّح وعدَّل .

توفي الإمام الحافظ بمدينة البصرة سنة 160 هـ ، وعمره ثمان وسبعون سنة .

قال الإمام الذهبى في سير أعلام النبلاء : قال ابنه سعد :
” أوصى أبي إذا مات أن أغسل كتبه ، فغسلتها “.

قال الذهبى : وهذا قد فعله غير واحد : بالغسل وبالحرق وبالدفن ؛ خوفًا من أن تقع فى يد إنسان واهٍ يزيد فيها أو يغيِّرها .


رحم الله إمام الجرح والتعديل : شعبة بن الحجاج .

ندعوكم لقراءة : صاحب معالم التنزيل

Exit mobile version