من أنباء الرسل

آدم وعدوه الأول

آدم وعدوه الأول :

إبليس هو العدو الأول لآدم ولزوجه ، ثم لذريتهما بعد ذلك .

لما أكمل الله تبارك وتعالى خَلْقَ آدم بيده ، وعلَّمَه الأسماء كلها ، ثم عرضهم على الملائكة ؛ فلم يعرفوها .

أمر الملك ﷻ الملائكةَ بالسجود لآدم ، إكرامًا وتعظيمًا وإجلالًا ، فبادروا بالسجود لتعظيم أمر الله عز وجل ، وكان بينهم إبليس ، ولم يكن منهم ، فاستكبر عن أمر ربهﷻ ، وامتنع من السجود لآدم .

وفي هذا يسأله الله عز وجل : ” قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ “. (الأعراف : 12)

ظهرت عداوة إبليس الواضحة لآدم وحواء ، على السواء ، ثم انتقلت هذه العداوة بالتبعية إلى بني آدم إلى يوم اللقاء .

  • الحكاية من البداية :

يقول الرب الجليل في محكم التنزيل :

« وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُون * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ * فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ». (البقرة : 30-37)

  • حوار بين الملك ﷻ والملائكة :

قال الملك ﷻ للملائكة : إني جاعل في الأرض خليفة ؛ وهو آدم الذي خلقه الله تعالى بيده ، ونفخ فيه من روحه ؛ وذلك لعمارة الأرض.

قالت الملائكة : يا ربَّنا علِّمْنا وأَرْشِدْنا ما الحكمة في ذلك ، مع أنَّ من شأنهم الإفساد في الأرض وإراقة الدماء ظلمًا وعدوانًا ، ونحن طوع أمرك ، ننزِّهك التنزيه اللائق بحمدك وجلالك ، ونمجِّدك بكل صفات الكمال والجلال؟ والخلافة لا تستقيم مع الإفساد في الأرض ولذلك تعجب الملائكة : أتجعل في الأرض خليفة ، وفيهم من يخرج من الاعتدال والإصلاح إلى الفساد وإراقة الدم ، والحال أننا ننزهك عما لا يليق بجلالك تنزيهًا متلبسًا بحمدك والثناء عليك ، وسؤالهم هذا ، إنما هو سؤال استعلام واكتشاف ، لا سؤال حسد واعتراض .

قال الملك جل وعلا : ” إني أعلم مالا تعلمون “.

وعلَّم الله ﷻ أسماء الأشياء كلها لآدم عليه السلام ، ثم عرض مسمياتها على الملائكة قائلًا لهم : أخبروني بأسماء هؤلاء الموجودات ، إن كنتم صادقين في أنكم أَوْلى بالاستخلاف في الأرض من آدم عليه السلام .

وبهذا أظهر الله سبحانه وتعالى لهم جانبًا من حكمة خلق آدم ، وأظهر كذلك عجزهم من استحقاق الخلافة .

نفت الملائكة عن أنفسهم أن يعلموا شيئًا غير ما علمهم الله تبارك وتعالى ، ثم ختموا بقولهم : إنك يارب العليم بكل شيء ، الحكيم في خلقك وأمرك .

قال الملك ﷻ لآدم عليه السلام : أخبرهم بأسماء هذه الأشياء التي عجَزوا عن معرفتها .

فلما أخبرهم آدم بها ، قال الملك للملائكة : لقد أخبرتكم أني أعلم ما خفي عنكم في السموات والأرض ، وأعلم ما تظهرونه وما تخفونه .

ندعوكم لقراءة : العدو الأول

  • تكريم الملك ﷻ لآدم :

قال الملك سبحانه وبحمده للملائكة : اسجدوا لآدم إكرامًا له وإظهارًا لفضله ؛ فأطاعوا جميعًا إلا إبليس امتنع عن السجود تكبرًا وحسدًا ، فصار من الجاحدين بالله تبارك وتعالى ، العاصين لأمره .

وقال الملك ﷻ : يا آدم اسكن أنت وزوجك حواء الجنة ، وتمتعا بثمارها تمتعًا هنيئًا واسعًا في أي مكان تشاءان فيها ، ولا تقربا هذه الشجرة ؛ حتى لا تقعا في المعصية ، فتصيرا من المتجاوزين أمر الملك ﷻ ، ولكن الشيطان الرجيم ، وهو عدو مبين لآدم وزوجه أوقعهما في الخطيئة بأنْ وسوس لهما حتى أكلا من الشجرة ، فتسبب في إخراجهما من الجنة ونعيمها .

وقال الله الحكيم العليم لهم : اهبطوا إلى الأرض ، يعادي بعضكم بعضًا – أي آدم وحواء والشيطان – ولكم في الأرض استقرار وإقامة ، وانتفاع بما فيها إلى وقت انتهاء آجالكم .

وتاب الملك ﷻ على آدم ؛ لأنه اعترف بذنبه ، ولم يرد الحكم على الله عز وجل ، كما فعل إبليس .

يقول الله الملك الحق :
« فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ » ؛ وهي قوله تعالى : « قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ». (الأعراف : 23)

اللهم تب علينا ؛ لنتوب ، واغفر لنا الذنوب ، واستر لنا العيوب .

  • وقفات مع الآيات :

الوقفة الأولى :
توجهت عناية الملك ﷻ إلى التراب فخلق منه بشرًا سويا ، وأفاض عليه من العلم والمعرفة مما عجزت الملائكة الكرام عن إدراكه .

الثانية :
الإنسان ضعيف ؛ هكذا خلقه الله تعالى ، وهو عرضة للنسيان ، كما نسي آدم أوامر الله عز وجل ، ونواهيه ؛ فأطاع إبليسَ عدوَّه ، وأكل من الشجرة التي نهاه الله عن الأكل منها .

الثالثة :
إن التوبة والأوبة والإنابة إلى الله تعالى سبيل الظفر برحمة الله الواسعة ، فإن آدم الذي عصى ربه تاب وقبل الله توبته ، فعلى العاصي أو المقصر المبادرة إلى التوبة والاستغفار دون قنوط ولا يأس من رحمة الله ورضوانه ومغفرته .

الرابعة :
الكبر والعناد والإصرار على الإفساد أسباب لاستحقاق السخط الإلهي ، واللعنة والغضب والطرد من رحمة الله ، فإن إبليس الذي أبى السجود ، وأصرّ على موقفه ، وعاند الله ، وتحدى سلطانه بإغراء الإنسان وصرفه عن إطاعة الله ، غضب الله عليه وطرده من الجنة إلى الأبد ، وأوعده نار جهنم .

فالحذار .. الحذار ، من الكبر والغرور والفخار .

والبدار .. البدار ، إلى طاعة العزيز الغفار .

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى