من ثمار الاستغفار أن الله عز وجل جعله سببًا في رفع العذاب والعقوبة قبل وقوعهما مصداقًا لقول الله عز وجل :
” وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ “. (الأنفال : 33)
قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه :
” كان لنا أمانان من العذاب ، ذهب أحدهما وهو كون الرسول صلى الله عليه وسلم فينا ، وبقي الاستغفار معنا ؛ فإن ذهب هلكنا .. فالاستغفار أمان من الله لعباده “.
– نوح وقومه :
رَغَّبَ نوح عليه السلام قومه في الاستغفار ؛ حتى تتنزّل عليهم الخيرات والبركات ، قال تعالى على لسانه :
” فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا “. (نوح : 10-12)
– ونبينا الأكرم :
وحبيبنا محمد المعلم صلى الله عليه وسلم رغبنا في الاستغفار ، فماذا قال ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” إنه ليُعان على قلبي ، وإني أستغفر الله في اليوم مائة مرة “. (رواه مسلم)
وقوله ( ليُعَان على قلبي ) أي الفتور قليلًا عن الذكر الذي شأنه أن يداوم عليه ، فإذا فتر عنه لأمر ما ، عدَّ ذلك ذَنْبًا فاستغفر منه !
وقيل : هو السكينة التي تغشى عليه ، والاستغفار لإظهار العبودية لله والشكر لما أولاه .
- ” واللهِ إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة “. (رواه البخاري)
- ” والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا ، لذهب الله تعالى بكم ، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله تعالى فيغفر لهم “. (رواه مسلم)
- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة : ” رب اغفر لي ، وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم “. (رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث صحيح)
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله ﷺ يكثر أن يقول قبل موته : ” سبحانك الله وبحمده ، أستغفر الله وأتوب إليه “. (متفق عليه)
فهذا رسول الله ﷺ الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، يكثر من الاستغفار والتوبة ، فما بالنا نحن نقصر في هذا الباب الواسع من أبواب رحمته سبحانه وتعالى .
أكثروا -إخوتاه- من الاستغفار ، رجاء أن يغفر لنا ذنوبنا وتقصيرنا في جنب الله عز وجل .
– سيد الاستغفار وفضله :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” سيد الاستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربي ، لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك عليَّ ، وأبوء بذنبي ، فاغفر لي ؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، من قالها من النهار موقنًا بها ، فمات من يومه قبل أن يمسي ؛ فهو من أهل الجنة ، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح ؛ فهو من أهل الجنة “. (رواه البخاري)
هذه الصيغة هي من أكمل الصّيغ ، وتقال صباحًا ، ومساءً كالأذكار ، فمن قالها دخل الجنّة .
– فضل الإستغفار بعد الصلاة :
الاستغفار دبر الصلاة كأنه اعتذار عن التقصير فيها ؛ لأننا مهما بلغنا من الخشوع فلن يكون هذا على قَدْر الله العظيم الذي نقف بين يديه ونطلب منه ، وهذا شبيهٌ بما ذكره الله عز وجل في شأن الحجاج وهم يطوفون طواف الإفاضة ؛ حيث قال : ” ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ “. (البقرة : 199)
فالاستغفار في هذه الموضع لجبر أيِّ تقصير كان في العبادة ، فلْنستغفر اللهَ ثلاثًا بعد الصلاة ، ولْنُعَظِّم اللهَ بالصيغة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ثوبان رضي الله عنه ، ولْنعلم أن ثواب الأعمال مرتبطٌ بقبول الله لها ، وقد يكون استغفارنا هو الرجاء الذي نُقَدِّمه لله لكي يقبل منا .
– حديث ثوبان :
عن ثوبان رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته ، استغفر الله ثلاثًا وقال : ” اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام “. (رواه مسلم)
– كيفية الاستغفار :
قيل للإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى ، وهو أحد رواة الحديث السابق :
كيف الاستغفار ؟
قال : يقول : أستغفر الله ، أستغفر الله .
– وبالأسحار هم يستغفرون :
قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
{ وَبِالْأَسْحَارِ } التي هي قبيل الفجر { هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } الله تعالى ، فمدوا صلاتهم إلى السحر ، ثم جلسوا في خاتمة قيامهم بالليل ، يستغفرون الله تعالى ، استغفار المذنب لذنبه .
وللاستغفار بالأسحار ، فضيلة وخصيصة ، ليست لغيره ، كما قال تعالى في وصف أهل الإيمان والطاعة : ” وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ”.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” من تعار من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ثم قال : اللهم اغفر لي ، أو دعا اُستجيب له ، فإن توضأ وصلى قُبِلَت صلاته “.
– أهل ملازمة الاستغفار :
لا يعرفون خيبة الأبواب المغلقة .
فهم يعلمون علم اليقين أن اللهَ قَرِيب ولِلداعِي مُجِيب ، ولِكُلِّ دعوة أجَل ، وحِين تَأتِي إرَادَة اللهْ تتَيَسّر مَسَرَّاتَك ، وَتَتمهَد الطٌرُق وتُفتَح مغَاليقُهَا وتُهَيأ أسبَابُهَا وتَتَجَمّل لتَأتِيكَ كَاملةً تَامَّة ، مَصحُوبَةً بِجَمِيل عَطَاءِ رَبّك ، فَلا يَغرَنَّك تَشَتّتَهَا الآن ولا تَحزَنْ لاستِحَالتِهَا ؛ فَـ واللهِ لو كَانَ بينَكَ وبينَهَا أعمَاقُ البِحَارْ ، وشَواهِقُ الجِبَال يَأتِ بهَا اللهْ إنّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِير .
– كثرة الاستغفار :
خير ما يُستقبل به موسم الطاعات : كثرة الاستغفار .
وهو الأمان الباقي لنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
يقول ابن كثير رحمه الله : ومن اتصف بهذه الصفة ؛ أي صفة الاستغفار ، يسَّر الله عليه رزقه ، وسهَّل عليه أمره ، وحفظ عليه شأنه وقوته .
تأمَّلوا قوة هذه الجملة التي قالها عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
” لو نزلت صاعقة من السماء ما أصابت مستغفر “.