قالوا عنها : هي أجمع آية في القرآن الكريم .
يقول الله العلي العظيم :
” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ “. (النحل : 90)
هذه أجمع آية في القرآن للخير والشر ؛ كما قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ، في المستدرك للحاكم .
فيها أوامر ونواهٍ واضحة ؛ الأوامر : العدل والإحسان ، وإيتاء ذي القربي .
والنواهي : الفحشاء والمنكر والبغي .
- العدل :
فالعدل أساس المُلك ، وهو خلاف الجور ، وهو القصد في الأمور ، وما قام في النفوس أنه مستقيم ، وهو مِن : (عَدَلَ يَعْدِلُ فهو عادل).
والعدالة في الإسلام هي إعطاء الحق لأهله وافيًا غير منقوص في قليل أو كثير ، وعدم نقصانه أو زيادته على حساب الغير .
وهي أيضًا تحقيق التوازن بين طرفين أو أكثر .
كما عَرَّف ابن منظور -صاحب لسان العرب- العدل بأنه : « ما قام في النفوس أنه مستقيم وهو ضد الجور ، وهو الحكم بالحق ».
ومن كمال العدالة في الإسلام أنه أمر بالعدل ونهى عن الظلم ، وذكر ذلك في كثير من الآيات كما في قوله تعالى : ” وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعدلوا هو أقرب للتقوى “.
- الإحسان :
قال المعصوم صلى الله عليه وسلم في رده على جبريل عليه السلام عندما سأله عن الإحسان : ” الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك “.
ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره :
الإحسان فضيلة وذلك كنفع الناس بالمال والبدن والعلم ، وغير ذلك من أنواع النفع حتى إنه يدخل فيه الإحسان إلى الحيوان البهيم المأكول وغيره .
وخص الله إيتاء ذي القربى -وإن كان داخلًا في العموم- لتأكد حقهم وتعين صلتهم وبرهم ، والحرص على ذلك .
ويدخل في ذلك جميع الأقارب قريبهم وبعيدهم لكن كل ما كان أقرب كان أحق بالبر .
- ويقول السعدي عن الفحشاء والمنكر والبغي :
وقوله : وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وهي كل ذنب عظيم استفحشته الشرائع والفطر ؛ كالشرك بالله ، والقتل بغير حق ، والزنا ، والسرقة ، والعجب والكبر ، واحتقار الخلق ، وغير ذلك من الفواحش .
ويدخل في المنكر كل ذنب ومعصية متعلق بحق الله تعالى .
والبغي كل عدوان على الخلق في الدماء والأموال والأعراض .
– آية جامعة :
هذه الآية جامعة لجميع المأمورات والمنهيات لم يبق شيء إلا دخل فيها ، فهذه قاعدة ترجع إليها سائر الجزئيات ، فكل مسألة مشتملة على عدل أو إحسان أو إيتاء ذي القربى فهي مما أمر الله به .
وكل مسألة مشتملة على فحشاء أو منكر أو بغي فهي مما نهى الله عنه .
وبها يعلم حسن ما أمر الله به وقبح ما نهى عنه ، وبها يعتبر ما عند الناس من الأقوال وترد إليها سائر الأحوال .. فتبارك من جعل في كلامه الهدى والشفاء والنور والفرقان بين جميع الأشياء .
ولهذا قال : يَعِظُكُمْ بِهِ أي : بما بينه لكم في كتابه بأمركم بما فيه غاية صلاحكم ونهيكم عما فيه مضرتكم .
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ما يعظكم به فتفهمونه وتعقلونه ، فإنكم إذا تذكرتموه وعقلتموه عملتم بمقتضاه فسعدتم سعادة لا شقاوة معها .
– الآية والوليد :
سمع هذه الآيةَ الوليدُ بن المغيرة ( والد البطل الأسطوري المسلم خالد بن الوليد ) ، فقال كلامًا طيبًا .
