هداية السبيل
هداية السبيل :
قال الله عز وجل في كتابه العزيز :
« وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ». (العنكبوت : 69)
الذين جاهدوا في الله ، جل في علاه ؛ وهم كُثُر في كل زمانٍ ومكان ، وعلى رأسهم الهادي البشير ، محمد صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه الكرام ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
وعدهم رب العزة سبحانه أن يهديهم سبله في الدنيا والآخرة ؛ لمواصلة جهدهم في هداية الناس ، والأخذ بأيديهم إلى مرضاة رب الناس ، ملك الناس ، إله الناس ، عز وجل .
- وفي التفسير لابن كثير رحمه الله :
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن أبي الحواري ، حدثنا عباس الهمداني أبو أحمد – من أهل عكا – في قول الله : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) ، قال : الذين يعملون بما يعلمون ، يهديهم لما لا يعلمون .
قال أحمد بن أبي الحواري : فحدثت به أبا سليمان الداراني فأعجبه ، وقال : ليس ينبغي لمن ألهم شيئًا من الخير أن يعمل به حتى يسمعه في الأثر ، فإذا سمعه في الأثر عمل به ، وحمد الله حين وافق ما في نفسه .
وقوله : ( وإن الله لمع المحسنين ) ، قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عيسى بن جعفر – قاضي الري – حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن المغيرة ، عن الشعبي قال : قال عيسى ابن مريم ، عليه السلام : إنما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك ، ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك .
وفي حديث جبريل لما سأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن الإحسان قال : ” أخبرني عن الإحسان “.
قال : ” أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك “.
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : إنما قصر بنا عن علم ما جهلنا ، تقصيرنا في العمل بما علمنا .. ولو عملنا ببعض ما علمنا ؛ لأورثنا علمًا لا تقوم به أبداننا .
وقال أبو سليمان الداراني : ليس الجهاد في الآية قتال الكفار فقط ، بل هو نصر الدين ، والرد على المبطلين ، وقمع الظالمين ، وعظمه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومنه مجاهدة النفوس في طاعة الله ؛ وهو الجهاد الأكبر .
وقال سفيان بن عيينة لابن المبارك : إذا رأيت الناس قد اختلفوا ، فعليك بالمجاهدين وأهل الثغور ؛ فإن الله تعالى يقول : لنهدينهم .
ندعوكم لقراءة : الهداية من الله
- الجهاد في الهجرة :
الضحاك ، له رأي مختلف ؛ حيث يقول : معنى الآية والذين جاهدوا في الهجرة لنهدينهم سبل الثبات على الإيمان .
ثم قال : مَثَل السُّنَّة في الدنيا كمثل الجَنَّة في العقبى .
من دخل الجنة في العقبى سلم ، كذلك من لزم السُّنة في الدنيا سلم .
والضحاك بن مزاحم الهلالي ، تابعي ، مفسّر ، وأحد رواة الحديث النبوي الشريف .
روى له أصحاب السنن الأربعة .
- وقالوا في التفسير الميسر :
والمؤمنون الذين جاهدوا أعداء الله ، والنفس ، والشيطان ، وصبروا على الفتن والأذى في سبيل الله ، سيهديهم الله سبل الخير ، ويثبتهم على الصراط المستقيم ، ومَن هذه صفته فهو محسن إلى نفسه وإلى غيره .
وإن الله سبحانه وتعالى لمع مَن أحسن مِن خَلْقِه بالنصرة والتأييد والحفظ والهداية .
- ونختم بتفسير العالم الرباني عبد الرحمن بن ناصر السعدي ، رحمه الله تعالى :
{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا } وهم الذين هاجروا في سبيل اللّه ، وجاهدوا أعداءهم ، وبذلوا مجهودهم في اتباع مرضاته ، { لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } – أي : الطرق الموصلة إلينا ، وذلك لأنهم محسنون .. { وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } بالعون والنصر والهداية .
دل هذا ، على أن أحرى الناس بموافقة الصواب أهل الجهاد ، وعلى أن من أحسن فيما أمر به ، أعانه اللّه ويسر له أسباب الهداية ، وعلى أن من جد واجتهد في طلب العلم الشرعي ، فإنه يحصل له من الهداية والمعونة على تحصيل مطلوبه أمور إلهية ، خارجة عن مدرك اجتهاده ، وتيسر له أمر العلم ، فإن طلب العلم الشرعي من الجهاد في سبيل اللّه ، بل هو أحد نَوْعَي الجهاد ، الذي لا يقوم به إلا خواص الخلق ، وهو الجهاد بالقول واللسان ، للكفار والمنافقين ، والجهاد على تعليم أمور الدين ، وعلى رد نزاع المخالفين للحق ، ولو كانوا من المسلمين .