مواسم الأشراف

مواسم الأشراف :

يالها من كلمة قالها هذا الإمام العَلَم ، الذي يمتعنا بما كتبه بالريشة أو بالقلم .

قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى :
{ الأوقات الشراف مواسم الأشراف ؛ يعرفون لها جلال قدرها ، ويرغبون إلى الله في عظيم تزيد العامل نشاطًا في العمل ، وتطلق العاطل من عقال الكسل ، فأقيموا في هذه الأوقات المباركة دين الله حق الإقامة ، ولا تهتموا بتحصيل الغنيمة إلا بعد إحراز السلامة ، فإن فاعل الخير غانم ، وتارك الشر سالم .
والعاقل هو الذي تهمه سلامته من المعاطب قبل أن يهمه تحصيل المكاسب .
فردوا المظالم إلى المظلومين قبل أن تتصدقوا على الفقراء والمساكين .
واجعلوا عنايتكم بأوامر المفروضات والواجبات مقدمة على التطوع بالنوافل والمستحبات ، وأمسكوا ألسنتكم عن الكلام القبيح ، وأطلقوها بالتهليل والتسبيح }.
( التذكرة في الوعظ – ابن الجوزي ).

قال ربنا رفيع الدرجات :
” فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَاتِ “. (البقرة : 148)

والاستباق : المبادرة والمسارعة ، والأمر بالاستباق يعني المنافسة في ذلك وألا يقنع المسلم بمجرد الفعل حتى يكون مسارعًا فيه منافسًا لغيره في الإتيان به حتى يكون في ذلك من السابقين ، كما قال رسول الله ﷺ :
” لا حسد إلا في اثنتين : رجلٌ آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق ، ورجلٌ آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها “. (متفق عليه)

والمعنى أنه ينبغي ألا يُغبَط أحد إلا على إحدى هاتين الخصلتين .

وقد فسر أهل العلم الحسد في هذا الموضع بالمنافسة ، قال ابن حجر : { وأما الحسد المذكور في الحديث فهو الغبطة ، وأُطلق الحسد عليها مجازًا ، وهي أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره من غير أن يزول عنه ، والحرص على هذا يُسَمَّى منافسة }.

المسابقة لا يفوز فيها إلا الراكض دون الماشي ؛ كما قال عمير رضي الله تعالى عنه :

ركضًا إلى الله بغير زادِ
إلا التُّقَى وعمل المعادِ
والصبر في الله على الجهادِ
وكل زادٍ عرضه النفادِ
غير التُّقَى والبر والرشادِ

ندعوكم لقراءة : فرص مواتية

من رحمة الله ﷻ بعباده وإكرامه لهم سبحانه وبحمده أن هيأ لهم فرصًا تلو الفرص ، ومناسباتٍ تتلوها مناسبات ، في أيام طيبات مباركات ؛ هي -ورب الكعبة- نفحات ، يتعرض لها الذكي اللبيب ، لا تفوته دون أن يغتنمها الاغتنام الأمثل .

والوصول فيها سهل ، والإعانات مجانية للجميع ، والوقت فيها سريع ، قال سبحانه :
” وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا “. (الفرقان : 62)

فهناك مواسم ومناسبات يكون الوصول والدخول على الله سبحانه وتعالى في هذه المواسم بمواهب وهدايا ولطائف في يوم أو ليلة بلمحة خاطفة من خفايا لطفه سبحانه .

وفي هذا يقول أحد العلماء الأجلاء :
{ والتعرض لنفحات الله هو التعرض لعطاءات الله العظيمة ولا شك أن هناك فرقًا بين العطاءات والخيرات ، فعطاءات الله غير خيرات الله ، فخيرات الله نأخذها بالحواس ويستفيد بها الجسم كالطعام والشراب ، لكن عطاءات الله تنزل على القلب الذي صلح وصفا وطهر وأصبح جاهزًا لنزول العطاءات من الله جل في علاه .
ففي هذه الأيام المباركة تنزل عطاءات من الله كأن يُنزِل الله السكينة في قلوبنا ؛ قال تعالى : ” هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ “. (الفتح : 4)
أو يُنزل الله في قلوبنا الطمأنينة ؛ قال تعالى : ” أَلَا بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ “. (الرعد : 28)
أو أن يجعل الله في قلب المؤمن نورًا يمشي به في الناس : ” أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ “. (الأنعام : 122)
وغير ذلك من العطايا التي يمُنُّ الله بها على عباده في نفحات الدهر ، فعطايا الله عزَّ وجلَّ لا تُعدُّ ولا تُحصى ، وما ذكرنا من العطايا لا يساوي مثقالَ ذرة من العطايا الإلهية التي يتعرَّض لها الصالحون .
وذكر هذه العطايا لا يسعه وقت ولا تتحمله العقول ، وإنما ينزل من الخالق الأعظم عز وجل إلى قلوب الأحبة مباشرةً دون واسطة .
نسأل الله عز وجل أن نكون من أهل هذه العطاءات أجمعين .
ويتعرض المسلم لهذه العطاءات باغتنام نفحات الدهر والأيام المباركة والأوقات الفاضلة ، ويجب عليه أن يقوم بتجهيز القلب لتلقي العطاء الإلهي الذي لا يناله ” إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ “. (الشعراء : 89)
وقال الله في شأن الخليل إبراهيم : ” إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ “. (الصافات : 84)
لا بد أن يكون القلب سليمًا من الحظوظ والأهواء ، ومن الميل إلى الدنيا الفانية وإلى الشهوات وإلى كل المستلذات ، ويكون له ميل واحد في الله ولله عز وجل ، فينبغي أن يكون حال المسلم كما قال صلى الله عليه وسلم : ” لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ به “.
فلنبادر جميعًا باغتنام الفرصة في شهر رمضان المبارك فنجاهد أنفسنا لنتعرض لنفحات الله تعالى وعطاءاته العظيمة .
نسأله تعالى أن يمن علينا بالعطاءات التي تُصلِح حالنا في الدنيا وتسعدنا في الآخرة }.

أدلة الشرع الشريف في الكتاب والسُّنَّة النبوية متوافرة على الحث على استباق الخيرات وتحين الفرص ؛ ” فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَاتِ “.
فالدعاء يوم عرفة ، وليلة القدر ، وفي الثلث الأخير من الليل ، وساعة يوم الجمعة ، والدعاء حال السفر وفي مواضع السجود ، كل ذلك وغيره من الفرص التي يجب استغلالها على الوجه الصحيح .

وهناك حديث أورده الطبراني في الكبير ، يقول :
” إن لربكم في أيام دهركم نفحات ، فتعرضوا لها ، لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدًا “.
( والحديث حَكَمَ عليه السيوطي بالضعف ، وكذلك الشيخ الألباني في ضعيف الجامع الصغير وزيادته برقم : 1917 ، وكذلك في الضعيفة برقم : 3189 ).
والمعنى صحيح ، ولكن لزم التوضيح .

Exit mobile version