قال أيوب عن عكرمة : إن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الوليد : ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ… ” إلى آخر الآية فقال له : يا ابن أخي أعد ، فأعاد عليه ، فقال : إن له والله لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق ، وما هو بقول البشر .
– قالوا :
قال ابن عباس ابن عم سيد الناس : العدل : التوحيد ، والإحسان : أداء الفرائض .
وعنه : الإحسان : الإخلاص في التوحيد ، وذلك معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه “.
وقال مقاتل ( تلميذ ابن عباس ) : العدل : التوحيد ، والإحسان : العفو عن الناس .
(وإيتاء ذي القربى ) صلة الرحم .
( وينهى عن الفحشاء ) ما قبح من القول والفعل .
وقال ابن عباس : الزنا ، ( والمنكر ) ما لا يعرف في شريعة ولا سنة ، ( والبغي ) الكبر والظلم .
وقال ابن عيينة : العدل : استواء السر والعلانية ، والإحسان : أن تكون سريرته أحسن من علانيته ، والفحشاء والمنكر : أن تكون علانيته أحسن من سريرته .
وقال ابن العربي : العدل بين العبد وربه : إيثار حقه -تبارك وتعالى- على حظ نفسه ، وتقديم رضاه على هواه ، والاجتناب للزواجر والامتثال للأوامر .
وأما العدل بينه وبين نفسه فمنعه ما فيه هلاكها .. وأما العدل بينه وبين غيره فبذل النصيحة ، وترك الخيانة فيما قل أو كثر ، والإنصاف من نفسك لهم بكل وجه .
ويضيف إمامنا الأكبر شيخ الأزهر السابق الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي رحمه الله بقوله :
العدل هو أن يلتزم الإنسان جانب الحق والقسط في كل أقواله وأعماله ، وأن الإحسان يشمل إحسان الشيء في ذاته سواء أكان هذا الشيء يتعلق بالعقائد أم بالعبادات أم بغيرهما ، كما يشمل إحسان المسلم إلى غيره .
فالإحسان أوسع مدلولًا من العدل ؛ لأنه إذا كان العدل معناه : أن تعطي كل ذي حق حقه ، دون إفراط أو تفريط ، فإن الإحسان يندرج تحته أن تضيف إلى ذلك : العفو عمن أساء إليك ، والصلة لمن قطعك ، والعطاء لمن حرمك .
وإيثار صيغة المضارع في قوله : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ …
لإفادة التجدد والاستمرار .
ولم يذكر -سبحانه- متعلقات العدل والإحسان ليعم الأمر جميع ما يعدل فيه ، وجميع ما يجب إحسانه وإتقانه من أقوال وأعمال ، وجميع ما ينبغي أن تحسن إليه من إنسان أو حيوان أو غيرهما .
وقوله -تبارك وتعالى- : وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى فضيلة ثالثة معطوفة على ما قبلها من عطف الخاص على العام ، إذ هي مندرجة في العدل والإحسان .
وخصها -سبحانه- بالذكر اهتمامًا بأمرها ، وتنويهًا بشأنها ، وتعظيمًا لقدرها .
والإيتاء : مصدر بمعنى الإعطاء ، وهو هنا مصدر مضاف لمفعوله .
والمعنى : إن الله -تبارك وتعالى- يأمركم -أيها المسلمون- أمرًا دائمًا وواجبًا ، أن تلتزموا الحق والإنصاف في كل أقوالكم وأفعالكم وأحكامكم ، وأن تلتزموا التسامح والعفو والمراقبة لله -تبارك وتعالى- في كل أحوالكم .
كما يأمركم أن تقدموا لأقاربكم على سبيل المعاونة والمساعدة ، ما تستطيعون تقديمه لهم من خير وبر ؛ لأن هذه الفضائل متى سرت بينكم ، نلتم السعادة في دينكم ودنياكم ، إذ بالعدل ينال كل صاحب حق حقه ، وبالإحسان يكون التحاب والتواد والتراحم ، وبصلة الأقارب يكون التكافل والتعاون .