إلف الطاعة :
قال الله الملك الحق :
” قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ “. (آل عمران : 32)
قال الملك جل في علاه آمرًا لكل أحد من خاص وعام : ( قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا ) أي : خالفوا عن أمره ( فإن الله لا يحب الكافرين ) فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر ، والله لا يحب من اتصف بذلك ، وإن ادعى وزعم في نفسه أنه يحب لله ويتقرب إليه ، حتى يتابع الرسول النبي الأمي خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم .
الإلف : اجتماع مع التئام .
معنى الأُلْفَة لغةً :
يقال : ألِفته إلفًا -من باب علم- وألفته أنِسْت به ، ولزمته وأحببته ، والاسم الأُلفة بالضمِّ ، والأُلفة أيضًا اسم من الائتلاف ، وهو الالتئام والاجتماع .
فهو مُؤْلَفٌ ومأْلُوفٌ .. وأَلَّفْتُ بينهم تأْلِيفًا إذا جَمَعْتَ بينَهم بعد تَفَرُّقٍ .
معنى الأُلْفَة اصطلاحًا :
الأُلْفَة : اتِّفاق الآراء في المعاونة على تدبير المعاش .
وقال الرَّاغب : ( الإلْفُ : اجتماع مع التئام ، يقال : أَلَّفْتُ بينهم ، ومنه : الأُلْفَة ).
فلابد لكل من آمن بالله ربًّا ، وبالإسلام دينًا ، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا ، أن يطيع الله سبحانه في كل ما أمر ، ويطيع رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، ويجاهد نفسه في ذلك أشد المجاهدة ؛ حتى يعتاد على الأوامر والمواهب ويألفهما ؛ ليفوز لجنة عرضها السموات والأرض أُعدت للمتقين .
يقول الله تعالى : ” وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ “. (العنكبوت : 69)
ما تمارسه يوميًّا بصورة عادية ؛ سوف تتقنه بكفاءة عالية .
عندما تمارس القلق ، ستقلق لأتفه الأسباب ، فاستعن برب الفلق !
وعندما تمارس الغضب ، ستغضب بسبب ودون سبب ؛ فاحذر الغضب .
مارس الطمأنينة ؛ لتتقن السكينة .
مارس التفاؤل على كل حال ؛ لتتقن راحة البال .
مارس الثقة وحسن الظن بخالقك ؛ تنعم بالسعادة والخير ، تمامًا كما تفعل الطير .
إذا أكثرت من قراءة القرآن ؛ أَلِفْتَه ، وكذلك القيام .
وإن أكثرت من الصيام ؛ ألفته طول العام .
وإن أكثرت من الصدقات ، والطاعات ؛ ألفتها .
وإن أكثرت من ذكر الله ، وحافظت على الصلاة ، وأديت الزكاة ؛ ألفت هذه العبادات .
وإن طلبت العلم ، والتزمت الحلم ألفتهما .
وفي هذا يقول الإمام ابن القيم -طيَّب الله ثراه- : { لا يزال المرء يعاني الطاعة حتى يألفها ويحبها ، فيقيض الله له ملائكة تؤزه إليها أزًّا توقظه من نومه إليها ، ومن مجلسه إليها }.
لو اعتدت على الذكر والشكر لله رب العالمين ؛ ألفتهما جميعًا .
قال الإمام الشافعي رحمه الله :
{ إذا انكشف الغطاء يوم القيامة عن ثواب أعمال البشر ، لم يروا ثوابًا أفضل من ذكر الله تعالى .
فيتحسر عند ذلك أقوام فيقولون : ما كان شيء أيسر علينا من الذكر }.
ندعوكم لقراءة : المداومة على الطاعة
– نعمة الرضا :
تعود أن ترضى بكل ما قسمه الله تبارك وتعالى ؛ لتكون بذلك من أغنى الناس .
فإن من أعظم النعم التي قد يمتلكها الإنسان في حياته ، هي نعمة الرِضا ، إذ يعيش معها القلب مُرتاحًا ، مُطمئنًا ، هانئًا ، ويتحول العالم إلى جنّة في عينيّ صاحبها ، فيبصر من خلالها قيمة كل شيء يملكه مهما كانب بسيطًا .
فتِّش عن السعداء من حولك ستجد الرِضا حتمًا يسكن أعماقهم .
عندما تألف الطاعة ، ثم تحبها ؛ فإن الملك جل في عليائه يحبك ، وإذا أحبك الله استعملك :
- يصطفيك من بين عباده ، ويسوقك بلطفه الخفي العجيب إلى طاعةٍ أنت غافل عنها .
- يختارك من بين خلقه على كثرتهم ، ويستخرجك لتغيث عبدًا ملهوفًا ضاقت عليه الحيلة ، فيرحمك كما رحمته ، ويكون هذا المحتاج رحمة بك وبركة عليك !
- يجعلك داعيًا إليه ، معرّفًا به وبشريعته ، تحمل في كلماتك نورًا يستضيء به جاهل ، ويهتدي به ضالٌّ ، ويستفيق به غافل !
- يقيمك بين يديه في جوف الليل ، في وقت ينام فيه الخلق ، ويقطع آخرون ليلهم بالمعاصي والمجون !
- يقذف في قلبك حب كتابه ، ويشرح صدرك لمراجعته وضبطه ، فتحفظ برحمته وسابق منّته ، لا لفضل ذهنك وسرعة حفظك !
- يحبب إليك العلم ، ييسر لك الأسباب ، ويصرف عنك الموانع ، ويجعل في قلبك نورًا ، فمنه تفهم ، وبه تبصر .
اللهم لا تحرمنا من سعة رحمتك ، وكمال نعمتك ، وشمول عافيتك ، وجزيل عطائك ، وجود عفوك .
اللهم أخرجنا من حولنا إلى حولك ، ومن عزمنا إلى عزمك ، ومن ضعفنا إلى قوّتك ، ومن انكسارنا إلى عزتك ، ومن ضيق اختيارنا إلى براح إرادتك ، ومن عسرنا وكربنا الى فَرَجك ويسرك .